أعلنت نجلاء بودن، رئيسة الحكومة التونسية اقتراب انطلاق المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي، معتبرة ذلك تعبيراً عن ثقة الجهة المانحة في برنامج الإصلاحات التي قدمته الحكومة وانطلقت في تنفيذه منذ أشهر. وتحدثت خلال افتتاحها منتدى تونس للاستثمار عن واقع المجال في البلاد ومؤشراته، التي لا تزال دون الإمكانات المتاحة بسبب تعثر المرحلة الانتقالية والتعقيدات الإدارية، وتأخر الإصلاحات وصعوبة النفاذ إلى التمويلات الضرورية، وعدم مواكبة تشريعات الصرف للتطورات المالية العالمية. لذلك وقع سن إجراءات عاجلة لمقاومة هذا التعثر عن طريق حزمة من التدابير الضرورية لاستعادة ثقة المستثمرين والمحافظة على النسيج المؤسساتي وتحسين مناخ الأعمال.
وتتضمن الإجراءات دعم سيولة المؤسسات المالية، وتسيير النفاذ للتمويل، وإعادة تنشيط الاستثمار بإجراءات خاصة بالمؤسسات الناشئة والطاقات المتجددة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، علاوة على إجراءات لدفع التصدير. كما أعدت الحكومة على المدى المتوسط والقصير إصلاحات لتحرير المبادرة الخاصة، وتكريس قواعد المنافسة النزيهة، ودعم صلابة القطاع المالي والإدماج الاجتماعي.
وعملت الحكومة على بلورة رؤية تونس 2020- 2025 على أساس جملة من التوجهات التنموية تتمحور حول الاقتصاد الرقمي ودعم المبادرة الخاصة والاقتصاد الأخضر والتنمية الجهوية والاستراتيجية الصناعية واستراتيجية تكنولوجيا المعلومات. وتوفر تونس بذلك فرصاً حقيقية للاستثمار في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتغطي عدداً من القطاعات الاستراتيجية، ومنها الطاقات المتجددة والاقتصاد الرقمي.
وقالت بودن، "تأسس التوجه الإصلاحي الذي حظي بثقة ودعم الشركاء الماليين على برنامج جديد، كما أن إعلان صندوق النقد الانطلاق قريباً في مفاوضات رسمية مع تونس بهدف إبرام اتفاق حوله، دلالة على مصداقية وواقعية البرنامج ومؤشر ثقة يحفز على تنفيذ الإصلاحات".
يذكر أن صندوق النقد الدولي أعلن، في بيان منذ يومين على لسان جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق، "أنه عقب سلسلة من المناقشات الفنية التي استمرت لعدة أشهر، يستعد الصندوق لبدء المفاوضات حول برنامج تمويل خلال الأسابيع المقبلة، ورحب الصندوق ببرنامج الإصلاح الحكومي".
استعادة الثقة
وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد اعتبر "أن تونس تهدف إلى استرجاع ثقة المستثمرين التونسيين والأجانب بعد 10 سنوات متعثرة وصدمات خارجية أثرت سلباً في نسق الاستثمار. وتسببت في تراجع الترقيم السيادي. وأن تونس بحاجة إلى إصلاحات، وقد وضعت الحكومة خطة تشاركية مع المجتمع المدني والهياكل المهنية لاسترجاع التوازنات المالية وتخفيض المديونية".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "أن الحل يكمن في دفع النمو عن طريق خلق فرص عمل وثروة لتحسين مناخ الأعمال. وقد تم تشخيص الصعوبات ووضع حلول جار العمل على تنفيذها. وبعد أشهر من التشاور اقتنع صندوق النقد الدولي بجدوى برنامج الإصلاح".
وتابع، "الصندوق أعلن انطلاق المفاوضات خلال الأسابيع المقبلة لأنه اقتنع بالبرنامج، وقد تقدمت تونس كثيراً في تنفيذه، والصندوق مطلع على ذلك وهو برنامج وطني يحتاجه الاقتصاد، إذ لم تنتظر تونس أن يطلبها الصندوق، فهي إصلاحات وطنية ضرورية". ووصف ذلك، "برجوع الثقة لوضع الاقتصاد التونسي على المسار الصحيح واستعادة ثقة الجهات الممولة والدخول في مرحلة جديدة مع المانحين للسير في الإصلاحات، ورأي الصندوق يظل مهماً وله تأثير إيجابي. ويقع العمل مع القطاع الخاص من أجل المضي قدماً في الإصلاحات التي تأخرت سابقاً على أساس تنفيذها في أقرب الآجال وأسرعها بالشراكة مع المجتمع المدني وهياكل المهنيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي شأن الاستثمار ذكر الوزير أنه "بعد اجتماعات مع هياكل المهنيين وقع تشخيص 223 إجراء للتخفيف من الصعوبات في بعث المشاريع ووضع أولوية لـ43 إجراء، والانطلاق في تنفيذها، تخص القطاع الخاص، وأن الحوار متواصل مع الشركاء لتحفيز الاستثمار".
البنك الدولي والقطاع الخاص
"فريد بالحاج" نائب رئيس البنك الدولي المكلف بشمال أفريقيا والشرق الأوسط ذكر أن "البنك يقف إلى جانب تونس في مسيرتها الإصلاحية وهو مستعد لمد يد المساعدة". ودعا إلى "إطلاق المبادرة الخاصة ومنح الثقة للقطاع الخاص لخلق مواطن الشغل ودفع الإنتاج بعد أن أثبتت التجربة في المنطقة أن تسيير الدولة للاقتصاد يؤدي الى صعوبات مالية جمة بحكم أن الدولة ليست مقاولاً، وهي بطيئة التسيير للاقتصاد، لكن القطاع الخاص هو الذي يخلق الثروة، ويضخ الأموال، ويخلق فرص العمل. وعلى الدولة تأطير هذه العملية بخلق ظروف جيدة للعمل والإنتاج".
ووصف بالحاج الإصلاحات، التي انطلقت فيها الحكومة التونسية، بـ"المهمة جداً، حيث وضعت خريطة طريق فيها نظرة استشرافية واضحة. عكس ما وقع خلال السنوات الماضية بسن مجلة الاستثمار التي كانت غير مجدية فهي مجرد تغطية للعيوب، حيث توجد إشكالات تعانيها منظومة الاستثمار أهمها، الجمارك وقانون الصرف. وأن إبداء النية للانفتاح أمر مهم، إضافة إلى معالجة هذه المشكلات قبل وضع القوانين. وهو ما أعلنته الحكومة التونسية قائلاً، "يجب أن نكون صريحين مع بعضنا لنتقدم، فما يحتاجه الاقتصاد هو توفير رأسمال والتحفيز على الاستثمار، الأمر الذي يحتاج إلى سن قوانين وتسهيلات مقارنة مع بلدان أخرى لديها مناخ أعمال جيد، كما وجب الاعتماد على الشباب والأفكار الجديدة للتأسيس لاقتصاد جديد".
وأكد بالحاج، "أن الإصلاح الاقتصادي للبرنامج (تونسي بحت)، ولم يتم وضعه تحت طلب من المانحين، لأنهم يطلبون في العموم برنامجاً واضحاً ومقنعاً، لكن يتم وضع محتواه من طرف الحكومة وفق الاحتياجات الداخلية الملحة للبلاد. وأن هناك تفاعلاً إيجابياً بين البنك الدولي والحكومة في تونس، وهناك إصلاحات عاجلة لا تنتظر"، وأشار إلى أن "دعمنا لبرنامج الإصلاح الحكومي موجود، ووقوفنا إلى جانب تونس متواصل، وهناك تواصل دائم مع الوزراء"، داعياً إلى التسريع في نسق تنفيذ الإصلاحات.
النصيب الأوفر لبلدان الاتحاد الأوروبي
يشار إلى أن حجم التراكم الإجمالي للاستثمارات الخارجية في تونس يبلغ 29.4 مليار دينار (9.8 مليار دولار) وقد مكن وجود 3700 شركة أجنبية في البلاد من إحداث 416 ألف فرصة عمل، وفق وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي. وتتخصص في عديد من المجالات، أهمها صناعة مكونات السيارات والطائرات والقطاع الرقمي والصناعات الغذائية وصناعة الأدوية والخدمات. ويستحوذ قطاع الصناعات التحويلية على معظم الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 54.9 في المئة، تليه الخدمات بـ25.1 في المئة، ثم القطاع السياحي بـ8.5 في المئة، والقطاع الفلاحي بـ1.5 في المئة.
ولبلدان الاتحاد الأوروبي النصيب الأوفر من الاستثمارات المباشرة في تونس، وتتصدر فرنسا قائمة البلدان المستثمرة في السوق التونسية من حيث عدد الشركات، إذ تملك بمفردها 1504 شركات تتوزع بين جميع القطاعات، تليها إيطاليا بـ910 شركات، وألمانيا بـ284 شركة، وبلجيكا بـ209 شركات.
وشهدت تونس 517 عملية استثمارية سنة 2020 بقيمة 1.2 مليار دينار (400 مليون دولار)، مكنت من إحداث 9630 فرصة عمل. وحققت في عام 2021، 502 عملية استثمار بقيمة 1.3 مليار دينار (433 مليون دولار) موفرة 11200 موطن شغل توزعت بين 81 مشروعاً جديداً، و421 عملية استثمارية في شكل مشاريع توسعة.
وتتصدر فرنسا أهم الدول المستثمرة في تونس عام 2021 بـ439 مليون دينار (146.3 مليون دولار)، وإيطاليا بـ175.4 مليون دينار (58.46 مليون دولار)، وألمانيا بـ80.1 مليون دينار (26.7 مليون دولار)، وإسبانيا بـ97 مليون دينار (32.3 مليون دولار)، والأردن بـ78.9 مليون دينار (26.3 مليون دولار).
وتطورت الاستثمارات الخارجية المتدفقة إلى تونس في الثلث الأول من 2022 بنسبة 73 في المئة، وبلغت 596 مليون دينار (198.6 مليون دولار) مقابل 344.6 مليون دينار (114.86 مليون دولار) في الفترة ذاتها من 2021، لتسجل ارتفاعاً بقيمة 18 في المئة مقارنة مع عام 2020، و تراجعاً بـ2 في المئة مقارنة مع 2019. وشهد قطاع الخدمات نمواً لافتاً، وبلغ 271.7 مليون دينار (90.5 مليون دولار) مقابل 38.3 مليون دينار(12.76 مليون دولار) سنة 2021. واستقطب قطاع الصناعات المعملية استثمارات دولية بقيمة 183 مليون دينار (61 مليون دولار) مقابل 159.9 مليون دينار(53.3 مليون دولار) بزيادة قدرت بـ14.4 في المئة.