لطالما كانت "تويتر" منصة متوسطة الحجم للتواصل الاجتماعي مقارنة بالعمالقة "فيسبوك" و"إنستغرام"، وحافظت على مكانتها هذه. حتى جاء أحد أشهر مستخدميها الملياردير إيلون ماسك، عارضاً شراء المنصة بـ44 مليار دولار، مؤكداً أن أداء الشركة يمكن أن يكون أفضل بكثير إذا كان مسؤولاً.
في سياق عرضه هذا، قام ماسك بالاستخفاف بالمديرين التنفيذيين في "تويتر" وسخر من سياسات المحتوى واشتكى من المنتج وأربك أكثر من 7000 موظف بتصريحاته. وأسهمت أفعاله في الكشف عن افتقار الشركة إلى الآفاق التجارية والمالية، ما أدى إلى انخفاض سهم "تويتر" بأكثر من 30 في المئة.
وفي تقرير بقلم كيت كونغر ومايك أيزاك، نشر في "نيويورك تايمز" الأميركية، اعتبر الكاتبان أنه بينما يحاول الملياردير التراجع عن الصفقة الضخمة، بترك "تويتر" في حالة أسوأ مما كانت عليه عندما قال إنه سيشتريها. ومع كل تغريدة مزعجة وسخرية عامة، "أسهم ماسك بتآكل الثقة بشركة وسائل التواصل الاجتماعي وضرب معنويات الموظفين وأزعج المعلنين المحتملين وصوّب الأضواء على الصعوبات المالية التي تواجهها الشركة ونشر معلومات خاطئة حول كيفية عمل تويتر".
ونقل التقرير تعليق جيسون غولدمان وهو أحد أعضاء الفريق المؤسس لـ"تويتر" الذي عمل أيضاً في مجلس إدارتها، وقد قال "لقد أثّر تعامله الأخير مع تويتر بشكل كبير في الشركة، لا يمكن أن يكون لدى الموظفين والمعلنين والسوق عموماً قناعة بشركة يكون مسارها غير معروف وستذهب الآن إلى المحكمة لإتمام صفقة مع جهة سيئة النية". ويرجح أن تكون المعركة القضائية هائلة وطويلة الأمد، ولا نتيجة مؤكدة لها - ربما تنتصر "تويتر"، ولكن إذا خسرت، يمكن لماسك أن يتخلى عن الصفقة عن طريق دفع رسوم الفض، أو يمكن للجانبين إعادة التفاوض أو التسوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار التقرير الصحافي أن الضرر الذي ألحقه ماسك، 51 سنة، ظهر بشكل فوري يوم الاثنين، إذ انخفض سهم "تويتر" بأكثر من 11 في المئة إلى أحد أدنى مستوياته منذ عام 2020 على خلفية توقع المستثمرين المعركة القانونية المقبلة. وفقد سهم "تويتر" منذ أن قبلت الشركة عرض الاستحواذ الذي قدّمه ماسك في 25 أبريل (نيسان)، أكثر من ثلث قيمته مع تزايد شك المستثمرين في أن الصفقة ستتم وفقاً للشروط المتفق عليها.
وامتنعت "تويتر" عن التعليق يوم الاثنين. في رسالة إلى محامي ماسك يوم الأحد، قال محامو الشركة إن تحركه لإنهاء الصفقة كان "باطلاً وخاطئاً" وإن ماسك "انتهك عن قصد وتصميم وإصرار ومادياً" اتفاقه لشراء الشركة. وأضافت الرسالة أن "تويتر" ستستمر في تقديم المعلومات إلى ماسك والعمل على إتمام الصفقة.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن ماسك كشف عن أمور صارخة لعل أكثرها قسوة كشفه عن الآفاق المتضائلة للشركة مالياً وتجارياً. لقد عملت "تويتر" بخسارة لمدة سبعة من الأعوام التسعة التي كانت فيها شركة عامة. وخلال المداولات حول عرض ماسك، لم تتلقَّ الشركة أي اهتمام جاد من طرف آخر، بحسب ما قاله أحد الأشخاص المطلعين.
في الأشهر الأخيرة، تدهورت أعمال "تويتر". قال رئيسها التنفيذي باراغ أغراوال في مذكرة للموظفين في مايو (أيار) إن الشركة لم تحقق أهدافها التجارية والمالية الموضوعة. لمعالجة هذه المشكلات، قام بطرد رؤساء المنتجات والإيرادات وكبح عملية التوظيف وبدأ محاولة لجذب مستخدمين جدد والتنويع في التجارة الإلكترونية. في أبريل (نيسان)، توقفت الشركة عن تقديم نظرة مستقبلية مالية إلى المستثمرين، في انتظار عملية الاستحواذ. لكن هذا المسار من غير المرجح أن يتغير لأن عدم اليقين بشأن الصفقة يزعج المعلنين، المصدر الرئيس لإيرادات "تويتر".
وكان ماسك أكد أنه قادر على تحقيق نتيجة أفضل مع الشركة. وفي عرض تقديمي للمستثمرين في مايو، قال إنه يعتزم مضاعفة إيرادات الشركة خمس مرات إلى 26.4 مليار دولار بحلول عام 2028 والوصول إلى 931 مليون مستخدم في العام ذاته، ارتفاعاً من 217 مليوناً في نهاية العام الماضي.
ورأى التقرير أن ماسك، الذي لديه أكثر من 100 مليون متابع على "تويتر"، فعلياً قام بضرب المنتج، قائلاً إنه ليس جذاباً مثل التطبيقات الأخرى. كما ادعى مراراً وتكراراً، من دون دليل، أن "تويتر" تحوي على عدد حسابات غير حقيقية أكثر مما كشف عنه، وهذه الحسابات يمكن أن تضخ محتوى ساماً أو كاذباً. (قالت الشركة إن أقل من 5 في المئة من الحسابات على نظامها الأساسي مزيفة).
ونقل التقرير عن خبراء المعلومات المضللة قولهم إن انتقاداته بشأن الحسابات المزيفة أضعفت الثقة بـ"تويتر"، في الوقت الذي تستعد الشركة لإدارة المناقشات السياسية الساخنة حول الانتخابات المقبلة في البرازيل وانتخابات التجديد النصفي التي ستجري في خريف هذا العام في الولايات المتحدة.
في انتقاد آخر لـ"تويتر" والطريقة التي تشرف بها على المحتوى، تعهد ماسك بالتراجع عن السياسات الرقابية في الشركة باسم حرية التعبير. في مايو، قال إنه سيعمل على "إلغاء الحظر الدائم" للرئيس السابق دونالد ترمب من المنصة، ما يسمح له بالعودة إلى الشبكة الاجتماعية.
أما داخل الشركة، فتعرضت معنويات الموظفين للسحق، ما أدى إلى الاقتتال الداخلي والاستنزاف، وفقاً لستة موظفين حاليين وسابقين، بحسب التقرير.
وأشارت "نيويورك تايمز" أن بعض الذين بقوا في الشركة قالوا إنهم شعروا بالارتياح لأن ماسك على ما يبدو قرر عدم امتلاكها، فيما ذكر شخصان مطلعان أن المزاج السائد بين المديرين التنفيذيين كان كئيباً.
وفي لفتة طريفة قام مانو كورنيه، وهو موظف في "تويتر"، بتوضيح الحالة المزاجية في الشركة من خلال رسم كاريكاتيري يظهر شعار "تويتر" المحطم بعدما صدمه ماسك بكوعه، مع تعليق: "ما تكسره، تشتريه".