في القرن الـ 17 نشر الكاتب الإنجليزي جوزيف سويتنام كتاباً في العام 1615، بعنوان "اتهام النساء البذيئات والعاطلات والفاضحات وغير المثابرات"، وكان ذلك إبان الجدل الحديث المبكر حول مكانة المرأة في المجتمع. والكتاب كان عبارة عن كمية وافية من النكات المتحيزة جنسياً، وقد لاقى شعبية كبيرة، وبالطبع انتقل الكاتب الساخر من عقلية قديمة تبدأ بظلم المرأة منذ حواء التي أغوت آدم للخروج من الجنة، وهذه وصمة عارها الأبدية في المفاهيم العامة السائدة في ذلك الحين والتي ما زالت موجودة في مجتمعات تقليدية كثيرة.
منذ ذلك الحين، ظهر مصطلح "كراهية النساء" من قبل الرجال، الذي راح يستخدم في ما بعد لوصف عدم المساواة المجتمعية بين الرجل والمرأة مثل فجوة الأجور بين الجنسين، والصعوبات التي تواجهها النساء في العثور على رعاية طبية مناسبة، أو حرمانها وفق القوانين الدينية التي ما زال معمولاً بها في بلدان كثيرة من حقوقها المشروعة في حضانة أطفالها أو الإرث، أو السكوت عن تعرّضها للعنف المنزلي خوفاً من الفضيحة، أو منعها من التعليم أو سكوتها عن عمليات التحرش الجسدي واللفظي بها منعاً لوصمها اجتماعياً، فالمرأة المعنّفة دائماً ما تجد من يدافع عن تعنيفها بالقول إنها أوصلت الرجل المسؤول عنها سواء كان أباها أو أخاها أو زوجها أو ابنها إلى المرحلة التي يمارس العنف فيها عليها. وهذا التبرير موجود دائماً في المجتمعات المتخلّفة، أي أن المرأة تنال من حارسها ما تستحقه. وأشار ويليام سافير، كاتب "نيويورك تايمز" الذي كتب على مدى عقود عن بنية اللغة الإنجليزية، في عام 2008 إلى أن قاموس أكسفورد الإنجليزي قد وسع تعريفه لكراهية المرأة بحلول عام 2002 ليشمل "التحيز ضد المرأة"، ما يعني أن "المتحيزين على أساس الجنس وكراهية النساء هما الآن مرادفان في كثير من النواحي"، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على المرأة فقط، فهناك مشكلة مشتبهة يتعرض لها الرجل وتسمى "كراهية الرجل" من قبل الإناث.
مصطلح كراهية النساء ودلالاته
لم يتم استخدام مصطلح "كراهية النساء" إلا قليلاً في القرون التالية على كتاب سويتنام، ولكن شعبية هذا المصطلح ارتفعت في منتصف السبعينيات من القرن الـ 20 ودخل في مصطلحات الموجة الثانية من الحركة النسوية مع نقد أندريا دوركين عام 1974 في كتابها "امرأة تكره"، حين اعتبرت أن التحيز العميق المتأصل ضد المرأة متجذّر في كل جوانب الحياة الاجتماعية بدءاً من القوانين حتى الحياة المعاشة، قائلة، "بصفتنا نساء، نحن نعيش في وسط مجتمع يحتقرنا".
لو انطلقنا من تعريف العنف المنزلي بحسب وزارة العدل الأميركية، فإنه "نمط من السلوك التعسفي يستخدمه أحد الشريكين لكسب أو الحفاظ على السيطرة على شريك حميم آخر". وبحسب الباحث في مجلة "بسيكولوجي توداي" دميترو زينكيفيتش، يمكن أن يكون العنف المنزلي جسدياً أو نفسياً، وعلى الرغم من اختلاف كل علاقة، إلا أن العنف المنزلي يتضمن عادة ديناميكية قوة غير متكافئة يحاول فيها أحد الشريكين تأكيد السيطرة على الآخر بالإهانات والتهديدات والإساءة العاطفية والإكراه الجنسي. وقد يستخدم بعض الجناة الأطفال أو الحيوانات الأليفة أو أفراد الأسرة الآخرين كوسيلة ضغط عاطفي لجعل ضحيتهم تفعل ما يريدون، وتعاني النساء من ضحايا العنف المنزلي من تضاؤل تقدير الذات والقلق والاكتئاب والشعور العام بالعجز. ويشمل العنف أيضاً الأعراف الثقافية المحلية السائدة التي تكون أقوى من القوانين في مجتمعات كثيرة، حيث مفاهيم الشرف والثأر والفدية هي التي تتحكم في المشكلة وليست القوانين العامة التي تفترض أن المرأة متساوية مع الرجل في القانون المدني. وغالباً ما يؤمن المعتدون الذكور أن دور المرأة الرئيس يجب أن يكون رعاية شريكها وأطفالها ومنزلها، وتكون كالسجينة تقريباً إذ تمنع من الخروج أو تقع عليها رقابة صارمة على حريتها خارج المنزل، ويمكن اتهامها بالخيانة لأي سبب كان، بهدف المزيد من السيطرة الذكورية.
قد يستغرق الأمر وقتاً قبل أن تتعرف ضحايا العنف المنزلي على أنهنّ معنّفات، وغالباً يمنح الأمر الاهتمام حين تتعرض المرأة المعنّفة إلى كدمات وكسور في العظام إلى ضيق في التنفس ورجفة لا إرادية. والعنف المنزلي هو السبب الأكثر شيوعاً لأذية النساء بنسبة حوادث أكبر من حوادث السيارات حول العالم.
العنف الأسري ضد الرجال
ولكن الوجه الآخر للعملة نفسها هو أنه يمكن للرجل أن يتعرض للعنف المنزلي أيضاً، إذ أشارت دراسة بريطانية حديثة إلى أن تسعة في المئة من الرجال يتعرضون للعنف المنزلي في بريطانيا، الذي يشمل المطاردة والاعتداء الجنسي والعنف الجسدي. وتشير أبحاث أخرى إلى أن 28 في المئة من الرجال يتعرضون لعنف الشريك في الولايات المتحدة. ولكن المشكلة الكبرى تكمن في المفاهيم الاجتماعية إذ يواجه الرجال عقبات واضحة في الحصول على المساعدة بسبب عدم تصديقهم أو بسبب حرمانهم من المساعدة من الملاجئ، كتلك المخصّصة للنساء، ولكن المشكلة الكبرى سواء للنساء أو الرجال هو الاضطرار للبقاء في علاقة مسيئة، بسبب عدم تحديد نمط الإساءة ولأن اتخاذ قرار المغادرة أمر صعب للغاية بسبب الإجهاد المالي وعدم وجود مكان آخر للذهاب إليه والتهديد بالعنف ونقص الدعم القانوني، يضاف إليها جميعها الضغط الاجتماعي الذي يجبر الطرفين على الاستمرار في العلاقة السيئة منعاً لسوء السمعة.
العنف السادي والمازوشي
وتكمن المشكلة في أن جميع أنواع العنف ضد الرجال والنساء يتم تفسيرها على أنها بسبب التمييز في الحقوق والواجبات بين النساء والرجال، ولكن هناك أنواعاً من العنف تتم باتفاق بين الطرفين، أي الطرف الذي يرغب بالتعذيب الجسدي ويسمى المازوشي والطرف الذي يحب ممارسة العنف على الشريك وهو السادي. ولكن المشكلة أن يكون أحد الطرفين يملك إحدى الصفتين من دون الأخرى، أو أن يتحوّل ما هو بمثابة تسلية ومتعة أو شغف وشهوة إلى عنف جسدي أصلي ومؤذٍ ودائم ومتواتر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب بحث في مجلة "علم النفس المعاصر"، فإنه لا ينبغي الخلط بين السادية المازوشية التوافقية وأفعال الاعتداء الجنسي، بينما يبحث الساديون والمازوشيون عن الألم وما إلى ذلك في سياق الحب والجنس، فإنهم قد لا يطلبون ذلك في مواقف أخرى وقد يكونون لا عنفيين في الحياة. والممارسات السادية المازوشية متنوعة للغاية، وحددت إحدى الدراسات أربع مجموعات منفصلة: فرط الذكورة، وإلحاق الألم واستقباله، والقيود الجسدية، والإذلال النفسي. ومن المثير للاهتمام، أن الدراسة وجدت أن الذكور المثليين يميلون أكثر إلى فرط الذكورة، بينما يميل الذكور من جنسين مختلفين أكثر إلى الإذلال. المصطلحان صاغهما الطبيب النفسي ريتشارد فون كرافت إيبينغ في القرن الـ 19، الذي تحدث عن الميول الأساسية والطبيعية للسادية عند الرجال والمازوشية عند النساء. والسادية مشتقة من اسم ماركيز دو ساد في القرن الـ 18، مؤلف كتاب "جوستين" أو "مصيبة الفضيلة" (1791) وغيره من الكتب. أما المازوشية، فسميت على اسم ليوبولد فون ساشر ماسوش مؤلف كتاب "فينوس في الفراء" في العام 1870، أما جان جاك روسو في كتابه "اعترافات" (1782) فيعرب عن المتعة الجنسية التي كان يشعر بها من الضرب في مرحلة الطفولة.
ويحتوي كتاب فن الجنس الهندي "كاماسوترا" الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني على فصل كامل مخصص لـ"الضربات والصيحات"، أي ممارسة العلاقات الجنسية كنوع من القتال.
ترابط العنف الفردي والعنف الاجتماعي
الكاتب جوناثان جوتشال مؤلف كتاب The Storytelling Animal How Stories Make Us Human يعتبر أن الأشكال المختلفة من العنف كتلك الموجهة إلى الذات أو إلى فرد آخر أو العنف بين الجماعات يجب تناولها أو أخذها في الاعتبار مجتمعة، فهي في بعض الأحيان ترتفع وتنخفض معاً، ولكنها في أوقات أخرى تستبدل واحدة بأخرى، على سبيل المثال، قد يؤدي التحسن في الاقتصاد إلى خفض معدلات جرائم القتل، ولكن في المرة التالية التي يحدث فيها ركود، قد تظل جرائم القتل كما هي بينما ترتفع معدلات الانتحار.
هذا هو المكان الذي تلتقي فيه السياسة بالطب يقول الباحث جوتشال، إذ يمكن أن ينشأ العنف الفردي من منظومة عامة مثل العيش تحت حكم قائد ضعيف ومستبد وسكان يعانون من ضعف الصحة العقلية الجماعية ما يسهم في إنتاج هستيريا جماعية (إريك فروم 1955).
وبرأي جوتشال أن العنف معقد لأسباب عدة، إذ في حين أن الأسباب الفردية والأسرية والمجتمعية تسهم في العنف، هناك سبب واحد يغلب على جميع الأسباب الأخرى، إنه يتنبأ بشكل موثوق بصعود أو انخفاض العنف، هذا العامل الوحيد هو عدم المساواة، وأظهرت دراسات وطنية وعبر وطنية متعددة، كبيرة كانت أم صغيرة، أن عدم المساواة هو السبب الأقوى للعنف (ويلكنسون وبيكيت 2011). وبصرف النظر عن كونه السبب الأكثر فعالية للسلوك العنيف، فإن عدم المساواة هو شكل من أشكال العنف في حد ذاته، يسمى العنف الهيكلي (يوهان غالتونغ 1969)، إنه مفهوم مهم يشير إلى القيود التي يمكن تجنبها التي تضعها المجتمعات على مجموعات من الناس، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو دينية أو ثقافية أو قانونية بطبيعتها، ويشير إلى العنف الذي ينشأ في المؤسسات التي تمارس السلطة على مواضيع معينة. ولأن هذه القيود مضمنة في الهياكل الاجتماعية، فمن الشائع أن ينظر إليها الناس على أنها ليست أكثر من مشكلات عادية يواجهونها في سياق حياتهم اليومية.
وعلى عكس أشكال العنف الأكثر وضوحاً، إذ يرتكب شخص أو مجموعة من الأشخاص ضرراً جسدياً على شخص أو مجموعة أخرى، يحدث العنف الهيكلي بشكل غير واضح.