* شيلوك في المنامة!
مُهدداً بالويل والثبور الملالي النوويّين: ظهرَ على الشاشات ترمب، فيما صهره كوشنر ظهر في الوقت نفسه في المنامة، يقدم المنّ والسلوى للعرب، بدا كأن المشهدَ واحدٌ، ما يذكر بمسرحية شكسبير تاجر البندقية، لكن المخرجَ سريالي. وقد وُسِمَ الوعدان من كل الأطراف بالاستعراض، بخاصة أن الموعودَ الرئيس بالسلوى غائبٌ عن الشاشة، كما غُيّب الموعودُ بالمن. والتهديد والوعيد ذكرَ ترمب أنهما يمكن أن ينقلبا إلى المنّ والسلوى لو تخلّى الملالي عن نَوَويّهمْ، فيما انقلب المنُ والسلوى عند كوشنر إلى تهديد ووعيد للمقاطعة الفلسطينية. وفي الحالين فإن الأمر، الذي على الطاولة، أمنُ إسرائيل، ما تَمَشهدَ مَوْقِفُها كصمت الحملان، وما مطرحها يَعجُّ بالذئاب المنفردة والمجتمعة.
صفقة القرن إعادة عرض لصفقة تاجر البندقية، مؤلّفها الحاذق ترمب، يَظنُ أن لا أحد يقاوم الذهب، فيما صهره الشاب كوشنر يعتقد أنه غيّر مسار المسألة الفلسطينية بهكذا صفقة، وأنه لم يعد ثمة مستقبل للقضية الفلسطينية! هذا على المستوى الإستراتيجي، وتكتيكاً تَحقُّقُ انتصارات آنية، ودَعمُ مكنةَ حصول ترمب على الرئاسة الثانية.
عرض المنامة مكمّل لاستعراض ترمب الخليجي، ما مهمته الرئيسة خلع الأنياب النووية للملالي، ومن ثمة ترسيخ الأمن الإسرائيلي، المهمة الأولى والأخيرة لصفقة القرن، التي يري مايكل يونغ، مدير تحرير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في مقالة له، نُشرت في موقع المركز مؤخراً "أحياناً، يحمل النصر معه عبئاً يتعذّر التخلّص منه. ففي العام 1948، حقّقت الحركة الصهيونية انتصاراً مذهلاً في حربها ضد العرب، وهو إنجاز صنعت حتى أضخم منه في العام 1967. لكن الفلسطينيين لازالوا موجودين. وإسرائيل تقف عاجزة أمام هذا الواقع، كما أن ما يسمّى خطة كوشنر ستجعل إيجاد حلّ لهذا الموضوع مستحيلاً. ربما حان الوقت بالنسبة إلى الإسرائيليين وأصدقائهم في أميركا كي يعيدوا النظر بما يرغبون فيه".
وكعب أخيل في ديمونا!
الغيتو اليهودي (إسرائيل) حقيقة على الأرض، كحلّ للمسألة اليهودية الأوروبية، وعليه لا وجود لدولة عصبيتها الدين وقوميتها الأسطورة، ما يتمثّل مفاهيمَ العصور الوسطى، لا وجود لها إلا باعتبارها محميةً مدججةً بالسلاح، وفي حال إسرائيل، أنيابها وحتى أسنانُها اللبنيّة نووية وهيدروجينية.
ديمونا ثالث أكبر مدينة في النقب جنوب إسرائيل، تقع المدينة على بعد 36 كم جنوب بئر السبع، و35 كم غرب البحر الميت، وترتفع حوالى 600 م فوق سطح البحر، وحوالى 10 كم جنوب المدينة يوجد مركز الأبحاث الذرية المسؤول عن غالبية النشاطات الذرية الإسرائيلية. بدأ بناء الفرن الذرّي عام 1958 بمساعدة فرنسية، وفي البداية تم الادعاء أن المكان مصنع أنسجة، ومن ثمة أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنه فرن ذرّي لأهداف سلمية، وتشير تقديرات غالبية الخبراء الأمنيين أن هدف الفرن هو صناعة القنابل الذرّية، ولم تنفِ أو تؤكدْ إسرائيل هذا الأمر، بل تم إبقاء هذا الأمر مبهماً. عام 1986 قامت صحيفة الصنداي تايمز اللندنية بنشر تقرير عن امتلاك إسرائيل السلاحَ النوويّ، بناء على شهادة عامل سابق في الفرن الذرّي يدعى مردخاي فعنونو، وتشير التقديرات إلى أنه في نهاية التسعينيات امتلكت إسرائيل نحو 75-130 قنبلة، وفي عام 2004 تم توزيع حبوبِ يود - التي تقلّص أضرارَ الإشعاعات النووية على الغدّة الدرقية - على سكان المنطقة.
مسألة ديمونا هذا، مسألة وجود بنيوية لإسرائيل، الدولة الدينية في عصر ما بعد الحداثة! وأمن إسرائيل مثلّث برمودا قوائمه: أولاً أنها دولة مهدّدة من محيطها، ثانياً أن الوجود الفلسطيني مهدِّد لداخلها، ثالثاً أن المحيط والفلسطينيّ مسلمٌ متخلّف (داعش)؟ والقوائم الثلاث المهدِدة تستوجب (ديمونا)، ونزع النوويّ عن غيرها أيضاً أياً كان هذا الغير. وفي إسرائيل هذه من يرى، أن أمنها مهدّد من (ديمونا)، ما يهدّد محيطها، وما حافظةٌ وجودها!
صفقة القرن وتاجرها ترمب، ومروّجها كوشنر، كبلفور، يقدمان الوعد، المتمثل في صفقة قرن، بالحفاظ على أمن إسرائيل مِنْ محيطها. بلفور وَعَد بحلّ المسألة اليهودية منذ قرن، ومنذ سبعين حولاً وإسرائيل قائمة لكن لم يقمْ أمنُها بعد. صفقة القرن وعدٌ بلفوريّ آخر، بتحقيق ما لم يتحقق، لكن لا بلفور ولا صفقة القرن، بقادرين على تحقيق المستحيل، أمن إسرائيل ما يتحقّق بكعب أخيل (ديمونا)، ما في المحصلة يُنتج، أن وجود إسرائيل لا أمنَ له، وبالتالي لا أمنَ لمنطقةِ دولةٍ رئيسةٍ فيها، دولةٍ دينيةٍ، تُحَصّنُ بأسوارِ القرون الوسطى، وبأنياب نووية.
* شيلوك هو بطل مسرحية لويليام شكسبير عنوانها "تاجر البندقية".