احتفل مناصرو البيئة حول العالم بتوقيع الرئيس بايدن على قانون "الحد من التضخم" هذا الأسبوع، إذ أنّ أكبر استثمار للولايات المتحدة من أجل مكافحة الاحتباس الحراري في التاريخ، أصبح قانوناً [مكرساً]، متيحاً المجال لصرف 369 مليار دولار (نحو 312 مليار جنيه إسترليني) على شكل إنفاق جديد على استراتيجيات الطاقة النظيفة.
وفي حين لم يصوت لصالح القرار ولا عضو جمهوري واحد في أي من مجلسي الكونغرس [الشيوخ والنواب]، فقد كانت معارضة الجمهوريين للقانون لافتة للنظر فريدة وبذيئة [طفولية إلى حد البذاءة] ووقحة، لوحوا بها للطبيعة الأم على رغم بدئها في بسط أقصى قوتها في الدمار البيئي. ومعظمه طاول ولاياتهم الحمر [الجمهورية].
وحتى فيما وقع بايدن على المشروع ليصبح قانوناً، كانت الحكومة الفيدرالية تفرض إجراءات تقنين مياه قاسية في الغرب الأميركي والمكسيك والواردة من نهر كولورادو الناضب، مستهدفة الولايتين الحمراوتين التقليديتين أريزونا ونيفادا (على الرغم من سجل هاتين الولايتين الانتخابي الأخير في التصويت لصالح الديموقراطيين).
وصدرت دراسة جديدة عن مؤسسة فيرست ستريت First Street Foundation غير الربحية، تدعي أنه في غضون فترة أقل من 30 سنة، سوف يستقر "تيار حراري" فوق الغرب الأوسط الأميركي، من تكساس إلى ويسكونسن، إذ ستصل درجات الحرارة بشكل منتظم إلى 100 فهرنهايت (37.8 درجة مئوية)، ومن المتوقع أن يشمل "الحزام الحراري" [قائظ] 12 ولاية في أواسط البلاد، تعتبر11 منها ولايات حمراء.
في النظام السياسي الأميركي العبثي في حقبة "ما بعد الحقيقة" [حين تكون الحقائق الموضوعية أقل تأثيراً في تشكيل الرأي العام من المشاعر الشخصية ونداءات العاطفة]، يعارض السياسيون الجمهوريون عادة بشدة الإنفاق على [حماية] المناخ وحتى علوم المناخ أيضاً، ويعتبرونها نوعاً من التبذير التقدمي الذي يهدف إلى خطف وظائفهم ويدفع بنسبة التضخم إلى الأعلى من خلال مزيد من الإنفاق.
إن تقديم المرء مصالحه السياسية على الآثار الملموسة التي يتركها ذلك الموقف على وطنه ودوائره الانتخابية يتطلب قدراً مذهلاً من الجرأة، ومع ذلك وباعتبار أننا ننتقل في الوقت الحالي من عصر حروب ثقافة المناخ إلى [اتخاذ] تدابير دفاعية فعالة ضد الاحتباس الحراري، فإن السياسات العاطفية التي يستخدمها الحزب ستخضع لاختبار قاس.
حتى مع الجفاف في غرب البلاد، وموجات الحر في الجنوب والشرق، والفيضانات العشوائية في أنحاء البلاد كافة في لاس فيغاس ووادي الموت إلى كنتاكي وميسوري، فإن تغير المناخ يحتل مرتبة ثانوية بين أولويات الناخبين، ولم يتغير ذلك في موسم الانتخابات النصفية هذا.
وبينما يرد ذكر موضوع المناخ، وغالباً ما تتم الإشارة إليه على نحو غريب مثل تأكيد النائبة مارجوري تايلور غرين (نائبة جمهورية في الكونغرس عن ولاية جورجيا) بأن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تعملان في الليل، فإن كل شيء، بما في ذلك الإجهاض، يختزل إلى الاقتصاد، وهو القضية التقليدية رقم واحد بقدر ما يتعلق الأمر بالناخبين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن هنا تكمن المشكلة، فالاحتباس الحراري آخذ في التحول إلى قضية اقتصادية، ليس فقط بالنسبة إلى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والولايات، ولكن أيضاً بالنسبة إلى المدن والبلدات والأحياء، وستؤثر انقطاعات الماء في الغرب في زراعات تبلغ قيمتها 15 مليار دولار (12.7 مليار جنيه إسترليني)، ما سيؤدي إلى تقليل ري المزارع والتسبب بنقص في المحاصيل من الأنواع كلها، وسوف يكون تقنين المياه المطبق سلفاً في كاليفورنيا وعدد من الولايات الغربية، هو القاعدة عما قريب.
ستتمخض الفيضانات وحرائق الغابات قريباً عن حرمان عدد كبير من أصحاب البيوت من الحماية، وسوف تجبرهم على الاعتماد على خطط الإنقاذ التأمينية في ولاياتهم التي تعاني نقصاً في التمويل أو على الإغاثة من الحكومة الفيدرالية، وفي أوروبا هذا الصيف وفي مواجهة موجات الحرّ يجري تقنين تكييف الهواء في إسبانيا، ويفرض حظر على استخدام خراطيم المياه في المملكة المتحدة، وارتفع إنتاج الطاقة الشبكات الكهربائية في ألمانيا وفرنسا بشكل محموم، وذلك قبل الشح المتوقع حصوله في الشتاء.
إن التحول الذي يجري الآن سيمضي بنا من فترة 50 عاماً من مناقشة وجود تغير مناخي والقدرة على تحمل تكاليف مكافحته، إلى فترة فقدان الموارد والتضحيات في العالم الحقيقي، وهو ما يسميه الخبراء التخفيف [من آثار تغير المناخ] الذي يعتبر الكفاح الفعلي، وبينما تراهن خطة بايدن بشدة على تقنيات مثل السيارات الكهربائية والرياح البحرية وتخزين الكربون وإزالته لمساعدتنا في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المستقبل، فإن الضرر الناجم عن الانبعاثات التي أطلقناها سلفاً [في الماضي] قد بدأ يؤثر بالفعل.
سينظر قريباً إلى حقبة الحروب الثقافية التي نتجاوزها حالياً على أنها عبارة عن فترة سخيفة من اللامبالاة والركود، في وقت تتحول فيه النقاشات السياسية [لتتركز على] من سيتم إنقاذه ومن لن يتم إنقاذه، وماذا نفعل حيال المهاجرين المدفوعين بأزمة المناخ، سوف يتدافع الناخبون بسرعة من أجل إعادة تحديد أولوياتهم.
وليس عبثاً أن سيناتور كريستين سينما (ديمقراطية عن ولاية أريزونا) قد ساومت من أجل حصول ولايتها على أربعة مليارات دولار (3.4 مليارات جنيه إسترليني) لمحاربة الجفاف، وذلك كشرطها للموافقة على خطة بايدن، وستصبح تلك الإغاثة نفيسة أكثر مع تراكم [تداعيات] الكوارث المقبلة.
جادل العلماء لسنوات بأن تكلفة التخفيف من [آثار تغير] المناخ ستصبح أعلى بكثير في المستقبل مما ستكون عليه إذا وافقنا على الإنفاق على الطاقة النظيفة الآن، وقد توصلنا الأسبوع الماضي إلى هدف يستحق الإعجاب وهو إقرار بعض الإنفاق اللازم خلال السنوات الثماني المقبلة من أجل خفض الانبعاثات بنسبة 40 في المئة من مستوياتها لعام 2005.
غير أن استحقاق فاتورة الحساب البيئية للوقت الذي بددناه، منذ أن رفض الكونغرس مشروع قانون المناخ التي تقدم به النائب هنري واكسمان (عضو ديموقراطي سابق عن ولاية كاليفورنيا في مجلس الكونغرس) قبل 13 عاماً خلال عهد أوباما، بات قريباً، وهي ستكون فاتورة أشد سوءاً بكثير مما كان يعتقد، وستخلف خسائر في الحياة البشرية وسبل العيش، وعندما يدرك الناخبون الجمهوريون مدى سوء الخداع [الذي تعرضوا إليه على أيدي] قادتهم، سيكون الأوان قد فات سلفاً.
ديفيد كالاوي هو مؤسس موقع "كالاوي كلايمت إنسايتس" وهو رئيس تحرير سابق لصحيفة يو.إس. أ توداي USA Today
نشر في اندبندنت بتاريخ 19 أغسطس 2022
© The Independent