بعد أقل من 24 ساعة على اتفاق التهدئة، كانت صور الجنديين الإسرائيليين المفترض أن تكون جثتاهما لدى حركة "حماس"، آرون شاؤول وهدار غولدن، والأسيرين هشام السيد وأبراهام منغستو، قد احتلت أجندة السياسيين والعسكريين في إسرائيل. وفي أعقاب وقف إطلاق النار مع حركة "الجهاد الإسلامي"، وإبقاء حركة "حماس" خارج مرمى هذه العملية العسكرية نشأت فرصة بالانطلاق إلى مفاوضات تبادل أسرى، علماً بأن مسؤولين أمنيين أرفقوا، في موازاة هذه التصريحات، كلاماً بأن تل أبيب توصلت إلى اتفاق لوقف النار من دون أي تعهد بالإفراج عن الأسيرين من قيادة "الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية، بسام السعدي وخليل عواودة.
والجانب الآخر الذي يجعل هذا الموضوع مهماً جداً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد، الذي انطلق نحو حملته الانتخابية في منافسة بنيامين نتنياهو يضع موضوع الأسرى في سلم أولوياته، وبحسب قول مصدر مقرب منه، "نحن نعمل لاستنفاد الفرص كافة كي نتوصل إلى تسوية حول هذه المسألة كحدث إنساني. وقد تم استيعاب تلميحات حماس حول الموضوع في الأسابيع الأخيرة".
"الفجر الصادق"
والحسابات الإسرائيلية في مواجهة "الجهاد الإسلامي" لم تبدأ مع انطلاق العملية العسكرية، بل قبل ذلك بأسبوعين في الأقل، واعترف مسؤولون أمنيون أنهم لم يتوقعوا أن يؤدي اعتقال القيادي في "الجهاد" في الضفة الغربية بسام السعدي إلى التصعيد العسكري، لكن تل أبيب كانت قد فرضت حال طوارئ واستعداد في بلدات الجنوب وغلاف غزة، لمدة ثلاثة أيام قبل العملية، حيث أغلقت شوارع وأقامت حواجز وفرضت على السكان البقاء بالقرب من الملاجئ وغيرها من الاستعدادات، ما يشير إلى أن اعتقالها السعدي كان ضمن المراحل الأولى قبل إطلاق عمليتها، والمرحلة الأولى منها، وفق ما وضعتها إسرائيل، كانت تنفيذ بنك أهداف اغتيالات قادة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة على أن تشمل، في وقت لاحق، القادة خارج القطاع.
وقد تم اغتيال 12 قيادياً من "الجهاد" في هذه العملية، وفق المعطيات الفلسطينية، وهو رقم يحقق لإسرائيل واحداً من أهم أهداف عمليتها، لكنها اعتبرت أن اغتيال القائدين الكبيرين، تيسير الجعبري، مسؤول المنطقة الشمالية، وخالد منصور مسؤول المنطقة الجنوبية، أكبر إنجاز بالمرحلة الأولى من العملية، وقد أسهب الجيش الإسرائيلي بمادة تفصيلية عن كل منهما ليكون اغتيالهما في ما بعد ضمن إنجازات العملية وتحقيق أهدافها، أما الإنجاز الآخر فهو إبقاء حركة "حماس" خارج القتال.
في الأثناء، اعتبر وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس أن الخطوات التي أدت إلى وقف النار، بدأت قبل العملية، مدعياً أن تل أبيب سعت عبر وسطاء إلى دفع "الجهاد" لوقف التخطيط للعملية، لكن عدم تجاوب الحركة حال دون ذلك.
وفي سياق متصل، أضاف مسؤولون سياسيون إسرائيليون، "بذلنا جهوداً مع المصريين والقطريين وكذلك مع الأميركيين الذين اطلعوا على كل شيء. وأثبت ذلك نفسه من حيث الدعم الدولي، فقد حرص رئيس الحكومة أن يدرك العالم سبب شن العملية العسكرية، وهذه الشفافية عادت بالفائدة علينا".
موقف "حماس" أسهم في القرار
وبدأت مفاوضات وقف إطلاق النار، مساء السبت السادس من أغسطس (آب)، بعد انعقاد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، والإسرائيليون، بحسب مسؤولين سياسيين، أدركوا أن "حماس" غير معنية بجولة التصعيد، وستبقى خارج جولة القتال هذه، "وهذا شكل عنصراً مهماً في اتخاذ القرار بقبول وساطة لوقف إطلاق النار، التي كان للمصريين دور مركزي، كما قدمت قطر دعماً، وكذلك الولايات المتحدة".
والموقف المحايد لـ"حماس" في هذه العملية أثار نقاشاً إسرائيلياً ما بين خطوة تكتيكية من الحركة لضمان التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، أم إنها اتفاق غير معلن مع إسرائيل بعدم التصعيد في غزة لضمان زيادة العمال الغزيين في تل أبيب ونقل البضائع عبر المعابر والعمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، وكذلك الصحية، بما في ذلك زيادة عدد المرضى الذين يعالجون في إسرائيل، بالتالي، تكون "حماس" قد حققت مكسباً شعبياً لها، وهذه السياسة التي اتبعتها أطلق عليها الإسرائيليون تسميات عدة منها "اللعبة المزدوجة لحماس".
وفي مناقشة الموضوع، قارن الإسرائيليون بين أيام القتال الثلاثة وعملية "الحزام الأسود" التي نفذت عام 2019، حيث بقيت "حماس" على الحياد ولم تتدخل في القتال، لكن هذه المرة كان هناك تخوف إسرائيلي من إطالة أيام القتال بالتالي رفع عدد القتلى والمصابين، خصوصاً بين المدنيين والأطفال، ما قد يصعب على "حماس" البقاء جانباً، وهذا ما تم بعد الإعلان عن مقتل أربعة أطفال وفتى في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، وعلى الرغم من الجهود الإسرائيلية والإسراع إلى نشر صور تظهر وكأن الصاروخ هو فلسطيني وليس إسرائيلياً، فإن هذا الحدث شكل انعطافة في الموقف الإسرائيلي الذي سارع في اتخاذ قرار بالتقدم نحو الوساطة لوقف إطلاق النار.
وفي ملخص مناقشة تل أبيب موقف "حماس"، فهي "أرادت الضغط على الحركة لممارسة مزيد من ضبط النفس تجاه نشاطات عسكرية للجهاد الإسلامي ضدها في المستقبل، هذا يبدو كهدف يمكن أن يكون قابلاً للتحقيق، مقابل ما حاول أن يروج له عسكريون وسياسيون بعد عملية (حارس الأسوار)، بأن حماس تلقت هزيمة مرة واحدة وإلى الأبد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فمنذ عملية "حارس الأسوار" طرحت ضرورة القيام بضربة إسرائيلية مسبقة في القطاع ضد "حماس" أكثر من مرة، ودعم هذا الموقف أمنيون كبار بينهم رئيس "الشاباك" في حينه نداف أرغمان الذي أعلن أنه يفضل ضرب حركة "حماس" لمنع تعزيز قوتها العسكرية في قطاع غزة، كما ناقش هذا الاقتراح رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، لكن الجيش الإسرائيلي رفض الفكرة وفضل عدم توجيه ضربة ضد "حماس" ووضع خطة تكتيكية تجاه الحركة، ولكن مع تهديدات "الجهاد الإسلامي" بالانتقام بعد اعتقال السعدي في الضفة، حاول الجيش الإسرائيلي الخروج من موقفه السابق برفض العملية في غزة، وفي الوقت نفسه، الخروج من الوضع الذي فرضه على بلدات الجنوب وغلاف غزة بفرض حال طوارئ وإغلاق مدة ثلاثة أيام خشية الانتقام من قبل "الجهاد"، وكما وصف البعض خطوته "بالهرب إلى الأمام"، فقد نفذ هجمات عدة ضد قياديي "الجهاد"، وأعلن أن هذه هي المرحلة الأولى من العملية على ألا تتسع العملية إلى مواجهة شاملة.
العملاء والإنجاز الاستخباري
وكما في كل عملية أسرع جهاز الاستخبارات إلى إعلان تقارير تتحدث عن إنجازاته الاستخباراتية في جمع معلومات دقيقة عن قياديي "الجهاد الإسلامي"، خصوصاً أن بعضهم كان في أماكن سرية، حسب أحد التقارير، واعتبرت الاستخبارات الإنجاز استثنائياً، وبحسب التقرير، فإن "المعلومات الاستخباراتية النوعية التي وفرها الشاباك وأتاحت تصفية كبار قادة الحركة وحسمت المعركة نادر أن تتحقق عن قادة يعيشون على مدى سنوات كمطلوبين وواعين للمخاطر حولهم، بل نادر حتى أكثر أن يتحقق هذا أثناء التوتر والقتال".
وذكر التقرير أن المعلومات الاستخباراتية التي أسهم العملاء في توفيرها عن الجعبري ومنصور "كانت ضربة قاضية"، مضيفاً، "بعدها كان واضحاً أنه إذا لم يحصل حدث شاذ فقد حسمت الجولة، من هنا لم يعد الأمر إلا مسألة وقت إلى أن بلور المصريون وقف النار الذي أرادته إسرائيل بعد أن تحققت كل أهدافها في الحملة".
المطالبة بتغيير سياسة الحكومة
وأمام طرح مسألة صفقة تبادل الأسرى في أعقاب العملية وإبقاء حركة "حماس" محايدة، توجهت جهات عدة إلى الحكومة الإسرائيلية الحالية والمقبلة، بطلب العمل على تغيير السياسة تجاه "حماس" والعمل من منطلق أن العمليات العسكرية والحصار والعقاب الجماعي للغزيين، خصوصاً منع دخول العمال، لن تجدي نفعاً، بل وصف البعض سياسة الحكومات الإسرائيلية بـ"السخافة"، وعرض البعض خطة تشمل:
- العمل في المرحلة الأولى على إعمار غزة.
- زيادة عدد تصاريح إصدار إدخال مواد البناء والبضائع بشكل عام.
- تحسين الوضع الاقتصادي والمدني للقطاع.
- العودة إلى النهج الذي تبنته إسرائيل قبل الحملة، بزيادة عدد تصاريح عمل الغزيين في إسرائيل (كان 14 ألفاً، وهناك مطالبة برفعه إلى 20 وحتى 30 ألفاً).
- تغيير الاستراتيجية تجاه القطاع، وفي هذا الجانب تم اقتراح تبني خطة يائير لبيد التي عرضها عام 2021 عندما كان وزيراً للخارجية وأطلق عليها اسم "الاقتصاد مقابل الأمن"، وتضمنت الخطة مرحلتين، الأولى تشمل إعادة التأهيل الإنساني، بما في ذلك بناء شبكة الكهرباء والارتباط بالغاز، وبناء منشآت تحلية المياه وتحسين الخدمات الصحية مقابل هدوء طويل المدى، والمرحلة الثانية منها، وهذه تتطلب وقتاً طويلاً مع احتمال ضئيل بتنفيذها، وهي إقامة جزيرة اصطناعية أمام شواطئ القطاع تسمح ببناء ميناء، وخلال ذلك، الدفع قدماً باستثمارات دولية ومشاريع اقتصادية مشتركة لإسرائيل، ومصر والسلطة الفلسطينية.