"أن تُشعل شمعة خيراً من أن تلعن الظلام"، عملاً بهذا المثل الصيني يحاول سوريو الداخل إضاءة جزء من بقع الظلام الدامس في بيوتهم بالشموع، وسط تقنين حاد وصل في بعض المدن إلى ساعة تشغيل صباحاً، وساعة واحدة مساءً، بينما تكتفي وزارة الكهرباء برد هذا الواقع المتردي إلى أسباب تتعلق بشح الواردات من الغاز والفيول لمحطات التوليد الكهربائية، وعدم سد الإنتاج المحلي من الآبار حاجة البلاد.
خارج الخدمة
وفي ظل الواقع الكهربائي السيئ، وما سببه نضوب الطاقة، بل وانعدامها، وحاجة محطات التوليد إلى الصيانة، عزف المواطن السوري عن ترقب الحلول طوال عقد من الزمن واتجه نحو البدائل، ومنها الاعتماد على المولدات العاملة على الوقود والمازوت، ولكن هذه البديل الإسعافي لم يفلح في وضع حد للأزمة بعد دخول الوقود المشغل لآلات توليد الكهرباء، ما وصفه الناس بـ"بورصة" السوق السوداء أو الموازية، إذ يباع بين 6 و7 آلاف ليرة سورية لليتر الواحد، ما يعادل دولار ونصف الدولار.
في المقابل، استبشرت مدينة حلب (شمال)، مركز الصناعة السورية، خيراً من إطلاق محطة التوليد الكهربائي في أول أيام عيد الأضحى، بعد صيانة واسعة إثر خروجها عن الخدمة وتخريبها من قبل تنظيم "داعش" الذي أطفأ النور عن المدينة بالكامل، فعادت المحطة إلى العمل، عبر مجموعة واحدة من أصل خمس مجموعات إنتاج.
وجزم مدير عام المحطة مازن سماقية بأن "العمل متواصل حتى نهاية العام لإتمام بقية أعمال المحطة الكهربائية التي تنتج 200 ميغاواط". وأثر هذا التحسن على مد مدينة الصناعة "الشيخ نجار" بالتيار الكهربائي على مدار الساعة، إذ تراهن الحكومة على الإنتاج والتصدير، لا سيما أن ثمة صناعات يمكنها وبشكل سريع رفد الخزانة بالقطع الأجنبي، بالتالي تقوية العملة المحلية الليرة، فكل 4200 ليرة سورية تعادل دولاراً واحداً اليوم، علاوةً على أهمية هذه البقعة الصناعية وما تحتوي عليه من الصناعات المتعددة والمتنوعة، إذ يوجد في المدينة الصناعية بحلب وحدها نحو 810 منشآت نسيجية وكيماوية ودوائية وغيرها من الصناعات التي تتعطش فيها الآلات للعمل وعادت إلى الإنتاج بعد تعافي المدينة إثر الحرب والحصار.
البدائل والحياة القاسية
في غضون ذلك، عجزت كل الحلول البديلة عن ضخ الطاقة، إذ إنها كلها مكلفة، ولم يتبقَّ أمام السوريين سوى الطاقة النظيفة، وعلى الرغم من غلاء معداتها وقطعها، فإنها تسهم في وضع حلول، لا سيما للمنشآت الصحية كالمستشفيات والمدارس والمراكز الطبية والخدمية، وغيرها، لكن يصعب أن تؤمن للمعامل الطاقة الكافية. وهنا تكون الهجرة مصير الماكينات الثقيلة، في حال لم تحل معضلة الطاقة البديلة.
وقال جمال الحمدو، وهو صناعي في قطاع الأقمشة، "لقد تراجعت صادراتنا بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين. كنا نصدر إلى دول عربية وأوروبية عدة، لكن الكلفة الإنتاج أرهقتنا، نحاول إيجاد بدائل عبر ألواح الطاقة، ولكنها مكلفة جداً لأننا نحتاج إلى كم كبير من الألواح الضوئية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، تتوقع أوساط مسؤولة في وزارة الكهرباء تحسناً يمكنه أن يطرأ حتى نهاية العام الحالي في التغذية، بعد وضع مجموعة التوليد الخامسة في محطة حلب الحرارية بالخدمة، التي رفدت شبكة الكهرباء السورية بـ200 ميغاواط، ومن المرجح تشغيل مجموعة التوليد الأولى أيضاً قبل نهاية العام، وستضيف 200 ميغاواط أخرى للشبكة، إضافة إلى مشروع محطة توليد الرستن. ويتوقع أن تنتهي أعمال مجموعة توليد "دارة مركبة" تضيف إلى الشبكة الكهربائية 175 ميغاواط.
الحل عند الشمس
وإزاء هذا العجز الواضح عن إمداد الشارع بالتيار بدأ الناس يعتمدون على "الألواح الزرقاء" خلال السنوات الماضية بشكل طفيف، وبشكل عبثي، ومن دون تخطيط، بهدف تأمين حاجتهم بعد فقدانهم الأمل بأي تحسن ملحوظ، لكن اللافت بأن الحكومة قررت أخذ المبادرة والتشجيع على نشر الطاقة النظيفة، وأنشأت لذلك صندوقاً للمواطنين والصناعيين لمنحهم قروضاً من دون فوائد.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ ذكر الباحث في شؤون الطاقة النظيفة، طاهر خير الذهبي، أن "الحكومة وضعت عبر مراكز معتمدة حداً للانفلات الحاصل في تركيب الألواح الشمسية التي انتشرت في الآونة الأخيرة، إذ بات متوسط الكلفة يقدر بين 10 و12 مليون ليرة، أي ما يعادل 4 آلاف دولار تقريباً".
من جهته، يبرر مركز بحوث الطاقة في دمشق هذا القرار بمراقبة جودة الألواح الشمسية التي انتشرت على أسطح منازل السوريين "كالنار في الهشيم"، ما أدى إلى وجود ألواح مزورة أو غير صالحة، "ومن مبدأ حماية المستهلك أصدرت علامة خاصة لهذا الغرض لضمان وكفالة جودة المنتجات المستوردة. ويرى مستوردون أن هذا سيرفع كلف تركيب الأجهزة التي تعتمد على ألواح طاقة شمسية زرقاء اللون، وشاحن كهربائي وبطاريات (أنبوبية) خاصة وكابلات كهربائية".
وفي وقت ليس بمقدور كل مواطن سوري شراء تجهيزات الطاقة الشمسية بسبب تدني مدخوله المالي، ستكون حكراً على ميسوري الحال. واعتبر مسؤول في "مركز بحوث الطاقة"، أن "التوجيهات الحكومية بضرورة ضبط ومراقبة جودة تجهيزات الطاقات المتجددة التي تستورد من الخارج تأتي بهدف الحد من دخول التجهيزات الرديئة وحماية المستهلك الغش الذي قد يتعرضون له من قبل بعض ضعاف النفوس".
وأردف قائلاً، إن "وزارة الكهرباء تمنح اعتمادية لمخبريين من القطاع الخاص لإجراء الاختبارات اللازمة على التجهيزات المستوردة وفق المعايير الدولية، بحيث يشرف المركز الوطني لبحوث الطاقة فنياً على عمل المخبريين، ويصدر شهادة الصلاحية والجودة بناءً على نتائج الاختبارات، حيث سيسمح فقط بإدخال التجهيزات التي تجتاز هذه الاختبارات، مع منح ملصق خاص يوضع على كل قطعة من التجهيزات ليكون مرشداً ودليلاً للمواطن للتأكد من جودة هذه التجهيزات".