لقد كانت طلقة سمع دويها في جميع أنحاء المعمورة، أو في الأقل أروقة وسائل التواصل الاجتماعي كلها، هذا الأسبوع، أطلقت شركة "وورنر بروس" رصاصة قاتلة على فيلم "المرأة الوطواط" (بات غيرل) Batgirl، حينما ألغت إصدار الفيلم في الصالات قبيل وصول الإنتاج إلى نهايته. لقد شكل ذلك قراراً لا سابق له، إذ جرى إنفاق نحو 100 مليون دولار على الإنتاج فعلاً، والتصوير انتهى. يعود الممثل مايكل كيتون إلى أداء شخصية باتمان للمرة الأولى منذ 30 عاماً. عزت "وورنر بروس" قرار إلغاء الفيلم إلى "تحول استراتيجي" في القيادة، إذ يأتي هذا التعديل المحوري [الإلغاء] بعد تغيير إداري كبير على مستوى القيادات العليا للشركة، لكن ما سمعه الجميع حقاً، سواء أكانوا يعرفون ذلك أم لا، لم يكن "دوياً" بل "فرقعة". بغض النظر عن النيات والأهداف، ربما تكون فقاعة البث التدفقي العظيمة قد انفجرت للتو.
ووفق ما يمكنكم أن تروا، فإن الشيء الجدير بالملاحظة حول "المرأة الوطواط" لم يكن أنه حرم من إصدار جماهيري في الصالات. للأسف هذا ما يحدث مع الأفلام الآن في كثير من الأحيان. ويشمل ذلك حتى الأفلام المصنوعة بميزانيات ضخمة. إذا كنت قلقاً حيال فشل عمل ما، حوله مباشرة إلى منصات البث التدفقي (خلال ذروة وباء كورونا، حينما كان فشل الإصدارات في الصالات أمراً مؤكداً، كانت الإصدارات المباشرة عبر خدمات البث التدفقي، أو عبر الاثنين معاً منتشرة بشكل خاص، إذ أطلقت أفلام كـ"ووندر وومان 1984" Wonder Woman 1984، و"كثيب" Dune و"ميتريكس 4، القيامة" The Matrix Resurrections مباشرة عبر منصات البث التدفقي في الولايات المتحدة).
في المقابل، تكمن المشكلة في أن "وورنر بروس" قررت سلفاً على الأرجح، أن المكسب من عدم الاضطرار إلى دفع الضرائب على المشروع، من خلال الاستغناء عنه بالكامل، يفوق ذلك الذي سيتحقق من بثه عبر منصة "أتش بي أو ماكس" HBO Max الرقمية. إنها ليست مخطئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن، هل امتلك البث التدفقي حقاً أي معنى على الإطلاق؟ لا أقصد التكنولوجيا بالطبع، إذ إن مشاهدة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية عبر الإنترنت بطريقة ميسرة بالكامل تعني أن معظم الناس لن يقبلوا أبداً العودة إلى عالم الوسائط المادية المرهقة [إشارة إلى صالات السينما]، ولكن من الناحية المالية، كانت الأجواء العامة هي العامل الوحيد المتحكم بالبث التدفقي. لم يكن من المنطقي أبداً أن تطلق "نتفليكس" على منصتها أفلاماً تقدر على كسب 100 مليون دولار بسهولة في دور السينما مباشرة، وخسارة الملايين من الأموال التي يصعب كسبها مقابل الإغراء الوهمي لـ"بناء علامة تجارية" و"البث الحصري". لا يمكنك بناء نشاط تجاري كامل حول النمو المتسارع للمشتركين، في النهاية، وفق ما رأينا في وقت سابق من هذا العام، لن يكون هناك عملاء جدد، ببساطة.
تشير حقيقة أن "نتفليكس" بدأت في تمهيد الطريق أمام فئة اشتراك جديدة مدعومة بالإعلانات إلى أن الشركة لديها شكوك حول استدامة نموذج أعمالها. وطوال قرن من الزمن، مثل التلفزيون المدعوم بالإعلانات الطريقة الأفضل والأكثر ربحية في تحقيق الدخل من المشاهدة ضمن المنازل خلال أوقات ذروة المشاهدة. لم يكن من المحتمل أن يتفوق البث التدفقي على هذا الأمر [المشاهدة التلفزيونية] على المدى الطويل، بمعنى أن يكون مؤثراً بأكثر مما فعلت اشتراكات المشاهدة المدفوعة عبر الكابل في نهاية القرن العشرين. بالنسبة للسينما، تتمثل الطريقة الأكثر ربحية لتوزيع الفيلم بعرضه في الصالات. وخلال ظروف مثالية، يمكن أن تربح الشركات المليارات من فيلم كلف صنعه والترويج له بضع مئات الآلاف، بالتالي شكل التحول إلى أسلوب "طرح العمل مباشرة على أقراص دي في دي" أو "مباشرة على أشرطة الفيديو"، إشارة إلى أن الشركة قد يئست من تحقيق أي مكاسب مالية محتملة. لا تمتلك ميزة "العرض مباشرة على منصات البث التدفقي" وصمة العار نفسها التي خلفتها وسائط الترفيه المادية التي سبقتها، لكن هذا الأمر [البث التدفقي] بالكاد يكون أكثر فائدة في استرداد الأموال المستثمرة.
في المقابل، بالعودة إلى "المرأة الوطواط"، إن المعالجة السينمائية لقصص المجلات المصورة المتسلسلة ليست الضحية الوحيدة للتعديل الإداري في المناصب العليا لشركة "وورنر بروس". ففي الوقت نفسه، ألغي فيلم "سكووب! هوليداي هانت" Scoob! Holiday Hunt وهو جزء تتمة لفيلم "سكووب! Scoob!"، إضافة إلى كونه أيضاً عمل لاحق سابق Prequel لقصة "سكوبي دو" Scooby Doo، على الرغم من أن الجزء الأعظم من العمل هو رسوم متحركة [يكون العمل لاحق سابق، حين يأتي بعد فيلم معروض فعلياً، لكنه يقدم حوادث سابقة على تلك التي تناولها الفيلم الذي سبقه].
كذلك اختارت منصة "أتش بي أو ماكس" إلغاء عدد من المسلسلات التلفزيونية في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك "ربيب الذئاب" Raised by Wolves، "قريب بما يكفي" Close Enough، "مصنوع من أجل الحب" Made for Love، و"مدونات غورديتا" Gordita Chronicles.
في السياق نفسه، أشارت مجلة "فارايتي" إلى أن ستة أفلام أصلية كانت ستعرض بشكل حصري على منصة "أتش بي أو ماكس"، بما في ذلك الصياغة الجديدة لفيلم "الساحرات" The Witches الذي تلعب بطولته الممثلة آن هاثواي، وفيلم "مخلل أميركي" An American Pickle من بطولة سيث روغن، قد أزيلت من دون أي ضجة إعلامية خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو أمر لم يسبق حدوثه تقريباً في عالم البث التدفقي. وأشار تقرير المجلة إلى أنه ربما اتخذت تلك الخطوة للتهرب من التزامات الدفع على الأعمال التي لا تبلي بلاءً حسناً، أو لأغراض ضريبية، بحسب ما تردد حول الغرض من إلغاء "المرأة الوطواط".
وبشكل نافر، فإن أولئك من الذين يتمسكون ببقاء "تجربة السينما" قد يستمدون بعض الشجاعة من حقيقة أن "وورنر بروس" تعطي الأولوية بوضوح للإمكانات المالية الحقيقية التي يمكن أن تحققها الأفلام عند إصدارها في الصالات، على حساب تعزيز العلامات التجارية الوهمية لخدمات البث التدفقي. قد يحتاج الأمر إلى وقت طويل قبل أن تحذو حذوها بقية الأطراف في الصناعة. في المقابل، لا يشكل إلغاء مشاريع كـ"المرأة الوطواط" الطريقة لفعل ذلك، إذ لا يمكنك إلا أن تتعاطف مع فريق الممثلين، وطاقم العمل، والمخرجين، الذين أدلى بعضهم بتصريحات مؤثرة بعد علمهم بالإلغاء، وحتى الجماهير.
في نهاية المطاف، إن شركات الإنتاج السينمائي تسير على عكس الفنانين. إنها تحت رحمة المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة، أي الأشخاص المهتمين حقاً بالأموال بعد كل شيء. حينما يكون هناك ربح أكبر من إجهاض مشروع بقيمة 90 مليون دولار بالكامل بدلاً من إطلاقه عبر منصة للبث التدفقي، يبدو واضحاً أن هناك عنصراً فاسداً تماماً في نموذج العمل برمته. إذاً، سيتوجب على خدمة البث التدفقي، بشكلها الذي نعرفه حالياً، إما أن تتكيف أو تنتهي. وسيحدث ذلك قريباً.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 05 أغسطس 2022
© The Independent