تراجعت غرفة التجارة والصناعة الألمانية عن تنظيم أول دورة لمهرجان الجعة خارج ألمانيا في ضواحي مدينة الدار البيضاء المغربية، وذلك بعد أن كانت نشرت إعلاناً بإقامة هذا الحفل في الـ28 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو ما أثار حينها جدلاً كبيراً.
وشهد إعلان تنظيم مهرجان الجعة في منطقة بوسكورة، قرب الدار البيضاء، سجالات ساخنة بين رافضين لاستقبال هذا الحفل باعتباره دعوة إلى السكر وتذوق الخمور، ولأنه يخالف القانون الجنائي الذي يُجرم السكر العلني، وبين مؤيدين للمهرجان لأنه خطوة اقتصادية وسياحية تدعم العلاقات التي عادت مؤخراً إلى "سكتها العادية" بعد أزمة دبلوماسية بين البلدين.
سحب الإعلان والتذاكر
وفي الوقت الذي لم يصدر عن السلطات المغربية أي موقف رسمي في شأن الترخيص لتنظيم مهرجان الجعة أو التراجع عن التنظيم، فإن المؤكد أن الغرفة التجارية الألمانية تراجعت عن تنظيم هذا "الحفل التقليدي" الذي اشتهرت به مدينة ميونيخ منذ عقود خلت.
وتجلى التراجع عن تنظيم مهرجان الجعة من خلال مؤشرين اثنين، الأول هو سحب الإعلان الذي كان يظهر في الموقع الرسمي للغرفة التجارية والصناعية الألمانية في المغرب، وعند تصفح الموقع يظهر بوضوح خلوه من الإعلان الذي انتشر بخصوص تنظيم مهرجان الجعة.
والمؤشر الثاني وفق مصادر "اندبندنت عربية" هو أنه تم إلغاء عملية شراء التذاكر لحضور مهرجان الجعة، فعند الاتصال الهاتفي بتلك الأرقام المرفقة مع الإعلان، يتم إبلاغ المتصل بأن اقتناء التذاكر لم يعد متاحاً، من دون مزيد من التوضيحات.
وكانت أسعار حضور مهرجان "البيرة" وفق الإعلان المسحوب تتراوح بين 800 درهم (80 دولاراً) و1000 درهم (100 دولار) بالنسبة إلى الأعضاء في الغرفة، وبين 1200 درهم (120 دولاراً) و1400 درهم (140 دولاراً) لغير الأعضاء.
فكرة المهرجان، الذي كان مقرراً إقامته لمدة ثلاثة أيام بالمغرب، تقوم على عرض أنواع الجعة وتذوق أصناف الخمور، فبالعادة يتم استهلاك ملايين الليترات من الجعة خلال فترة عرض المهرجان، مع تقديم الوجبات المختلفة للزوار والحاضرين في الحفل، وارتداء الأزياء التقليدية التي ترمز إلى الحضارة البافارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عريضة وسؤال برلماني
وتفيد معطيات غير رسمية بأن السبب الرئيس لتراجع الغرفة التجارية والصناعية الألمانية عن تنظيم هذا المهرجان، يعود إلى الجدل الواسع الذي رافق الإعلان خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، دفع برلمانية إلى طرح سؤال على الحكومة بشأن المهرجان.
وتكرر رفض تنظيم مهرجان الجعة في أكتوبر المقبل للمرة الثانية، فقد تم إعلان تنظيم الحفل نفسه عام 2015 في عهد الحكومة التي كان يقودها حزب "العدالة والتنمية الإسلامي"، قبل أن تصدر وزارة الداخلية حينها بلاغاً يكشف خلفيات رفض تنظيم المهرجان المذكور.
واحتد الجدل بعد انتشار خبر تنظيم الغرفة الألمانية لمهرجان الجعة، خصوصاً بعد إطلاق عريضة إلكترونية بهدف منع احتضان هذا النشاط، وصفت المهرجان بأنه "عمل شنيع وصادم للقوانين والأعراف المغربية والشرعية الإسلامية".
وراهنت العريضة الإلكترونية على جمع 5 آلاف توقيع لرافضي تنظيم المهرجان، وهو الحد الأدنى من التوقيعات على العرائض لنظر السلطات الحكومية فيها.
ووصل جدل مهرجان الجعة إلى مكتب الحكومة بعد أن وجهت البرلمانية فاطمة الزهراء باتا سؤالاً رسمياً إلى الحكومة، يتعلق بخلفيات السماح بإقامة المهرجان، مطالبة بالتدابير التي يمكنها أن تتدارك الموقف وتمنع الترخيص، واصفة إياه بكونه يبيح شرب الخمر الذي يعاقب عليه القانون المغربي.
خطوة إيجابية
ويعلق الباحث في الشأن الديني والاجتماعي محمد بولوز على الموضوع قائلاً إن "تراجع الغرفة التجارية الألمانية عن تنظيم مهرجان الخمر بالمغرب خطوة إيجابية"، مضيفاً أنه "بغض النظر عن حيثيات قرار التراجع ومن وراءه ومن كان سبباً فيه فهو عين العقل والرشد، وفيه احترام مقومات البلد وهويته وخصوصياته الحضارية وتقاليده العريقة".
واستطرد بولوز "إذا كان ملك البلاد قد قال في خطابه إنه لا يمكن أن يحل الحرام أو أن يحرم الحلال" في إشارة قوية إلى احترام الإسلام وحدود الشريعة، "فغيره أولى بهذا الاحترام وأوجب في حقه تجنباً لمصادمة الشعب المغربي في ثوابته ومبادئه، سواء كانت مؤسسة مغربية وطنية أو أجنبية".
وتابع المتحدث بأن "إلغاء مهرجان الجعة يعد مؤشراً دالاً على جدوى الوقفة السلمية والحضارية، وفائدة تحرك المجتمع المدني ومختلف القوى الحية والفاعلين، وأهمية استثمار وسائل التواصل الاجتماعي في استنكار ما يخالف الشريعة، حتى يصحح الوضع ويتم احترام قيم الأمة المغربية".
واسترسل بولوز "لابد من التسلح بالنفس الطويل لمواجهة معارك قادمة تستهدف هوية المغرب وقيمه، وتنويع وسائل وسبل المواجهة المشروعة من وقفات ومسيرات وعرائض وتوقيعات ومشاركات واسعة".
ودعا بولوز إلى "إشاعة البدائل النافعة عن هذه الحرب القائمة الظاهرة والخفية، بترسيخ التعايش السلمي المبني على الاحترام المتبادل والتثاقف الحضاري ونبذ الاستفزاز والإثارة، وتنمية العيش المشترك الإنساني النافع، خدمة للإنسانية جمعاء".
مجرد حفل داخلي
في المقابل، قال الباحث المغربي رفيقي أبو حفص إن "رفض الإسلاميين لإقامة مهرجان الجعة في منطقة بوسكورة ليس هو السبب الرئيس وراء قرار الإلغاء".
وأوضح أن "الجهات المنظمة لهذا الحفل، متمثلة في الغرفة التجارية والصناعية الألمانية بالمغرب، أخطأت في إشهاره وإعلانه بتلك الطريقة، لأنه قد يسبب حرجاً للدولة المغربية".
وأكمل المتحدث أن "إلغاء مهرجان الجعة جاء غالباً بعد تتبع ورصد المؤسسة الألمانية المعنية لردود الفعل"، مشيراً إلى أن الهيئات الألمانية عادة ما تعمل بهذه الطريقة إذ تتفادى قدر المستطاع إثارة المشكلات في البلدان التي تتشغل فيها.
وشدد رفيقي على أن "حفل الجعة في المغرب كان داخلياً بالأساس، وما أفسده فقط هو إعلانه وإشهاره"، مبرزاً أنه "لا يمكن إدراج هذا الموضوع في سياق الصراع أو التدافع السلمي الحاصل حول الحريات الفردية".
وأضاف "الأهم في النقاش هو ما مدى تمتع المواطن المغربي بهذه الحريات الفردية، باعتبار أن شرب الخمر يبقى حرية شخصية، وليس بحفل تنظمه جهة أو هيئة أجنبية وغالبية من كان سيحضره أجانب".