وسط المخاوف من ركود، يواصل سعر برميل برنت نفط بحر الشمال المرجعي في أوروبا، تراجعه إلى ما دون العتبة الرمزية للمئة دولار للبرميل في سابقة منذ أبريل (نيسان) بعد خسائر كبيرة تكبدها الثلاثاء. وخسر برميل برنت 3.30 بالمئة من قيمته وانخفض إلى 99.39 دولارًا بينما تراجع سعر برميل نفط غرب تكساس الوسيط بنسبة 3.32 بالمئة إلى 96.12 دولارًا للبرميل.
وكانت أسعار النفط قد غيرات اتجاهها للصعود ، من التراجع الحاد مبكرا لأدنى مستوى لامسته في 3 أسابيع، إلى الصعود في الجلسة السابقة، لتقلص الخسائر الكبيرة التي لحقت بها، مع تصدر المخاوف في شأن نقص الإمدادات التي طغت على مخاوف ركود اقتصادي عالمي محتمل يحد من الطلب على الوقود. وارتفع سعر العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم سبتمبر (أيلول) بنسبة 1.1 في المئة أي ما يعادل 1.21 دولار، ليلامس مستوى 104 دولارات (عند 103.98 دولار) وكانت سجلت 105.36 دولار للبرميل في وقت سابق من جلسة اليوم، بعد أن هوت 9.4 في المئة أمس الثلاثاء، وهو أكبر انخفاض يومي في أربعة أشهر منذ مارس (آذار) الماضي.
كما صعد سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط تسليم أغسطس (آب) بنحو 2 في المئة، إلى 101.45 دولار للبرميل، بعد أن أغلق أمس دون 100 دولار للمرة الأولى منذ أواخر أبريل (نيسان).
زيادة التذبذب في الأسعار
وفي تعليقه على أداء السوق، تحدث المتخصص في الشؤون النفطية محمد الشطي قائلاً، إن "التقلبات تهيمن على السوق مع زيادة التذبذب في الأسعار"، مضيفاً أن تعافي الطلب على النفط والغاز سيستمر بسبب ارتفاع الطلب على الطاقة، لكن يبقى معدل الزيادة في الطلب على الخام يقابل تحديات أكبر من تلك التي على الغاز.
وأشار الشطي إلى أن أسعار النفط الخام تأرجحت ما بين 70 دولاراً و130 دولاراً للبرميل، مدعومة بتحسن في أساسات السوق ومستجدات جيوسياسية، خصوصاً منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي.
وتابع، "جاء توقيت الصراع الروسي الأوكراني في ظروف استثنائية تمثل تحدياً أمام استقرار الأسواق، بما في ذلك تسريع وتيرة التحول إلى الطاقة النظيفة بطريقة غير مدروسة، لا سيما في أوروبا، وسط استراتيجية تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري، خصوصاً النفط، إلى جانب تناقص الاستثمار وتمويل الصناعة النفطية بسبب مسوغات التغير المناخي وحماية البيئة".
واقع جديد
وتابع الشطي، "الصراع الروسي في أوكرانيا وعقوبات أميركا والاتحاد الأوروبي على موسكو أوجدت واقعاً جديداً يؤثر في العلاقات الدولية والطاقة في المستقبل"، موضحاً أن إطالة أمد الصراع تعني تعقد الوضع في أسواق الطاقة، خصوصاً مع استمرار الحاجة لجميع أنواع الوقود وعدم وجود كفاية لذلك لأسباب مختلفة، بعضها مؤقت وبعضها مرتبط باستراتيجيات تحت تسميات بيئية، مع رفع الدول المستهلكة استخداماتها من الفحم لتوليد الكهرباء.
ولفت إلى أنه مع تعافي الطلب العالمي على الطاقة عموماً والنفط على وجه الخصوص، هناك تناقص في طاقة التكرير مقابل الطلب، مما دعم أسعار الخام وهوامش أرباح عمليات التكرير لمستويات غير مسبوقة، في مقابل ذلك يشهد المعروض تراجعاً نتيجة أسباب جيوسياسية وفنية في ظل انخفاض الطاقة الإنتاجية الفائضة، ومنها إنتاج ليبيا الذي هبط من متوسط 1.2 مليون إلى أقل من 400 ألف برميل يومياً.
وأضاف محمد الشطي أنه مع نهاية أغسطس المقبل سيكون تحالف "أوبك+" قد أنهى اتفاقه على إعادة ما يقارب 10 ملايين برميل للأسواق، بالتالي بدأت الأسواق تفكر في ماذا يحدث بعد هذا التاريخ بالنسبة للزيادة في المعروض.
انتهاء إضراب النرويج
إلى ذلك، تدخلت حكومة النرويج لوقف إضراب عمالي في قطاع الطاقة انطلق الثلاثاء، أدى إلى خفض إنتاج النفط والغاز، قدرته شركة "إيكوينور" للطاقة المملوكة لحكومة النرويج بنحو 89 ألف برميل يومياً، منها 27 ألفاً و500 من الغاز الطبيعي، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز".
وكان وزير العمل النرويجي استدعى المديرين التنفيذيين لصناعة النفط والغاز في البلاد وزعماء نقابة عمالية بدأت إضراباً عن العمل، إلى اجتماع أمس، قبيل ساعات من تصعيد محتمل في الصراع بين الجانبين عند منتصف الليل بالتوقيت المحلي.
ولحكومة النرويج سلطة التدخل عند وقوع إضرابات، في ظل ظروف معينة، واستدعاءات وزير العمل تشير غالباً إلى أن الإضراب سينتهي.
وبدأ عمال حقول النفط والغاز البحرية في النرويج إضراباً أمس للمطالبة بزيادة الأجور، وهو ما أثار مخاوف بأن يؤدي إلى خفض صادرات البلاد من الغاز بنحو 60 في المئة ويفاقم نقصاً في الإمدادات مرتبطاً بالحرب في أوكرانيا.
مخاوف متزايدة
لكن على الرغم من ذلك، لا تزال المخاوف في شأن الإمدادات متزايدة، حيث أعلنت ليبيا الأسبوع الماضي القوة القاهرة التي تعفيها من أي مسؤولية قانونية في خليج سرت بسبب توقف الإنتاج والشحن.
فيما حذر مسؤول روسي سابق من أن تطبيق مقترح وضع حد لسعر النفط الروسي عند نحو نصف مستواه الحالي سيؤدي إلى انخفاض كبير في النفط ودفع الأسعار إلى ما فوق 300-400 دولار للبرميل.
كذلك رفعت السعودية سعر البيع الرسمي للخام العربي الخفيف تحميل أغسطس 2.80 دولار للبرميل مقارنة مع شهر يوليو، بعلاوة 9.30 دولار للبرميل فوق متوسط خامي عمان ودبي، مقتربة من علاوة قياسية مسجلة في مايو (أيار)، وفقاً لما نقلته "رويترز" عن مصادر.
مع ذلك، استمرت المخاوف بشأن الركود في إلقاء العبء على الأسواق، مع عودة تفشي "كوفيد" في الصين، وتمسك البنوك المركزية بالسياسة النقدية المتشددة في مواجهة التضخم.
وفرضت الصين، يوم الإثنين، حجراً صحياً على 1.7 مليون شخص في مقاطعة أنهوي شرق البلاد، بعد اكتشاف 300 إصابة جديدة بفيروس كورونا، وفقاً لوسائل إعلام.
تأثير مبالغ فيه
وكان بنك الاستثمار "غولدمان ساكس"، أشار إلى أن المخاوف من تأثير الركود في الطلب العالمي للنفط مبالغ فيها، لا سيما مع تحسن توقعات استهلاك الطاقة في الصين وتراجع المخزونات العالمية من الخام إلى مستويات غير مسبوقة.
وذكر البنك الأميركي في تقريره، أنه بينما تتزايد احتمالات حدوث ركود بالفعل، فمن السابق لأوانه أن تستسلم سوق النفط لمثل هذه المخاوف، مضيفاً أن الاقتصاد العالمي مستمر في النمو مع توقعات بأن يرتفع الطلب على الخام هذا العام، ليتفوق بشكل كبير على نمو الناتج المحلي الإجمالي.
في المقابل، حذر "سيتي بنك" من أن سعر النفط قد ينهار العام الحالي والذي يليه، إذا حدث ركود اقتصادي تسبب في عرقلة طلب المستثمرين والمستهلكين على الخام، متوقعاً انهيار سعر برميل النفط الواحد إلى 65 دولاراً بحلول نهاية هذا العام. كما رجح استمرار هبوط سعر برميل خام برنت إلى 45 دولاراً بنهاية 2023 إذا استمر الركود الاقتصادي.
وقال محللا مجموعة "سيتي بنك"، فرانشيسكو مارتوتشيا وإدوارد مورس، في تقريرهما، إن توقعات سعر النفط المستقبلية السابق ذكرها تستند إلى عدم وجود أي تدخل من قبل منتجي تحالف "أوبك+"، إضافة إلى تراجع استثمارات النفط العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من ناحية أخرى، توقع بنك "جي بي مورغان" أن يرتفع سعر النفط ليصل إلى 380 دولاراً، مشيراً إلى أنه من غير المعقول أن تكون الولايات المتحدة بالفعل في حالة ركود اقتصادي، حيث حقق سوق العمل ما يقرب من 500 ألف متوسط مكاسب شهرية خلال الأشهر الستة الماضية.
صعود أسعار الدولار
وتأثرت أسعار النفط سلباً بالصعود القوي للدولار الأميركي مسجلاً أعلى مستوى له في 20 عاماً، مقابل اليورو وأعلى مستوياته في أشهر عدة، مقابل العملات الرئيسة الأخرى.
وعادة ما يضغط ارتفاع العملة الأميركية بالسلب على أسعار السلع والمعادن المقومة بالدولار، حيث ترتفع تكلفتها بالنسبة لمستهلكي العملات الأخرى مما قد يحد من الطلب.