لم يعد الحراك الجزائري يجلب اهتمام القنوات المحلية الخاصة، خصوصاً بعد تجاهلها تغطية المسيرات في مختلف مناطق البلاد. ولفت هذا التحول انتباه الجزائريين وأيضاً الحراك الذي تساءل عن أسباب غياب وسائل الإعلام، عبر هتافات ترافق احتجاجات الجمعة، وبلغت حد اتهامها بـ"خيانة الحراك"، في حين أصبحت الشاشات تهتم بالترويج لأطروحات المؤسسة العسكرية على حساب مطالب الشعب، وانطلاق كأس أفريقيا في مصر.
الإعلام "يطلّق" الحراك بالثلاث
وتتجه العلاقة بين الإعلام والشارع إلى القطيعة، بعدما أصبحت بعض القنوات تتجنب تغطية المسيرات، بينما لجأت أخرى إلى عملية الانتقاء بحجب شعارات وهتافات ومشاهد لا تروق لجهات في "النظام المؤقت"، وبرز ذلك منذ توسع موجة الانتقادات ضد قائد الأركان قايد صالح، إذ تفضل القنوات إظهار السخط ضد رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح ورئس الحكومة نور الدين بدوي، والشعارات التي تطالب بمحاسبة "العصابة".
وقال أستاذ الإعلام في جامعة وهران عبد القادر بوسري في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن الاعلام عاد إلى سابق عهده، وربما يجد المتعة في العمل ضد التيار عكس الاحترافية والمهنية، مشيراً إلى أن ما يحدث في الأسابيع الأخيرة يكشف عن تدخل مباشر من جهات في السلطة لفرض خط تحريري منسجم مع خطاب رسمي يجري اعتماده، ومعتبراً أن الانفتاح الذي حدث مع بداية الحراك هو ارتباك ليس إلا.
وتابع بوسري أن السلطة تتعامل مع وسائل الإعلام العمومية والخاصة كأدوات لتوجيه الرأي العام. وما تجنب القنوات الخاصة تغطية الحراك، سوى خطوة تندرج ضمن مساعي السلطة فرض خريطة طريقها، على اعتبار أن الإشهار سيد الموقف، ومن يريد الخروج عن الصف عليه تحمل المسؤولية.
الإعلام يرفض التحرر
كانت غالباً وسائل الإعلام في الجزائر، أذرع السلطة لتوجيه المجتمع وتمرير الرسائل المشفرة، وميداناً لصراع أجنحة النظام، وعليه فمن الخطأ الاعتقاد بأن الحراك قد حرر الإعلام في الجزائر، بينما يرى أصحاب المؤسسات الإعلامية أن "سوط المال" هو المتحكم في الخط التحريري. وأكد بوسري أن الإعلام ولد حراً وعليه أن يكون حراً، لنقل الحقيقة والدفاع عنها، قائلاً إن الاستقلالية والحرية تتطلبان التضحية وليس عقد صفقات مع السلطة التي بيدها الإشعار والإعلانات، على حساب الخدمة العمومية.
تحوّل الإعلام في الجزائر عن أداء دوره وفق مبادئ العمل الصحافي وأسسه، يدفع إلى ترقب مستقبل "أسود" لقطاع رفض أن يتحرر من سلطة "السوط"، بعدما سيطر عليه أشخاص لا علاقة لهم بالمهنة، بدليل ما يحدث مع عدد من القنوات والصحف، من مشاكل تكشف عن الاهتمام بجمع المال على حساب المهنة، ما سمح لأي كان بممارسة الضغط على وسائل الإعلام وتوجيهها وفق أهوائه، ما حدث خلال حكم بوتفليقة، حين أصبح رجال المال الفاسدين يتحكمون بآراء ومهنية واحترافية الصحافيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
محاربة الفساد في الإعلام
أوضح بوجمعة رضوان، أستاذ في كلية الإعلام والاتصال في جامعة الجزائر، أنه يجب تطهير المنظومة الإعلامية من الفساد حتى تكون قادرة على مرافقة الانتقال الديمقراطي الذي فرضه الشعب، داعياً إلى تأسيس نقابة قوية للصحافيين تدافع عن حقوقهم المهنية والاجتماعية، وتغير الوضع البائس لكثيرين، وتكون بمثابة سلطة رادعة لكل من يهدد حرية الصحافة وحق الجمهور في الإعلام، بغية منع تكرار مظاهر الثراء الفاحش لبعض مالكي المؤسسات الإعلامية الخاصة. وبرأيه، أنه يمكن القول ومن دون أي تردد إن المنظومة الإعلامية بشكل عام غارقة في الفساد، لذلك من المؤكد أنها إذا بقيت تعمل بالأدوات نفسها وبمالكيها الحاليين وبالقوانين الموجودة، فإنها ستكون أحد معوقات الانتقال الديمقراطي، بل أهم المواقع التي ستُستخدم في الثورة المضادة.
الصحافة ترفض الانفصال عن أصحاب القرار
وتابع رضوان أن ما يُعاب على كثيرين من الصحافيين للأسف الشديد، أنهم تحولوا إلى أدوات للدفاع عن مالكي ومديري المؤسسات الإعلامية، وهذه ليست مهمتهم، لأن مهمتهم الدفاع عن مهنتهم وعن حقوقهم المهنية والاجتماعية، مع ضرورة الالتزام بالواجبات المهنية نحو الجمهور. وقال إن الصحافي تحول إلى شخص يؤدي دور المخبر والشرطي والقاضي والمحامي والملحق الصحافي والعون الإشهار والدبلوماسي والإمام والمناصر والمناضل وغيرها من الأدوار، فهو يمارس كل الأدوار تقريباً إلا دوره.
تعتمد الصحافة في الجزائر، إما على التعتيم أو الإثارة، وبهذا الواقع لا يمكن أن ترتقي إلى الحراك الشعبي السلمي، فصانعوها وعاداتها وممارساتها واللوبيات المؤثرة فيها لم تمكنها من أداء وظيفتها ومسايرة الحراك، خصوصاً أن بعض المؤسسات لا يمكنها النشاط من دون وصاية، ولا تريد أن تنفصل عن أصحاب القرار.