علمت صحيفة "اندبندنت" أنه تتم الاستعانة بعناصر مسلحة من الشرطة البريطانية، لإنقاذ حياة أفراد يتعرضون لسكتات قلبية، لأن سيارات الإسعاف "لم تعد قادرة على تلبية" الطلب المتزايد على خدماتها.
ونبهت هيئة رقابية إلى أن أفراد الشرطة يمضون ثلث وقتهم تقريباً في الانشغال بأمور خارج إطار مهامهم المتعلقة بإنفاذ القانون، بما في ذلك الاستجابة لأزمات الصحة النفسية، ونقل مرضى إلى أقسام الطوارئ وإسعاف المحتاجين، فيما باتت خدمات الإسعاف تواجه "أزمة مزمنة".
آندي كوك رئيس مفتشي الشرطة البريطانية أفاد بأنه تم إصدار تعليمات لعناصر مسلحين من الشرطة لتلبية نداءات من زملاء لهم في هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" يواجهون صعوبات في الاستجابة لنداء الأشخاص المصابين بفشل القلب.
وأكد لـ"اندبندنت" أن الشرطة باتت "الملاذ الأول والأخير، لا بل الوحيد"، في الوقت الذي تواجه فيه هيئة الخدمات الصحية ضغوطاً كبيرة، الأمر الذي يشكل عائقاً أمام قوى الأمن في التركيز على معالجة الجريمة، وفيما تسجل الجرائم أعلى مستوى قياسي لها في كل من إنجلترا وويلز.
وأضاف كوك القائد السابق لـ"شرطة ميرسيسايد" أنه "في الفترة الأخيرة تم إرسال عناصر من الشرطة في (مركبات مخصصة للاستجابة المسلحة) لإنقاذ أفراد يعانون توقفاً في القلب، لأن خدمة الإسعاف لم تتمكن من تلبية نداءاتهم. وهؤلاء العناصر كانوا قد تلقوا تدريباً على الإسعافات الأولية واستخدام أجهزة تنظيم ضربات القلب".
وتابع يقول إن "خدمة الإسعاف اتصلت بالشرطة لتبلغها بالآتي: (لدينا مريض قلب يحتاج إلى المساعدة وليس لدينا أحد نرسله إليه)".
وأكد الضابط رفيع المستوى أن "الشرطة باعتبارها الملاذ الأول والأخير والوحيد يتعين عليها أن تلبي النداء، لا بل إنه لمن الصواب أن تسارع لإنقاذ المرضى، غير أن هذا الواقع يخفي حجم المشكلات التي تعانيها قطاعات أخرى في النظام لدينا".
أحد عناصر الشرطة تحدث مع "اندبندنت" مشترطاً عدم ذكر اسمه، كشف عن أن الشرطة المسلحة كانت ترسل بانتظام لدعم خدمات الإسعاف ضمن نطاق المنطقة التي يعمل فيها.
وأضاف، "أرى كل يوم سجلات ترد فيها عبارات مثل (لدينا حالة سكتة قلبية - هل يمكن إرسال مركبات استجابة مسلحة؟) حتى إنه في إحدى المرات كان هناك مريض مصاب بمرض عضال، وتساءلت عن السبب في طلب سيارة إسعاف واضطرار عناصرنا إلى الذهاب والظهور مدججين بالأسلحة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان القيمون على مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" قد نبهوا مراراً إلى أن خدمات الإسعاف تواجه "أزمة مزمنة"، إذ زاد الوقت الضروري للاستجابة وارتفاع عدد الاتصالات برقم الطوارئ 999 إلى مستويات قياسية.
يشار إلى أن جميع خدمات الإسعاف العشر في البلاد دخلت الشهر الماضي في حالة "التأهب الأسود" Black Alert، وهو المستوى الأكثر خطورة، بحيث كان هناك مرضى يحتاجون إلى استجابات عاجلة لحالات مثل سكتة دماغية مشتبه فيها، جعلتهم ينتظرون ما يقارب ساعتين للحصول على مساعدة.
في المقابل، نبه تقرير برلماني الأسبوع الماضي إلى أن مرافق الهيئة الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية في البلاد تعاني "أكبر أزمة قوى عاملة" في تاريخها، محذراً من أن "النقص الحاد المستمر في عدد العاملين" يتسبب بخطر جسيم على سلامة المرضى. وعلاوة على ذلك، شهدت فترات الانتظار الطويلة لسيارات الإسعاف وخدمات أقسام "الحوادث والطوارئ" على حد سواء ارتفاعاً هائلاً، بسبب تغيب العاملين الصحيين بمعدلات قياسية، كان تفشي فيروس "كورونا" قد أسهم في تفاقمها.
"مجلس رؤساء الشرطة الوطنية" أكد أن عناصر من الشرطة اضطروا إلى نقل مرضى إلى المستشفيات بسبب النقص في سيارات الإسعاف، ما أدى في بعض الأحيان إلى اضطرارهم إلى الانتظار ساعات خارج أقسام "الحوادث والطوارئ"، مع أشخاص مصابين بأمراض نفسية، ومع أفراد ضعفاء، لم يرتكبوا أي جريمة.
رأت القائدة الوطنية لوحدات الشرطة المحلية أوليفيا بينكني أن هذه العمليات "تقوض قدرة الشرطة على التركيز على محاربة الجريمة وحماية الناس بمختلف الطرق التي ينبغي علينا أن نقوم بها. ويمكنها أيضاً أن تضع عناصرنا في مواقف يتعين عليهم فيها اتخاذ قرارات قد لا يكونون مؤهلين لاتخاذها بما يكفي، على الرغم من الجهود التي يبذلونها في هذا المجال".
وأشارت السيدة بينكني إلى أنه يتم الاعتماد على الشرطة في الوظائف التي يجب أن تؤديها خدمات الطوارئ الأخرى أو الهيئات العامة، مضيفة أن "الحفاظ على حياة الناس يبقى دائماً في مقدم أولوياتنا عند مساعدة أي شخص محتاج".
وقالت، "إننا نعمل مع شركائنا في خدمات الطوارئ ونبدي التعاون مع السلطات المحلية والحكومة، للتوصل معاً إلى حل هذه المشكلة، لكن ينبغي ألا نكون الجهة التي تشكل الملاذ الأول في مثل هذه الأوضاع".
اعتبر آندي كوك رئيس مفتشي الشرطة البريطانية أن تقديم الشرطة المساعدة اللازمة للعاملين الصحيين في حالات مثل حوادث العنف أو عند ارتكاب الجرائم هو أمر يقع ضمن صلاحيات الشرطة، لكنه استدرك قائلاً إن "عناصر الشرطة ما زالوا يؤدون أدواراً خارج إطار مهامهم الأساسية". ولفت إلى "أن الطلب على مثل هذه الاستجابات يجب أن يخف ما إن تبدأ الأزمة الصحية بالحلحلة وتستقر الأمور، وألا يضطر أفرادنا إلى الانتظار لمدة ست إلى ثماني ساعات مع المرضى في المستشفيات".
تجدر الإشارة إلى أن الطلب على سيارات الإسعاف بلغ مستوى قياسياً في يونيو (حزيران) من هذه السنة، بحيث استجابت مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" لنحو 900 ألف مكالمة طوارئ. وكان متوسط وقت الاستجابة لمرضى من الدرجة الثانية، بمن فيهم أولئك الذين يعانون سكتات دماغية ونوبات قلبية، 51 دقيقة - وهي مدة زمنية أطول بكثير من الهدف المحدد والمتمثل في 18 دقيقة.
"نقابة الرؤساء التنفيذيين لخدمات الإسعاف" اعتبرت أن قيام الشرطة بنقل مرضى إلى المستشفيات هو "غير مرغوب فيه".
المدير الإداري للنقابة مارتن فلاهيرتي أكد أن "هذا الوضع ليس بالطبع في صالح المرضى، كما يضع أفراد الشرطة في موقف صعب للغاية ويستنفد الموارد القيمة للشرطة".
في المقابل، أثار قادة الشرطة مخاوف في شأن تزايد نداءات الاستغاثة لحالات تتعلق بالصحة النفسية وهي ليست بحوادث جنائية، في وقت نبه فيه تقرير رقابي سابق إلى أن عناصر الشرطة يجدون أنفسهم مضطرين إلى سد الثغرات الكامنة في نظام الرعاية الصحية النفسية "المشرذم".
أما السيد كوك فرأى أن الطلب المتزايد على تدخل وحدات الشرطة قد يقوض قدرة عناصرها على التعامل مع الجريمة، وقال "عندما نريد أن نحدد الطرق الآيلة إلى تحسين أداء الشرطة لا يجوز فقط التركيز على الجزء المتعلق بضبط الأمن، بل يتعين علينا التفكير في جملة عوامل قد تؤثر في عمل الشرطة بمنأى عما يمكن أن يتوقعه منها الجمهور. ولا بد من أن تؤخذ جميع العناصر التي يقوم عليها النظام ككل في الحسبان، بدءاً من الصحة العقلية، و(الخدمات الصحية الوطنية)، وخدمات الإسعاف، وغير ذلك من الجهات المعنية".
وأضاف، "أنا أتفهم التحديات التي يواجهها النظام الصحي، خصوصاً بعد أن مر بفترات طويلة من التقشف، وتراجع عدد موظفي الرعاية الاجتماعية والعاملين الشباب، ولا سيما منهم في مجال الصحة العقلية، لكن لا يجوز الاستمرار في اللجوء إلى وحدات الشرطة للتعامل مع هذه القضايا".
تعليقات كوك تأتي بعد أن سجلت الجرائم ارتفاعاً جديداً في كل من إنجلترا وويلز، في وقت تراجعت فيه نسبة الجرائم التي صدر حكم في شأنها إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 5.6 في المئة. أما النسبة في ما يتعلق بجرائم الاغتصاب فبلغت 1.3 في المئة فقط.
ورأى رئيس مفتشي الشرطة البريطانية أن الأرقام تعكس جزئياً مدى تحسن عمليات تتبع وتسجيل مثل هذه الأحداث أكثر من إظهارها "الحجم الهائل لتفاقم الجرائم"، لكنه نبه إلى أن معدلات توجيه التهم "ليست جيدة بما يكفي".
ودعا كوك الشرطة إلى "العودة إلى القواعد الأساسية" في ممارسة أعمالها من خلال توفير الاستجابة المناسبة للضحايا، والاستفادة القصوى من الأدوات المتاحة للتحقيقات وفرص منع الجريمة"، لكنه أشار إلى أن "الشرطة تحتاج إلى الوقت والموارد الكافية لتأدية المهام التي يتوقعها الناس منها".
© The Independent