توفيت حماتي في وقت سابق من هذه السنة عن ثماني وستين سنة فقط. كان ذلك مفاجئاً وغير متوقع، إذ كانت تتمتع بصحة جيدة. أسلمت الروح في قسم "الحوادث والطوارئ" في مستشفى بيرمنغهام. ما يمكنني قوله هو أن الشعور يختلف، عندما نسمع المسؤولين لدينا يتحدثون عن العدد المتزايد للوفيات في مثل هذه الأقسام داخل المستشفيات، عما يمكن أن نحس به عندما يكون أحد هؤلاء من خاصتنا ومن أهل بيتنا.
كانت هي وزوجي يتناوبان كل أربعاء على إعداد العشاء لعائلتنا وبعض من زملائها الأكبر سناً في منطقة بيرمنغهام التي كانت تقطن فيها. لكن منذ وفاتها، تحول منزلي إلى وجهة دائمة لاستضافة هذه اللقاءات. يقوم زوجي بالطهي كل أسبوع لثلاثة من المتقاعدين [كبار السن]، كما لنفسه وللأطفال، فيما نستمتع بدردشات من مختلف الأجيال، يمكن أن تشكل نواة مسلسلات صغيرة تنتجها "القناة الرابعة".
نادراً ما تتسنى لي مشاركتهم العشاء، لوجوب حضوري جلسة البرلمان التي تنعقد يوم الأربعاء، لكن خلال العطلة البرلمانية تمكنت من ذلك. هذا الأسبوع، دارت مناقشات بين أولئك المتقاعدين حول كيف سيضطر أمثالهم إلى التجمع معاً لتدفئة أنفسهم، كما طيور البطريق، مع اقتراب فصل الشتاء. وتجاذبوا أطراف الحديث بنبرة من المرح. فالمتقاعدون اليوم كانوا مراهقي ستينيات القرن الماضي وسبعينياته. ومن بين المقترحات التي تبادلوها تنظيم حفلات للمتقاعدين، كي يتمكنوا من التناوب على تدفئة بعضهم بعضاً. وأخذوا يروون قصصاً طريفةً عن الأيام الخوالي وينفجرون ضحكاً وهم يتفرجون على صور لهم بشعر طويل وثياب الجينز الكاملة. لكن بغض النظر عن طريقة ارتدائهم لها، فهي تمثل أمامنا حقيقةً مرة، وهي أن الأشخاص مثلهم ليست لديهم أدنى فكرة عن طريقة التعامل مع الظروف الصعبة المقبلة والتأقلم معها.
وما قصة كيلي طومسون هذا الأسبوع إلا جزء من تلك الأوضاع المروعة نفسها. فهي أم لطفلين أدخلت إلى المستشفى بسبب سوء التغذية، وذلك نتيجة تخليها عن تناول وجبات الطعام باستثناء وجبة واحدة في اليوم، وذلك كي تتمكن من إطعام طفليها بمبلغ يعادل 40 جنيهاً استرلينياً (نحو 47 دولاراً أميركيا) في الأسبوع، وهو كل ما يتبقى لها بعد تسديد فواتيرها المنزلية. وفيما ينذر الارتفاع الهائل في معدلات التضخم (سواء لجهة أسعار المواد الغذائية أو ارتفاع تكاليف الطاقة) بمرحلة من التقشف وتقليل الإنفاق وبمقدار أقل من الكماليات بالنسبة إلى البعض، إلا أنه بالنسبة إلى آخرين، فإنه يعني الحد من متطلبات حياتية أساسية، كالقدرة على الجلوس داخل المنزل من دون التعرض للمرض، أو التمكن من تناول ما يكفي من طعام لتجنب الجوع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حماتي كانت من دائرتي الانتخابية، ومن عائلة كبيرة كانت تعيش في أحد المنازل الصغيرة التابعة للمجلس البلدي، وخلال جولاتنا السابقة معاً عندما كنا نطرق أبواب السكان في الشارع الذي يوجد فيه منزل طفولتها، تمهيداً لانتخابات عام 2015، اشتكت لنا امرأة مسنة من أن الأمور كانت أفضل "في هذا الحي". واستعادت ذكريات تلك الحقبة الذهبية الزاهية، حين كان يمكن للفرد إبقاء أبواب منزله مشرعة، ومشاهدة الأطفال يلعبون في الخارج وفي الساحات. أخبرتها حماتي أنها عندما كانت طفلة تعيش في الشارع نفسه، كانت تعمل كل صباح قبل ذهابها إلى المدرسة، كانت تعمل في أحد الفنادق المحلية على تحضير وجبات الإفطار، ثم بعد المدرسة كانت تُؤخذ في عربية كانت تتجول لأميال لتتمكن من بيع البطاطا، عبر عرضها على السكان في بيوتهم. وقالت إنه على الرغم من كل ذلك، كانت ما زالت لديها ثقوب في سراويلها التحتية وحذائها. أعتقد أن ليز تراس كانت لتخبرها بأنها "كسولة" وغير منتجة، كما الفتيات البالغات من العمر 13 سنة في لندن، وبأنه كان حرياً بها أن تعمل بجد أكثر.
كانت حماتي تضطر للهرع هربا من مندوب المبيعات لتفادي دفع الأموال، وعائلتها كانت غالباً ما ترزخ تحت الديون. لم تختبر حماتي العيش في تلك الحقبة الغابرة والجميلة كما نسميها اليوم. ولو قدر لها العيش سنوات أطول، لكانت ربما تقرأ في الوقت الراهن الأخبار عن المتقاعدين الذين يموتون برداً في منازلهم، والأمهات اللواتي يعانين من سوء التغذية والجوع. أعتقد أننا بتنا نستعيد اليوم أحداث ذلك العصر الذهبي.
طيلة الأزمة المعيشية المتفاقمة، كان رئيس الوزراء [بوريس جونسون] يستمتع بتذوق أطباق محاشي الدلما ومازات التاراماسالاتا [بطارخ السمك الممزوجة مع زيت الزيتون] في عطلته اليونانية. لست في صدد انتقاد الرجل على إجازته، إنما أنتقده على أخذها في وقت هو قادر على استدعاء البرلمان لمحاولة إيجاد طريقة للحؤول دون دخول أمهات في بلادنا إلى المستشفيات بسبب الجوع. فهو حتماً سيكون لديه بعض وقت الفراغ لزيارة آثار معبد "بارثينون" [في أثينا] عما قريب. وفي الوقت نفسه، فإن الجميع باستثناء الأشخاص الذين يديرون دفة البلاد، أو الذين يتنافسون عليها، يعكفون على التوصل إلى حلول ممكنة للوضع المتدهور. كيف بحق السماء لم تتم بعد دعوة البرلمان إلى الانعقاد كما طالب بذلك حزب "العمال" لتمرير قانون تشريعي طارئ من شأنه أن يمنع تعرض المتقاعدين للتجمد برداً ووقوع الأهالي في أنياب الجوع؟
كنت أتمنى لو كنت لم أعلم كفايةً عن الوفيات الزائدة في أقسام "الحوادث والطوارئ" طيلة ربيع وصيف هذه السنة. وكانت أسرتي لتود ألا تكون في عداد العائلات التي شملتها تلك الإحصاءات الأخيرة. ولو كانت حماتي ما زالت على قيد الحياة، لرأيتها الآن تشمر عن ساعديها في محاولة لبذل كل ما في وسعها لتقديم العون. لكنها ليست كذلك، وأنا متأكدة تماماً من أنه إذا لم تتخذ إجراءات فورية، فإن العدد الزائد المتوقع للوفيات، على أعتاب فصل الشتاء المقبل، سيكون مؤلماً للغاية بالنسبة إلى آلاف العائلات الأخرى. ولن يعود الجزء الأكبر من الأسباب إلى مجرد الشلل الذي يصيب مرافق "خدمات الصحة الوطنية" فحسب، بل سيأخذ الجوع والبرد والإهمال حيزاً كبيراً منها.
إن الفقر يقتل.
نُشر في اندبندنت بتاريخ 20 أغسطس 2022
© The Independent