عادت ظاهرة حشد الفتيات الجميلات في الأغنيات المصورة إلى السيطرة مجدداً على أعمال الفنانين بعد مرحلة من الأفول والتراجع. وهذا الأمر تؤكده مجموعة كبيرة من الأعمال التي صدرت في الفترة الأخيرة من بينها كليب راغب علامة الأخير "استمارة 6" وكليب "بحبا وفهما" لـحسين الديك وكليب "قلبي رجف" لـهاني العمري.
وكانت هذه الظاهرة قد انتشرت بشكل كبير ومبالغ فيه، في بداية التسعينيات من القرن الماضي في الأغنيات المصورة لمعظم الفنانين، بحيث كانت تتم الاستعانة بعارضات جميلات لإضفاء أجواء أنثوية وراقصة على الفيديو كليب، سواء أكانت تتناسب مع مضمون الأغنية أو لا. حتى الفنانون الذين كانوا لا يحبون هذه الموجة وجدوا أنفسهم مجبرين على مراعاتها لضمان تسويق أعمالهم، من بينهم نجوم عرب وخليجيون كنبيل شعيل في أغنيتيه المصورتين "عينك على مين" و"طبعاً غير"، وجورج وسوف في كليب أغنيته "كلام الناس" و"ارضى بالنصيب".
تراجع وعودة
ومع أن هذه الموجة من الأعمال شهدت تراجعاً ملحوظاً في الأعوام الأخيرة، لكنها ما لبثت أن نشطت مجدداً في ظل اجتياح واضح لحشد كبير من الفتيات الجميلات للأغاني المصورة، بهدف التسويق لها، بخاصة أن الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت تراجعاً في السوق الغنائية بسبب توقف الحفلات، نتيجة انتشار فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية التي عصفت بكل دول العالم، وقد أجبرتا معظم المغنين على التوقف عن إصدار أغنيات جديدة، والبعض القليل منهم الذي كان يصدر أغنية جديدة، كان يفعل ذلك بهدف الوجود الفني، وفي معظم الأحيان كانوا يستعيضون عن تصويرها بطريقة احترافية، بطرحها على طريقة "الفيديو ليريك" توفيراً للمال.
ولعل من أبرز الأسباب التي جعلت هذا النوع من الأغاني المصورة يتراجع، بعد أن شهد مرحلة طويلة من الازدهار دامت أكثر من عقدين كاملين من الزمن، هو الهجوم الكبير عليها والانتقادات التي توجه للفنانين الذين كانوا يتهمون بأنهم "يزينون" أعمالهم بعشرات العارضات الجميلات وسط تسليط واضح للكاميرا على أجسادهن ومفاتنهن، وبأن ما يقدمونه ليس فناً بل هو ابتذال لصورة المرأة وتشويهاً لها، من خلال استخدامها بطريقة لا تليق بها ولا تراعي حتى إنسانية العارضات.
تسليع المرأة
إعادة استنهاض هذه الموضة في الأغاني المصورة يرى فيه كثيرون تسليعاً للمرأة، وهي نادراً ما تكون مرفوضة لأنها لا تربط الصورة بالمضمون، بل تحول المرأة إلى مادة إغواء لا علاقة لها بصورتها الحقيقية لكونها تظهر في الفيديو كليب راقصة خلفية Back ground للمطرب، وتقوم بحركات أو إيماءات وإيحاءات غير مقبولة، مما يحولها إلى سلعة لا تختلف عن الصورة التي نجدها في الإعلان والإعلام أحياناً. وهناك من يعتبر أن بإمكان الفنان أن يوصل رسالته بعيداً من إظهار المرأة بشكل غير محتشم، بينما يرى آخرون أن هذا الأمر متعمد والهدف منه جذب الجمهور إلى متابعة الفيديو كليب، والفوز بنسبة مشاهدة عالية خصوصاً في زمن السوشيال ميديا، وفي المقابل ثمة من يؤكد أن الإصرار على استخدام فتيات جميلات الشكل ليس سوى محاولة لإلهاء المشاهد عن رداءة صوت المغني أو لحن الأغنية أو كلامها أو توزيعها، فتوجد 20 فتاة وهن يرقصن وراء مطرب واحد، والكاميرا تركز على مناطق معينة في جسد الراقصة بطريقة تثير غرائز من ينظر إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبهدف "البيزنس"، كل شيء يصبح مباحاً ومتاحاً، ويحاول المغني أن يرضي ذوق المشاهد الذي يريد أغنية فيها فتيات يرقصن ويتمايلن ويتدللن، وكل شيء يندرج تحت مسمى التسويق، فيقوم المغني بطرح الأغنية مدعومة بفيديو كليب، تتحول معه المرأة إلى مجرد أداة لترويج السلعة، أي إن السلعة تأتي في المركز الأول والمرأة ليست سوى أداة للترويج لها، وإذا كان ثمة دور للإعلام في تحمل المسؤولة عن سوء استخدام المرأة بهذا الشكل، فإن هذا الوضع أصبح اليوم أكثر خطورة لأنه لا رقيب ولا حسيب يراقبان في زمن "السوشيال ميديا" التي تحتل المرتبة الأولى في الترويج لأعمال المغنين، علماً أن المرأة نفسها تقبل هذا الوضع، مما يحملها الجزء الأكبر من المسؤولية. بعض العارضات استفدن من هذا الوضع وانطلقن منه إلى عالم أرحب وأوسع كما في تجربة هيفاء وهبي التي شاركت كعارضة في أكثر من عمل مصور، أبرزها "ارضى بالنصيب" لجورج وسوف و"يا ميمة" لـعاصي الحلاني، إلى أن قررت دخول مجال الغناء عبر أول أعمالها الغنائية "أقول أهواك"، ومن ثم احترفت التمثيل إلى جانبه. ومثلها سيرين عبدالنور التي بدأت كعارضة أزياء وظهرت مع الفنان جورج وسوف في كليب "كلام الناس"، قبل أن تتجه نحو الغناء ومن ثم التمثيل. ورولا سعد التي ظهرت في بداياتها مع الفنان صابر الرباعي في كليب "سهروني عينيك السود"، ثم توجهت إلى مجال الغناء ومن بعده إلى مجالي التقديم والتمثيل. وأيضاً نيكول سابا التي شاركت في كليب "عيني عيني" مع حميد الشاعري وهشام عباس قبل أن تنضم إلى فرقة "فوركاتس"، ثم انفصلت عنها واحترفت العمل كممثلة وكمغنية.
خدمة الفكرة
رندلى قديح التي أخرجت فيديو كليب هاني العمري الأخير "قلبي رجف" تحدثت عن عودة اجتياح موجة الفتيات الجميلات والجريئات إلى الأغاني المصورة، وعن سبب اختيارها مثل هذه الفكرة في كليب "قلبي رجف" قائلة: "هذا الاختيار يرتبط بالفكرة، وأنا تعمدت تقديم فكرة في كليب هاني العمري يظهر فيها وهو يغني لـ10 فتيات حضرن إلى بيته، وهو يعزف ويغني لهن، ولم يكن الهدف أبداً الاستعانة بفتيات جميلات يرقصن ويستعرضن أشكالهن، فالكليب يقوم على قصة معينة ووجود الفتيات فيه هو لخدمة الفكرة والاستعراض كان في مكانه ولم يحشر حشراً، وعادة عندما أحشد فتيات يرقصن في الفيديو كليب فلا بد من أن يرقص الفنان معهن، ولا أقبل بأن يقدمن لوحة استعراضية راقصة بشكل منفصل عنه، لأنني أعتبر أنه لا لزوم لها".
وأكدت قديح أن وجود فتيات جميلات يشكل عنصراً أساسياً في الأغنية المصورة، لأنه يجذب المشاهد وهناك فئة لا بأس بها من الناس تحب مشاهدة الفتيات الجميلات، ولكن كل شيء عندي يرتبط بالفكرة أولاً. وتقول، "لا شك أن وجود فتيات جميلات في الكليب يرفع من نسبة مشاهدته لأنهن يضفين أجواء جميلة ولطيفة عليه، في حال كانت الأغنية جميلة، لكن في المقابل هناك فئة من الناس لا تحب هذا النوع من الكليبات، وتعتبر أن الفتيات الجميلات لا يضفن شيئاً إلى العمل. الجمهور يفضل أن يرتكز الكليب على قصة معينة، وأن يكون بمضمون جيد ولا يحبذ أن يكون وجودهن فيه مجرد (لزقة) على العمل".
ومع أن الفتيات اللاتي ظهرن في كليب هاني العمري يرتدين الشورت لكن قديح ترفض الاستعانة بفتيات يرتدين ملابس مثيرة في الأغاني المصورة وتوضح، "الفتيات في كليبي ظهرن بالملابس التي نرتديها عادة في حياتنا اليومية. لا أحب (الشخلعة والتزليط) والحركات المثيرة، بل أفضل الإطلالات الطبيعية. في كليب هاني العمري ظهرت الفتيات بملابس عادية وبأجواء عفوية وبسيطة".