رفعت ألمانيا درجة الإنذار حول توقف إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إلى الثانية، وهي الدرجة التي تسبق "حال طوارئ" مباشرة.
وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إن بلاده الآن في حال "أزمة غاز" بعد أن خفضت شركة "غازبروم" الروسية المملوكة للدولة إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب تحت بحر البلطيق "نورد ستريم1" 60 في المئة.
وقالت الحكومة الألمانية إنها لن تفعّل قانوناً يسمح لشركات الطاقة بتحميل المستهلك النهائي زيادة كلفة الغاز الطبيعي، على الرغم من ضغط شركات التوزيع لتفعيل القانون.
ويحمي ذلك المواطنين الألمان من زيادة فواتير استهلاك الطاقة في المنازل، على عكس ما حدث في بريطانيا، حيث تضاعفت قيمة فواتير الاستهلاك المنزلي مع رفع الحكومة سقف الأسعار لتتمكن الشركات من تحميل المواطنين زيادة كلفة الطاقة.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا مجدداً، وكانت تضاعفت أكثر من أربع مرات منذ نهاية العام الماضي، أي قبل الحرب في أوكرانيا.
ومنذ بدأت الحرب نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي بدأ الغرب في فرض عقوبات متتالية على روسيا، وتسعى دول أوروبا إلى إنهاء اعتمادها على واردات الطاقة الروسية، بخاصة الغاز الطبيعي الذي يشكل 40 في المئة من حاجات أوروبا.
شتاء الأزمة
وجدد المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول تحذيره دول أوروبا من أن عليها الاستعداد فوراً لاحتمال وقف روسيا كل صادرات الغاز الطبيعي إلى القارة هذا الشتاء.
وخلال الأسبوع الأخير بدأت "غازبروم" تقليل إمدادات الغاز لبعض الدول الأوروبية بالفعل، مما يجعل قدرة دول أوروبا على إعادة ملء مخزونات الغاز استعداداً للشتاء في غاية الصعوبة. وكان بيرول حذر سابقاً من أن دول أوروبا قد تضطر إلى تقنين استهلاك الطاقة، بخاصة في الاستخدام الصناعي للغاز الطبيعي مع نقص الإمدادات.
وفي مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" مطلع هذا الشهر، قال مدير وكالة الطاقة الدولية إنه "إذا جاء الشتاء قاسياً وطويلاً، وإذا لم تتخذ إجراءات في ما يتعلق بجانب الطلب، فلا أستبعد تقنين استهلاك الغاز الطبيعي في أوروبا بدءاً من المنشآت الصناعية الكبرى وامتداداً إلى غيرها أيضاً، أي إلى استهلاك الأسر في البيوت".
وأدى خفض الإمدادات عبر خط الأنابيب "نورد ستريم1" إلى تقليل الغاز الطبيعي الواصل إلى ألمانيا بالأساس، لكنه أيضاً أدى إلى انخفاض إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى إيطاليا والنمسا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا.
وكانت الشركة الروسية أوقفت إمدادات الغاز لدول أوروبية أخرى مثل بولندا وبلغاريا وفرنسا وهولندا.
يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى دول أوروبا إلى إعادة ملء مخزوناتها من الغاز الطبيعي التي وصلت إلى نصف سعتها تقريباً الآن، وطالبت المفوضية الأوروبية دول الاتحاد الأوروبي بضرورة ملء مخزوناتها من الغاز بنسبة 80 في المئة على الأقل بحلول شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن البدائل المتاحة لحصول دول أوروبا على الغاز لا تكفي لتعويض الواردات الروسية.
ونقلت صحيفة الـ "غارديان" البريطانية عن محلل شؤون النفط والغاز في شركة "إنفيستك" ناتان بايبر قوله إن "السبيل الوحيد للاقتراب من المستهدف لمخزونات الغاز الطبيعي في أوروبا هو أن ندفع أسعاراً عالية جداً. الولايات المتحدة ترسل الغاز الطبيعي لأوروبا بدلاً من آسيا لأن المشترين الأوروبيين يدفعون أسعاراً أعلى".
وأسعار الغاز الطبيعي المسال أعلى بكثير من الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب، لذا تكلف البدائل، سواء الواردات من أميركا أو من غيرها مثل قطر والجزائر ومصر، أكثر بكثير من واردات الغاز الروسي لأوروبا. وبحسب الـ "غارديان" لا يمكن لأوروبا توفير بدائل بالكامل لإمدادات الغاز الطبيعي الروسية.
نتائج كارثية
وأرجعت شركة "غازبروم" نقص الإمدادات عبر خط الأنابيب "نورد ستريم1" إلى عطل فني في إحدى محطات الضخ، وكذلك بدء أعمال الصيانة الدورية السنوية، لكن ألمانيا والغرب بعامة يتهمون روسيا باستخدام الغاز الطبيعي كسلاح في الصراع مع أوروبا، لذا تضغط الولايات المتحدة وبريطانيا لإنهاء الاعتماد الأوروبي على واردات الطاقة من روسيا.
وأوقفت الشركة الروسية إمدادات الغاز لبعض الدول التي لم تتعاقد على توريد كميات الغاز والدفع بالروبل، أما تقليل الإمدادات لدول أخرى فيعتمد على عدد الشركات المستوردة التي قبلت الدفع بالروبل وفتحت حسابات بالعملة الروسية في "غازبروم بنك" لهذا الغرض.
وتصر "غازبروم" على أنها ملتزمة بتوريد الكميات المتفق عليها للمشترين في أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومما عقد أزمة الغاز الانفجار وما تبعه من حريق في أحد أكبر منافذ تحميل الغاز الطبيعي المسال في ولاية تكساس جنوب الولايات المتحدة، إذ أدى ذلك إلى تقليل الإمدادات إلى أوروبا وارتفاع الأسعار أيضاً بشكل كبير، وبالطبع ستستفيد الشركات الأميركية من توريد الغاز الطبيعي المسال لأوروبا بأسعار عالية.
كما أن بريطانيا مستفيدة أيضاً من وقف إمدادات الغاز الطبيعي والنفط الروسي إلى أوروبا، إذ يزيد ذلك من إعادة تصدير الغاز والنفط من منافذ التفريغ في بريطانيا إلى دول أوروبية.
وفي شهر أبريل (نيسان) ارتفعت الصادرات البريطانية إلى أوروبا، أساساً بسبب النفط والغاز، للشهر الثالث على التوالي لتصل إلى أكثر من 20 مليار دولار (16.4 مليار جنيه استرليني) نتيجة تصدير الغاز والنفط إلى هولندا وجمهورية إيرلندا وغيرهما من دول الاتحاد الأوروبي.
وفي حال توقف إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا فستبدأ بعض الصناعات كثيفة الاعتماد على الغاز، مثل مصانع حديد الصلب، في تقليل إنتاجها أو حتى التوقف، كما قد تضطر دول أوروبا إلى زيادة الاعتماد على الفحم، الملوث الأكبر للبيئة بانبعاثاته الكربونية العالية، لتشغيل محطات توليد الكهرباء، وإذا استمرت الأزمة إلى فصل الشتاء ولم تتمكن الدول الأوروبية من ملء مخزوناتها من الغاز الطبيعي، فقد تشهد بعضها انقطاع التيار الكهربائي وتضرر السكان في منازلهم وليس فقط الشركات والأعمال.