يمثل مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي حدثاً مهماً في نظر المسرحيين في العالم العربي كافة، فهو أتاح، عبر دوراته السابقة الفرصة للاطلاع على التجارب المسرحية الجديدة في العالم، وأفرز أجيالاً من الشباب أفادت من فعالياته في تطوير تجاربها. فالمسرح، في مصر تحديداً، قبل المهرجان شيء وبعده شيء آخر، سواء على مستوى العروض، أو على مستوى التنظير الذي تطور في شكل لافت، مستفيداً من الترجمات التي أتاحها المهرجان.
وعلى الرغم مما أحدثه المهرجان من حراك مسرحي في مصر، ونجاحه في خلخلة البنى المسرحية التقليدية، فإن هناك، في الوقت نفسه، بعض من يعارضونه ويصفونه بأنه "المهرجان التخريبي"، إشارة إلى أنه خرب المسرح المصري، وجلب إليه تجارب تم استنساخها من دون أن يعي صناعها أنها تناسب بيئاتها التي أنتجت فيها، أكثر مما تناسب الواقع المصري.
قد يكون لهذا الرأي وجاهته في أحد جوانبه، وهو ما يتعلق بما يسمى "التقليد الأعمى"، التقليد الذي لا يصدر عن وعي بما يحتاج إليه واقعنا من المسرح. أو هو التمرد على القديم من دون أن نمتلك أدوات هذا القديم أولاً، حتى نتمرد على ما نعرفه، لكن الأمر ليس مقصوراً على المسرح وحده، بل هو يطال العديد من الفنون والآداب، ولعل أبرز تجلياته يتضح في قصيدة النثر. فعلى الرغم من وجود شعراء مهمين أضافوا كثيراً إلى الشعر العربي من خلال هذه القصيدة، فإن الأمر لا يعدم كثرة من أصحاب المواهب المحدودة، الذين يكتبون قصيدة النثر، لا عن احتياج وضرورة، ولا عن وعي بتغير طبيعة الشعر ودوره وزاوية نظر مبدعه إلى العالم، التي فرضتها معطيات جديدة، ولكن عن رغبة في تقليد الجديد فحسب. وهم يكتبون قصيدتهم بمنطق الشعر التقليدي، من دون التزام بالعروض الخليلي، ظناً أن قصيدة النثر هي فقط إسقاط الوزن.
أياً يكن الأمر، وأياً تكن الآثار السلبية التي تركها المهرجان التجريبي، فإن العيب ليس في التجريب بقدر ما هو في من يجرب من دون أن يطرح على نفسه سؤالاً أولياً ، لماذا، وكيف، ومتى، وأين، ولمن أجرب؟
منعطف جديد
على هذه الخلفية السجالية تأتي الدورة الـ29 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، التي تنطلق في الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل، وتستمر ثمانية أيام، ليدخل المهرجان منعطفاً جديداً في مسيرته، بحسب ما تم الإعلان عنه. هذه السنة تتعدد فعالياته، سواء على صعيد العروض المسرحية التي يقدمها داخل مسابقته الرسمية، أو على صعيد الأنشطة الفكرية والفنية المصاحبة، وبعضها جديد لم يسبق للمهرجان أن قدمه.
جديد المهرجان هذه الدورة، مسابقتان أضيفتا إلى المسابقة الرسمية، الأولى للعروض المسرحية القصيرة وتضم 16 عرضاً مسرحياً مصرياً وعربياً وأجنبياً، وهي عروض لا تزيد على نصف ساعة ولا تقل عن 15 دقيقة. أما الأخرى فهي مسابقة النصوص التجريبية القصيرة، التي تقدم لها نحو 250 نصاً من الدول العربية كافة، تم اختيار 70 نصاً منها، وستنشر في ثلاثة كتب ليصل عدد إصدارات المهرجان في دورته الجديدة إلى 26 كتاباً، منها ثلاثة كتب عن بيتر بروك الذي تحمل الدورة اسمه، ومجموعة أخرى من الكتب تتناول المسرح والتقنيات الرقمية، وهو العنوان الذي يتخذه المهرجان شعاراً له.
مسابقة رسمية
المسابقة الرسمية للمهرجان تضم 14 عرضاً من مصر والكويت وتونس والعراق والمغرب وسوريا وكندا والمكسيك وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية والنمسا، ويشارك في لجنة تحكيمها: خالد جلال (مصر)، وعلي عليان (الأردن)، ونرمين الحوطي (الكويت)، وريتشارد تالبوت (بريطانيا)، ودانيلو كريمونتي (إيطاليا)، ودويد توماس (بولندا). إضافة إلى ذلك هناك مسابقة أخرى تم استحداثها الدورة الماضية، وتستمر هذه الدورة، وهي مسابقة نوادي المسرح التجريبي، تشارك فيها فرق المحافظات، ويبلغ عددها 14 عرضاً، ليصل عدد العروض التي سيشهدها المهرجان إلى 34 عرضاً مسرحياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن الجديد كذلك في هذه الدورة نشر سبع رسائل علمية (ماجستير ودكتوراه)، لباحثين مصريين وعرب، اهتمت بالبحث في علاقة المسرح واستفادته من التقنيات الرقمية، وهو من المشاريع الجديدة التي يتبناها المهرجان، بغرض إتاحة هذه الأبحاث للمهتمين بالمسرح، بحيث إن أغلبها لم ينشر سوى في طبعات محدودة يتم تداولها داخل جامعاتها فقط.
أعلام مكرمون
يكرم المهرجان هذا العام اسم الناقد والمخرج المصري الراحل كمال عيد، والمخرج المصري انتصار عبدالفتاح، والكاتب والمخرج السعودي فهد ردة الحارثي، والمخرج الكندي دومينك شامبينغ، والمخرج التونسي الأنور الشعافي.
ويقدم المهرجان 10 ورش، منها ورشة إعداد الممثل (محمد شرشال- الجزائر)، سينوغرافيا العرض المسرحي (حازم شبل -مصر)، المسرح الإيمائي (توني كاسال- إسبانيا)، صناعة مسرح خيال الظل (ماريا فرانغيو، وبابيس ماكريس- اليونان)، تجاوز الطبيعة في المسرح الحركي (فرقة المسرح الجسدي -أميركا)، تأملات في هاملت (دومينك شامبينغ -كندا)، رسم خرائط الإسقاط (جون هوي -أميركا)، الأقنعة المسرحية (تانسيس كاكليس -اليونان)، تصوير العروض المسرحية (علاء الباشا - مصر)
دورة المهرجان هذا العام تعقد تحت عنوان" المسرح والتكنولوجيا" وهو محور الندوات الفكرية المصاحبة للعروض، التي اختارت مجموعة من العناوين تدور حولها المناقشات، منها: أثر التكنولوجيا على فنيات الكتابة المسرحية المعاصرة، الشخصية الدرامية بين الرقمية المسرحية والسايبورغية السينمائية، تحولات التكنولوجيا وأثرها في صياغة النص المسرحي، قراءة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي (عندما يكتب الروبوت مسرحية)، حضور التكنولوجيا في سينوغرافيا مسارح العالم اليوم، توظيف التقنية الرقمية في تصميم الإضاءة المسرحية البديلة، نظرية العرض المسرحي والمستجدات التكنولوجية الرقمية المعاصرة، بنية خطاب الإرسال وتشكلات التلقي في المسرح المعاصر، دراسة في تأثير المنصات الرقمية، التكنولوجيا الرقمية الحديثة في التجريب المسرحي وأثرها على مستويات التلقي وإنتاج المعنى، الأداء التكنولوجي في العرض المسرحي، سطوة التكنولوجيا على فنون الأداء في المسرح المعاصر، حضور السايبورغ في فنون الأداء المعاصرة.
بالنظر إلى عدد عروض المهرجان ومسابقاته المختلفة، ومحاوره الفكرية، يرد إلى الذهن سؤال: هل يستطيع المهرجان، هذه الدورة أن يسترد عافيته التي فقدها نسبياً عقب 2011 أم يرسخ فقدان هذه العافية ويتراجع دوره وتأثيره؟ ثمانية أيام هي مدة المهرجان كافية لتقديم الإجابة.