أزمات الليبيين هذه الأيام لا تأتي فرادى، بل تترى من كل حدب وصوب، فما إن استفاقوا من كارثة انفجار شاحنة الوقود في الجنوب، التي أسقطت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، حتى فوجئوا بتقارير صادرة من جهات رسمية تخبرهم بأن خبزهم اليومي يمكن أن يكون مسرطناً.
إقرار ونفي
الخبر الذي نزل كالصاعقة على الأهالي صدر من داخل معامل "المركز الليبي المتقدم للتحاليل الكيماوية"، الذي أجرى تحليلاً لعينات من الخبز كشفت عن وجود مادة "برومات البوتاسيوم" المسببة لمرض السرطان بنسب لا تقل عن 300 في المئة عن المسموح به في الدقيق، بل ووصلت في إحدى العينات إلى 1300 في المئة، ما تسبب بنشر الرعب في البلاد من هول الأرقام.
لكن، سرعان ما نفى "مركز الرقابة على الأغذية والأدوية" وجود هذه المادة في الدقيق أو الخبز المنتج محلياً. وقال إنه "تأكد من عدم وجودها عبر نتائج تحاليل أجريت في الفترة من يناير (كانون الثاني) 2021 وحتى يناير 2022".
وأوضح المركز أنه "أجرى تحاليل في 41 مصنعاً للدقيق، ولأنواع من الدقيق الأخرى منها المستورد، وفي عدد كبير من المخابز بـ50 مدينة ليبية"، وأعرب عن دهشته من "نشر بيانات غير دقيقة بهذا الخصوص".
وأشار المركز إلى أنه "سيأخذ عينات جديدة من الدقيق بالتعاون مع مكتب النائب العام، لإجراء التحاليل عليها والتأكد من خلوها من مادة (برومات البوتاسيوم)، واتخاذ إجراءات التحقيق اللازمة حيال ذلك".
أما مدير "المركز الليبي للتحاليل الكيماوية" التابع لـ"الهيئة الليبية للبحث العلمي" الدكتور ناجي قريش، فأكد صحة تقاريره، قائلاً إنه "حصل على إذن من وزير التعليم العالي عمران القيب بجمع عينات بطريقة قانونية بالتعاون مع الحرس البلدي، وأرسلت في 13 يونيو (حزيران) إلى معمل تحليل معتمد دولياً في تونس، لتظهر النتائج التي وصلت في الشهر نفسه أن جميع عينات الدقيق تحتوي على نسب متفاوتة من المادة المسرطنة".
تصريح محير
مع اتساع الجدل والمطالبة بمزيد من التحقيقات التي تشرف عليها الدولة للتحقق من النتائج التي أصدرها "المركز الليبي للتحاليل"، بدأت التصريحات تتضارب حول صحتها. وقال رئيس "وحدة الرقابة على الأغذية والأدوية" في طرابلس أبو بكر مروان، إن "برومات البوتاسيوم" قد تكون موجودة في المياه، والسبب هو تفاعل مادة "البرومايد" مع مادة "الأوزون" المعالجة للمياه.
وأشار إلى أن "تقرير المركز في يناير الماضي أكد خلو الدقيق من مادة (برومات البوتاسيوم)، وهذا لا يعني أن الدقيق بعد هذا التاريخ ما زال خالياً منها، ولا أستبعد وجودها في الدقيق، ولكن آلية إرسال العينات كانت غير صحيحة".
من جانبها، نفت وزارة الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس صحة التقارير التي تتحدث عن وجود مواد مسرطنة في دقيق الخبز، وصرح مدير إدارة التجارة الداخلية بوزارة الاقتصاد، مصطفى بن قدارة، بأن وزارته أصدرت عدداً من القرارات لمنع توريد مادة "برومات البوتاسيوم" للأسواق الليبية وحظر استعمالها، كما تم تشكيل لجنة لمتابعة وزيارة المطاحن والمخابز وأخذ عينات من الدقيق ومن رغيف الخبز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد بن قدارة أن وزارة الاقتصاد والتجارة تعمل بالتعاون مع "مركز الرقابة على الأغذية والأدوية" لمراقبة المواد الاستهلاكية كرغيف الخبز والخضراوات والسلع الأساسية، مضيفاً "نحن مستهلكون قبل أن نكون مسؤولين، وإذا تأكد الخبر فكل الليبيين سيصابون بالأمراض الخبيثة".
ونشرت الوزارة، الجمعة، على موقعها الرسمي القرار رقم (258) لسنة 2021، الذي نص في مادته الأولى على حظر استيراد مادة "برومات البوتاسيوم" المدرجة فيه كمركب كيماوي.
وأشار القرار في المادة الثانية إلى "حظر استخدام المادة من أصحاب المخابز ومصانع ومعامل الحلويات والمعجنات بجميع أشكالها وتصنيفاتها في إنتاج وصناعة المخبوزات والمعجنات".
كما شدد القرار على "حظر استخدام المادة بشكل تام، إضافة إلى منع تسويقها أو التعامل بها تحت أي شكل من الأشكال".
ووجه الجهات الضبطية ومأموري الضبط القضائي وأعضاء "الحرس البلدي" بـ"ضبط المخالفين لأحكام القرار وسحب تراخيصهم، ومصادرة المادة وإحالة حائزيها إلى جهات الاختصاص لمعاقبتهم طبقاً للتشريعات النافذة".
مطالب بتحقيق شامل
مع تضارب التصريحات بين "المركز الوطني للرقابة على الأغذية" و"المركز الليبي للتحاليل" في شأن هذه القضية التي باتت الشغل الشاغل للشارع الليبي طالب الناطق باسم جهاز "الحرس البلدي" محمد الناعم بتشكيل لجنة ثنائية من المركزين لإعادة فحص عينات الخبز.
ووصف الناعم التناقض بين تقريري المركزين بـ"الأمر الخطير"، مؤكداً "عدم ضبط جهاز (الحرس البلدي) أي مركب لهذه المادة المحظورة في ليبيا حتى الآن"، وتعهد "عدم التهاون مع من يستخدم هذه المواد، واستمرار الجهاز في عمليات التدقيق الخاصة بتصنيع الخبز".
بعيداً من هذا الجدل تظهر أعداد المصابين بأمراض سرطانية في ليبيا ارتفاعاً ملحوظاً في السنوات الماضية، وبحسب أحدث إحصائية أممية فإن "6077 شخصاً ينضمون لطابور المرضى بالسرطان في ليبيا سنوياً، والنسبة الكبرى منهم مصابون بسرطان القولون والرئة بواقع 12 في المئة لكل منهما من إجمالي المصابين بالسرطان في البلاد، ثم تأتي الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 11 في المئة، وسرطان المثانة 6.4 في المئة، مقابل 59 في المئة لباقي أنواع السرطانات، بينما تبقى نسبة الإصابة بسرطان الثدي الأعلى بين نسب الإصابات بمختلف السرطانات لدى الإناث".