بات الصراع اليوم على أشدّه بين القضاة التونسيين والرئيس قيس سعيّد بعد يوم الغضب الذي نفذه القضاة، الخميس 23 يونيو (حزيران)، ما يجعل هذا الصراع مفتوحاً على احتمالات متعددة، وسط شلل كلي يشهده المرفق القضائي منذ أسبوعين على إثر إعلان هياكل المهنة الإضراب بسبب إعفاء سعيد لـ 57 قاضياً من العمل من دون المرور بمسارات تأديبية بحسب ما يراه القضاة.
ونفذ القضاة ما اعتبروه "يوم غضب" أمام مقر المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، يوم سبق أن دعت إليه تنسيقية الهياكل القضائية ضمن سلسلة من التحركات الأخرى، ورفع القضاة خلال وقفتهم الاحتجاجية شعارات عدة من أبرزها، "حريات حريات لا قضاء التعليمات"، "لا رجوع لا رجوع لقضاء الخنوع"، كما رفعت لافتات تضمنت، "تسقط مراسيم تحطيم استقلال القضاء"، "لا لتركيع القضاء، لا لأوامر الإعفاء"، و"تسقط مراسيم هدم دولة القانون".
تركيع السلطة القضائية
وفي ما خصّ أهم مطالب القضاة المضربين عن العمل، إلغاء المرسوم عدد 35 والأمر الرئاسي عدد 516، وأيضاً مطالبة رئاسة الجمهورية ووزارة العدل بالتفاعل مع تحركات القضاة ومع الأزمة المستفحلة، والتراجع عن قرارات العزل والتصدي لمحاولات تركيع السلطة القضائية وإخضاعها للسلطة التنفيذية، بحسب نص البلاغ الصادر عن هياكل المهنة.
كما أعلن ثلاثة قضاة معفيين من مهامهم، دخولهم في "إضراب جوع"، بمقر جمعية القضاة التونسيين بالعاصمة، وأشار القاضي المعزول حمادي الرحماني، في تصريح صحافي، إلى أنهم يطالبون بـ "إلغاء المرسوم عدد 35 المنقّح لبعض فصول قانون المجلس الأعلى المؤقت للقضاة، والأمر الرئاسي عدد 516 المتعلق بإعفاء 57 قاضياً"، ولفت إلى أن المضربين عن الطعام، يطالبون بكف السلطة التنفيذية عن التدخّل في الشأن القضائي، وكذلك ضمان استقلالية حقيقية للقضاء التونسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت نائبة رئيس جمعية القضاة التونسيين عائشة بن بلحسن التي كانت حاضرة وسط المحتجين أن القضاة التونسيين لن يقبلوا تحويل السلطة القضائية إلى وظيفة وستتواصل التحركات الاحتجاجية إلى حين استجابة الرئيس لمطالبهم، واعتبرت ما صرح به رئيس الجمهورية بأن القضاء سيكون وظيفة وليس سلطة مستقلة عن بقية السلطات التنفيذية والتشريعية لم يقع في أي دولة ديمقراطية معتبرة أن هذا القرار يهدد استقلالية القضاء.
يشار إلى أن رئيس تونس أعلن قبل يومين، في تصريح إعلامي، عن أهم ملامح الدستور الجديد، وقال إن القضاء عبارة عن وظيفة في الدستور الجديد، ولن يكون سلطة، مؤكداً أن السلطة الوحيدة هي سلطة الشعب، ما أثار حفيظة القضاة وبعض الحقوقيين، واعتبره آخرون قمة في تحقيق العدل وقراراً ثورياً يرجع السلطة الحقيقية للشعب.
معركة سياسية
في سياق متصل، قال المحامي والباحث في العلاقات الدولية فتحي الغنودي إن "القضاء وظيفة لفض النزاعات وهي ليست سلطة على الشعب ولا على الدولة"، مضيفاً، "هو في خدمة الشعب والدولة، وهو الأكثر تقيداً بقوانين الدولة التي من الواجب تطبيقها وليس التمرد عليها"، وتابع "بعض القضاة اليوم يحاولون جرّ القضاء إلى معركة سياسية بالأساس بتجييشه ضد إنجاح مسار 25 يوليو (تموز)"، واعتبر أن "الوظيفة القضائية تنضوي تحت لواء الدولة"، موضحاً في الوقت نفسه أن "القضاء في تونس بعد الثورة لم ينتصر لا للدولة ولا للشعب التونسي، هو قضاء غير سيادي وقضاء المافيات"، متسائلاً "ما معنى آلاف قضايا إرهابية وأخرى تخص تبييض وتهريب أموال مهمة في رفوف المحاكم؟"، وقال إنه "قضاء التستر على ملفات والإفلات من العقاب". ودعا الغنودي إلى إيقاف ما سماه التطاول على الدولة وأولاد الشعب البسطاء، والمحاسبة الفورية لكل من تسوّل له نفسه المساس بكيان الدولة.
في المقابل، قال رئيس جمعية القضاة الشبان إن القضاة في حالة دفاع شرعي بعد انتهاك رئيس الجمهورية الاستقلالية، وشدّد المسعودي، وهو أحد المعفيين من مهامهم من قبل رئيس الدولة، على أن "القضاء سيظّل سلطة، أحبّ من أحبّ وكره من كره، ولن يخضع للسلطة التنفيذية"، مضيفاً "من يعتقد في تحوّل القضاء من سلطة إلى وظيفة فهو يحلم"، داعياً القضاة إلى رفض العمل في ظل قضائي وظيفي.