يبدأ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جولة أفريقية يستهلها بزيارة مصر، الأحد الـ 24 من يوليو (تموز) الحالي، سعياً إلى لاستفادة من رغبة بعض الدول في الانضمام إلى تحالفات غير غربية في وقت تقاوم موسكو الانتقادات الدولية في شأن الحرب على أوكرانيا.
والتقى لافروف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبعدها اجتمع بوزير الخارجية المصري سامح شكري وعقدا لقاء ثنائياً ثم انضم إليهما لاحقاً أعضاء من وفدي البلدين.
وإثر الاجتماع قال لافروف "لدينا توافق في الرأي حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية"، مضيفاً أنه بحث في القاهرة "تطوير التبادل التجاري والتعاون التكنولوجي بين مصر وروسيا ومشروع الضبعة النووي والمنطقة الروسية في قناة السويس".
وأكد لافروف أن "الموانئ الروسية تعاني حصاراً غربياً، وتلقينا تعهدات في تركيا بإنهاء ذلك"، معتبراً أن "العقوبات الغربية تعرقل الدعم الروسي للدول الأفريقية".
أوكرانيا في الخلفية
من جانبه، قال شكري "نتطلع إلى استمرار التعاون الوثيق مع روسيا على أساس المصالح المتبادلة"، مضيفاً "بحثنا الوضع في أوكرانيا وأكدنا أهمية التوصل إلى حل على أساس الحوار".
وتابع، "مصر تؤكد أهمية التوصل إلى تسوية دبلوماسية للأزمة في أوكرانيا، فالأزمة هناك لها انعكاسات سلبية على الأمن الغذائي العالمي".
من جهته، قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي إن لافروف نقل للسيسي "رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تناولت بعض مواضيع التعاون الثنائي بين البلدين، والإعراب عن الأهمية التي توليها روسيا تجاه ترسيخ العلاقات الثنائية مع مصر في إطار اتفاق الشراكة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين من خلال المشاريع التنموية المشتركة الجاري تنفيذها حالياً.
كما تضمنت الرسالة، بحسب المتحدث، الإعراب عن التقدير تجاه مبادرة مصر لتشكيل لجنة الاتصال الوزارية في إطار جامعة الدول العربية سعياً إلى تسوية الأزمة الأوكرانية وما تم خلالها من زيارة للعاصمة الروسية موسكو من قبل وزراء الخارجية المعنيين".
من جانبه، ثمن السيسي "مسيرة التعاون الثنائي المتمثلة في المشاريع الروسية في مصر ضمن العلاقات المصرية - الروسية، وفي مقدمها إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية والمنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس، وغيرها من المشاريع الاستثمارية والاقتصادية بين البلدين في جميع القطاعات".
وأضاف المتحدث الرسمي أن لافروف أطلع السيسي "على آخر تطورات الأوضاع في شأن الأزمة الأوكرانية ومستجدات التحركات الروسية في هذا الإطار على المستوى الدولي".
وفي السياق، شدد السيسي "على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية للأزمة"، مؤكداً "دعم مصر لجميع المساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، مع استعداد مصر لدعم هذا المسار من خلال اتصالاتها وتحركاتها الدولية مع جميع القوى الفاعلة سواء في الإطار الثنائي أو المتعدد الأطراف".
وأوضح المتحدث الرسمي أن "اللقاء تناول بعض المواضيع الثنائية في إطار علاقات التعاون المميزة والتاريخية التي تجمع بين مصر وروسيا في مختلف المجالات، بخاصة التعاون في مجال توريد الحبوب والغذاء والبترول والغاز في ضوء الأزمة الراهنة في تلك القطاعات".
إمدادات الحبوب
وقدم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تطمينات لمصر بخصوص إمدادات الحبوب الروسية وسط حالة من عدم اليقين بشأن اتفاق لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
واشترت مصر، وهي واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم، العام الماضي نحو 80 بالمئة من تلك الواردات من روسيا وأوكرانيا. وتسبب الهجوم الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط) في تعطيل الشحنات ورفع أسعار السلع العالمية بشكل حاد مما تسبب في صدمة مالية لمصر.
وبسبب الحرب وجدت مصر نفسها أمام معضلة لتحقيق التوازن بين علاقاتها القديمة مع روسيا وعلاقاتها الوثيقة بالقوى الغربية التي فرضت عقوبات على موسكو وسعت إلى عزلها.
سعياً إلى استرداد المكانة
وفي مصر يلتقي لافروف مسؤولين يحاولون رفع مستوى العلاقات القوية مع روسيا لتقارب علاقتهم الوثيقة مع الولايات المتحدة التي سعت مع قوى غربية أخرى إلى عزل روسيا من خلال فرض عقوبات صارمة عليها بعد حربها على أوكرانيا في الـ 24 من فبراير (شباط) الماضي.
ومن المقرر أن يلتقي لافروف أيضاً في القاهرة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وممثلي الدول الأعضاء، كما سيلقي كلمة أمام مجلس الجامعة على مستوى المندوبين.
وبعد لقائه أعضاء الجامعة يتجه لافروف إلى إثيوبيا وأوغندا اللتين توترت علاقاتهما مع الغرب أخيراً، وكذلك جمهورية الكونغو.
وتتمتع مصر بعلاقات استراتيجية واقتصادية مهمة مع روسيا التي كانت مصدراً رئيساً خلال السنوات الأخيرة للقمح والأسلحة، وكذلك للسائحين حتى اندلاع الحرب التي أدت إلى تعقيد خطط السفر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدأت شركة "روس أتوم" الروسية للطاقة المملوكة للدولة هذا الأسبوع بناء أول محطة نووية في مصر بعد أن تأخرت طويلاً، وهو أكبر مشروع روسي - مصري منذ اكتمال السد العالي في أسوان عام 1970.
وقال دبلوماسيون إن تلك العلاقات تثير غضب الدول الغربية التي قدمت مجموعة طلبات للحكومة المصرية وجامعة الدول العربية قبل زيارة لافروف بعدم تأييد التفسيرات الروسية للأحداث في أوكرانيا.
وتقول كييف والغرب إن روسيا تشن حرباً توسعية للاستيلاء على الأراضي في أوكرانيا، في حين يتعرض الاقتصاد العالمي والأمن الغذائي إلى الخطر.
وتقول روسيا إنها تنفذ "عملية عسكرية خاصة" ضد قوميين خطرين، وتنحي باللائمة على العقوبات الغربية في تفاقم أزمة الغذاء.
ولا تزال علاقة مصر قوية مع الولايات المتحدة، وتماشياً مع موقف الغرب رفضت القاهرة شحنة قمح روسية واحدة على الأقل قالت أوكرانيا إنها سرقت من مناطقها المحتلة.
وقال إتش إيه هيليار من معهد "الوكالات الملكية المتحدة"، وهو مركز أبحاث في بريطانيا، إن الموقف الغربي من الحرب لم يكتسب سوى قدر محدود من الزخم في العالم العربي وأفريقيا، وهما منقطتان تبدي الحكومات فيهما استعداداً لقبول البدائل غير الغربية.
وأضاف أن مصر "تدرك أن العالم يتجه بشكل أوضح لأن يكون متعدد الأقطاب، ولا تريد أن تحصر نفسها في علاقة تميل للغرب على حساب أي شيء آخر".
لم نعاملهم كتلاميذ
وفي مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية الرسمية الأربعاء الماضي، سلط لافروف الأضواء على دعم الاتحاد السوفياتي لإنهاء الاستعمار خلال حقبة الحرب الباردة، وسعي موسكو إلى استعادة الروابط والعلاقات في أفريقيا منذ انهيار الاتحاد، قائلاً إن من المقرر عقد قمة روسية - أفريقية ثانية العام المقبل.
وقال لافروف، "لم نعطها (الدول الأفريقية) دروساً قط، لقد ساعدناها على الدوام في حل المشكلات بما يسمح لها بأن تعيش بالطريقة التي تريدها"، موضحاً التناقض مع ما يقول إنها جهود أميركية لدفع الدول في المنطقة بعيداً من روسيا والصين.
وقال مدير برنامج أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تيودور ميرفي إن روسيا وجدت فرصاً لاستعادة نفوذها في أفريقيا من خلال تقديم المساعدات الأمنية بشروط أقل من الغرب، وغطاء سياسي من النقد الغربي.
ومن بين الدول التي أقامت معها روابط إثيوبيا التي توترت علاقاتها مع الغرب بعد اندلاع الصراع في منطقة تيغراي الشمالية عام 2020، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى تعليق دعم الموازنة ودفع الولايات المتحدة إلى تعليق اتفاق تجاري يمنح أديس أبابا ميزات تفضيلية في الوصول إلى الأسواق.
وتسعى إثيوبيا، وهي ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، إلى تحرير اقتصادها الذي تديره الدولة.
وتوترت العلاقات أيضاً بين أوغندا الغنية بالنفط والغرب بسبب مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي قوات أمن الدولة، والعنف الانتخابي واستشراء الفساد.
وقال مورفي إنه في الوقت الذي تبحث الدول الأفريقية عن بدائل فإنها تواجه كلفة "تكاد لا تذكر" في إقامة علاقات مع روسيا، نظراً إلى إحجام الغرب عن تقديم المساعدات وتمويل التنمية في المنطقة.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الروسي إلى القاهرة في خضم أزمة الغذاء التي تعيشها دول أفريقية عدة، بسبب نقص واردات الغذاء من روسيا وأوكرانيا.
ومصر هي الدولة الأولى التي يزورها لافروف خلال جولته الأفريقية التي تستغرق خمسة أيام وتشمل الكونغو وأوغندا وإثيوبيا أيضاً.
وقبيل بدء جولته الأفريقية التي يستهلها من القاهرة، قال لافروف في مقابلات مع وسائل الإعلام الروسية إن موسكو لديها علاقات طويلة الأمد وجيدة مع أفريقيا منذ أيام الاتحاد السوفياتي، مضيفاً أن روسيا تعمل بنشاط خلال السنوات الأخيرة لاستعادة موقعها في القارة، ومشيراً إلى أن هذا النهج تشاركها فيه الدول الأفريقية.