تتحرك إسرائيل على مختلف الصعد الدبلوماسية والعسكرية في محاولة اعتبرها سياسيون "شبه مستحيلة" لإحباط الاتفاق النووي مع إيران، وبعث رئيس الحكومة يائير لبيد أكثر من رسالة للدول العظمى وأوروبا عبر مراسلين أجانب، يحذر خلالها من أخطار التوقيع على اتفاق نووي، وفي الوقت ذاته يهدد باتخاذ إسرائيل الخطوات التي تراها مناسبة لمنع "إيران نووية"، في حال تم التوقيع على الاتفاق.
وفي خطوة عملية لإقناع الولايات المتحدة بالموقف الإسرائيلي والانسحاب من الاتفاق، بعدما فشلت المحاولات كافة عبر المحادثات الهاتفية والرسائل المتبادلة، يصل وزير الدفاع بيني غانتس إلى واشنطن لعقد اجتماعات مكثفة مع مسؤولين أمنيين وعسكريين في محاولة لإقناع واشنطن بالانسحاب من المفاوضات والوقوف إلى جانب إسرائيل في منع التوقيع على اتفاق نووي.
"اتفاق لا يستوفي المعايير"
وتصدر ملف الاتفاق النووي أجندة الإسرائيليين ليتركز النقاش بين مسؤولين سياسيين وعسكريين وأمنيين حول الخطوات الأفضل في حال توقيع الاتفاق: إذا ما تنتظر إسرائيل حتى تصبح إيران نووية أم تتخذ خطوات عسكرية تستهدف مفاعلاتها النووية وتقضي على إمكان تطورها نووياً؟
لبيد اعتبر الاتفاق الذي تمت بلورته وربما يتم التوقيع عليه بين إيران والدول العظمى، لا يستوفي المعايير التي سبق وحددها الرئيس الأميركي جو بايدن لمنع طهران من صناعة القنبلة النووية، وعاد ليكرر تهديدات إسرائيلية متتالية بعدم التزام تل أبيب بالاتفاق واتخاذ كل الخطوات المتوافرة لديها لمنع تحول إيران إلى دولة نووية.
وفي حديثه أمام الصحافيين الأجانب، ألمح إلى احتمال ضربة عسكرية من خلال التطرق إلى أخطار الاتفاق على إسرائيل تحديداً، واعتبر الاتفاق بمثابة "جائزة بقيمة 100 مليار دولار سنوياً تقدم إلى إيران على قيامها بخرق جميع التزاماتها"، قائلاً "إن تم التوقيع على الاتفاق لن تلتزم به إسرائيل، بل سنتحرك من أجل منع إيران من التحول إلى دولة نووية".
وشرح لبيد ما تمخض لإسرائيل من معلومات بعد متابعة محادثات الاتفاق قائلاً: "الدول الغربية تضع خطاً أحمر، والإيرانيون يتجاهلونه أو يغيرونه. إذا لم يقبل الإيرانيون بهذا المقترح، لماذا لا يترك العالم المفاوضات؟ الاتفاق المطروح حالياً على الطاولة هو اتفاق سيء، سيمنح إيران 100 مليار دولار سنوياً ستصرف على زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وعلى ترويج الإرهاب في كل أنحاء العالم"، وأضاف في محاولة لإقناع الدول المفاوضة "هذه الأموال ستمول الحرس الثوري الإيراني وستمول مزيداً من الهجمات على قواعد أميركية في الشرق الأوسط وستعزز حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وستصرف على تعزيز البرنامج النووي، وسيتم تحويلها تحديداً إلى هؤلاء الذين يحاولون قتل الأدباء والمفكرين في قلب مدينة نيويورك. وبطبيعة الحال، هذه الأموال ستصرف على تعزيز البرنامج النووي الإيراني"، وفق لبيد الذي أنهى حديثه مؤكداً: "لا ننوي العيش تحت تهديد نووي يوجهه إلينا نظام متطرف وعنيف. هذا لن يحدث لأننا لن نسمح بحدوث ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غانتس يلحق بحولاتا إلى واشنطن
في وقت يواصل فيه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا لقاءاته بنظيره الاميركي جيك سوليفان ومسؤولين آخرين في واشنطن حول الاتفاق النووي الإيراني، قرر وزير الدفاع بيني غانتس التوجه هو الآخر إلى واشنطن، الخميس الـ 25 من أغسطس (آب)، في محاولة إضافية لإقناع الإدارة الأميركية بالموقف الإسرائيلي، على الرغم من قناعة الإسرائيليين بأن "احتمال نجاحهم ضئيل جداً".
وتطالب تل أبيب بإبقاء العقوبات على شركات تقيم علاقات اقتصادية مع "الحرس الثوري الإيراني" وعدم الموافقة على مطلب طهران منح ضمانات بألا تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق في المستقبل وعدم إغلاق ثلاثة ملفات فتحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد إيران حول خرق الاتفاق النووي السابق.
وعقدت الأجهزة الأمنية جلسات مكثفة لبحث سبل التعامل مع إمكان التوقيع على اتفاق نووي، واعتبره البعض "اتفاقاً سيئاً" والاتفاق الجديد الذي تطرحه دول الاتحاد الأوروبي أسوأ مما توقعته إسرائيل.
كارثة استراتيجية
صفات عدة أطلقها الإسرائيليون على الاتفاق النووي في حال تم التوقيع عليه، فوصفه رئيس الموساد ديفيد برنياع بـ"الكارثة الاستراتيجية"، داعياً إلى بذل جهود حثيثة ومكثفة لإقناع واشنطن بعدم التوقيع عليه، ونقل عن مسؤول أمني أن تل أبيب على قناعة بأن الاتفاق سيتيح لإيران الخروج من الاتفاق بعد عامين ونصف العام، بحيث ستتمكن من استئناف تسريع خطواتها نحو تعزيز سلاحها النووي، وخلافاً للسابق ستكون خطواتها هذه برعاية دولية، وعليه فإن "هذا الاتفاق هو كارثي بكل معنى الكلمة وسيلحق أضراراً ليس فقط بإسرائيل إنما بالمنطقة بأسرها".
خطوات استباقية
عسكريون وأمنيون توجهوا بدعوات لصناع القرار لاتخاذ خطوات عسكرية في حال وقعت الدول العظمى على الاتفاق، وبحسب اللواء احتياط تمير هايمن، فإن الحاجة الضرورية تتطلب من إسرائيل اتخاذ خطوات استباقية تجعل ضربتها العسكرية ضد إيران شرعية، وقال: "لا يعني الاتفاق النووي إعطاء الإذن لإيران لإنتاج سلاح نووي بل العكس، غايته التأكد من أنه لن يكون لها سلاح نووي. مع التوقيع على الاتفاق يفترض بألا تخرج طهران عنه حتى موعد نهايته (2030). ليست لها مصلحة في فعل ذلك، وهي ستخسر فقط نتيجته. أما إذا حاولت مع ذلك تطوير سلاح نووي، فيمكن لإسرائيل أن تهاجم في المستقبل بشكل أكثر فاعلية".
وبرأي هايمن، في حال تم توقيع الاتفاق "يتعين على إسرائيل أن تستعد لأن تستأنف إيران برنامج تخصيب اليورانيوم ابتداء من عام 2030، أي بناء قدرة عملياتية ذكية لتدمير المشروع النووي الإيراني من دون التسبب بتصعيد في الساحة الشمالية، والأهم من هذا يجب البدء فوراً ببناء شرعية دولية حيال الولايات المتحدة أولاً والمجتمع الدولي أيضاً لبدء هجوم إسرائيلي".