التحدي الأول الذي يواجه الأشخاص الذين سيصنعون عملاً مستوحى من رواية "كاتش 22" للكاتب الأميركي جوزيف هيلر، المناهضة للحرب والمبنية على تجاربه الشخصية في الحرب العالمية الثانية، هو كيفية التعامل مع الهيكل الدرامي المنفلت في تلك الرواية. إن نسيج الرواية المتمثل في العبث والتلميح والدلالات الذاتية والمفارقة والسخرية، وتلك صفات جعلتها مفضلة لدى الطلاب الطموحين على مدار 50 عاماً، يُصعّب الأمر على المنتجين التلفزيونيين الذين يتعين عليهم صنع عمل يجتذب عيون المشاهدين ويتنافس مع أعمال مثل برنامج تلفزيون الواقع "جزيرة الحب". ولسنوات طويلة، اعتبرت الرواية مستعصية على التحوّل عملاً دراميّاً.
جورج كلوني الرجل الذي حاول جعل الأميركيين يستمتعون بقهوة الإسبرسو، لم يتردد في التصدي إلى ذلك التحدي. وسيتولى إخراج وإنتاج وبطولة ذلك المسلسل التلفزيوني القصير المؤلّف من ست حلقات تنتجها شركة "هولو" Hulu التي تعمل في البث الشبكي التدفقي للأشرطة المصورة.
يتعامل المؤلفان الأستراليان لوك ديفيز وديفيد ميكود مع مشكلة عدم قابلية الرواية للتصوير الدرامي، عبر إبقاء الحوادث مرتبة زمنياً بأكثر مما ظهرت به في الرواية المكتوبة. تبدأ الحلقة الأولى في قاعدة للقوات الجوية في الولايات المتحدة، ونرى الملازم أول شيسكوف (يؤدي دوره كلوني بشاربين مُطلَقيَنِ) يوبّخ مجنّديه بسبب عجزهم عن مواصلة السير. إذ يتساءل الأخيرون عن أهمية المشي فيما هم موشكون على البدء في طلعات بقاذفات القنابل فوق إيطاليا؟
تتمثّل الشخصية المحورية في الطيّار المتمرّد جون يوساريان، أو يويو (يؤدي دوره الممثل كريستوفر أبوت). ويؤدي سعي "يويو" إلى إبعاد نفسه عن الخدمة، إلى وقوعه في فخ كبير من التناقضات. وبينما يستثنيك الجنون من القتال، تدل رغبتك في الاستبعاد من القتال على أنك لست مجنوناً! ويخلص يويو إلى تعريف العدو بأنه كل طرف يساعد في قتلك، بغض النظر عن الجانب الذي ينتمي إليه. الألمان، الذين لا يبدو أنهم سيهزمون بينما يشق الحلفاء طريقهم عبر إيطاليا، هم آخر ما يقلقه. العقيد كاثكارت (الممثل كايل شاندلر) يشكل تهديداً مباشراً بأكثر مما يفعل الألمان. وكلما يوشك يوساريان الانتهاء من المهمات المطلوبة منه، يرفع العقيد الحد المطلوب للطلعات الجويّة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول يويو وكاثكارت، ثمة رجال يحاولون الحصول على أقصى استفادة من ذلك الوضع السيء. هناك ميلو ميندر بيندر ( الممثل دانييل ديفيد ستيوارت)، ذلك التاجر الذي يركب الموجة السائدة، ويستخدم القاعدة العسكرية لإدارة أعمال الاستيراد والتصدير التي سرعان ما تخرج عن السيطرة. يظهر أيضاً الضابط المسمّى "الرائد" (الممثل لويس بولمان) الذي لم ينل رتبة رائد فعلاً إلى أن جرت ترقيته حفاظاً على ماء الوجه لدى مسؤوليه، وهو يحاول النأي بنفسه عن الحرب عبر عدم استقبال المفتشين. هنالك أيضاً الرائد دي كوفرلي المنغمس في الشهوات (الممثل هيو لوري في أداء ممتاز) الذي يمارس لعبة رمي حدوة الحصان، ويتناول شرائح لحم الضأن ويستطلع مساكن الضباط الفخمة.
تصوير العمل تحت أشعة الشمس في إيطاليا جعله يبدو جذاباً ومشرقاً، بينما ينقل السيناريو روح الدعابة والكوميديا السوداء في الكتاب. يثير تجسيد الحرب مستويات جديدة من التناقضات التي قد تثير شكوك حيال موافقة هيلر عليها لو كان حيّاً، ذلك إنّه مع إظهار قساوة الحرب، يبدو شبه مستحيل عدم جعلها براقة أيضاً. هناك أيضاً الشباب مفتولي العضلات الذين يمرحون في مياه البحر الأبيض المتوسط ويضحكون مع الغانيات الإيطاليات الحسناوات. وكذلك لا يتردد العمل كذلك في تقديم مشاهد مملوءة بالدماء، مثلما يحصل في الحلقة الأولى عندما يظهر طيّار تفجرت مركبته وملطخ بالدماء لكنه يتمسّك لمدة قصيرة بنافذة يوساريان، مازجاً الكوميديا بالرعب.
سيحب كثيرون مسلسل "كاتش 22"، خصوصاً أولئك الذين اعتقدوا باستحالة تقديم الكتاب على الشاشة الصغيرة بشكل جيد. في النهاية أصابني العمل بنوع من البرودة عاطفيّاً. إذ يشكل مرور ست ساعات وقتاً طويلاً، ما لم تشعر بنوع من التعاطف مع ما تشاهده. في الوقت الذي ندرك استحالة وضع يويو، من الصعب أيضاً الشعوب بالأسف تجاه الرجل الذي يعرض رفاقه للخطر مع كل تصرف يصدر عنه. يعود السبب جزئياً إلى الطريقة التي يؤدي بها أبوت تلك الشخصية، لكن الأمر ينطبق كذلك على الرواية التي تُعدّل فيها الأشياء كلها وفق نبرة المؤلف الذي تخفف لهجته المتقلبة والمتأملة من وقع حتى أكثر الموضوعات إزعاجاً. وتكمن المفارقة الأخيرة في ذلك النسيج من المفارقات التي مفادها أن الحرب قد تكون جحيماً لكننا بحاجة إلى شخص ما ننحاز إليه.
© The Independent