تعيش الخرطوم وأديس أبابا حالة مستمرة من التوترات بسبب خلافات سد النهضة وأراضي مثلث الفشقة الحدودي، وظلت العلاقات بينهما محل اختبار وترقب وتأثر بأوضاعهما الداخلية المتأزمة.
في ضوء ذلك، أحدثت تصريحات السفير الإثيوبي في السودان لوسائل إعلام محلية، أشار فيها إلى إسقاط القوات الإثيوبية طائرة حربية محملة بالأسلحة لقوات جبهة تحرير تيغراي مخترقة الأجواء الإثيوبية عبر السودان، استنكار السلطات السودانية التي استدعت سفير إثيوبيا مؤكدة له أن إطلاق هذه الادعاءات غير المؤسسة أمر يخالف التقاليد الدبلوماسية المعهودة في التواصل مع الجهات الرسمية في بلد التمثيل، لا سيما أن قيادة البلدين تسعى إلى تعزيز العلاقات بينهما.
يأتي ذلك، في وقت تبادلت جبهة تحرير تيغراي، والحكومة الإثيوبية، الاتهامات ببدء الأعمال القتالية، وتقويض جهود السلام الجارية.
لكن، ثمة تساؤلاً يطرح نفسه في ظل هذه الأجواء المتوترة، هل السودان طرف في ما يدور من صراع بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي بشكل مباشر أو غير مباشر؟
حطام الطائرة
يوضح الخبير السوداني في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء أمين إسماعيل مجذوب، أن "تطورات الأوضاع داخل إثيوبيا تنعكس بصورة مباشرة على السودان لأسباب عدة من أهمها أن قرب الأحداث من حدودها جعلها تتأثر وتؤثر بما يدور في الجارة إثيوبيا".
وبين مجذوب، أن الاتهام بخرق طائرة تحمل أسلحة للمجال الجوي الإثيوبي عبر السودان تنقصه الأدلة والدلائل، لأنه لم يتم حتى الآن عرض حطام الطائرة ولا حمولتها ولا التأكيد أنها مقبلة من الخرطوم أو عبر أجوائها، منوهاً بأن القيادة الإثيوبية تحاول إدارة الأزمة بالأزمة، بنقل أزمتها الداخلية بأزمة مع السودان، ويلاحظ أن كل الأزمات والإشكاليات الإثيوبية يتم نقلها إلى الخرطوم.
وأضاف، "عموماً، الجانب السوداني محايد في الصراع الإثيوبي الدائر حالياً بين أديس أبابا وتيغراي منذ بدايته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، فلم يتدخل بتاتاً في ما يحدث بين الطرفين الإثيوبيين باعتباره شأناً داخلياً، بل بالعكس تعرض السودان إلى ضغوط كبيرة من ناحية تدفق نحو 120 ألف لاجئ إلى أراضيه، إضافة إلى احتمالات المستقبل بنقل الصراع إلى داخل البلاد باعتبار أن كل الفرقاء يحاولون إيجاد معبر بري للإمدادات في حال تطور هذا الصراع".
اتهامات باطلة
وتابع الخبير السوداني، "ربما يتطور النزاع الحدودي باتجاه سد النهضة الذي يقع جنوباً خصوصاً أنه على مسافة قريبة جداً من منطقة الصراع، ويحتمل أن يصل تيغراي إلى سد النهضة، وفي حال حدث أي اعتداء على السد يعني إفراغ كل المدن السودانية المشاطئة للنيل الأزرق".
وأوضح، "السودان بعيد من هذا الصراع وينأى بنفسه عن الأزمة الإثيوبية، فلديه ما يكفيه من الأزمات السياسية والاقتصادية، وأديس أبابا المتضرر الأكبر من العداء مع الخرطوم، ولديها جالية إثيوبية تنتشر في معظم المدن السودانية تصل إلى مليوني شخص غالبيتهم يمارسون أعمالاً مختلفة في البلاد، فضلاً عن التجارة البينية الحدودية، ومرور كل الواردات الإثيوبية عبر ميناء بورتسودان بعد إغلاق الطريق بين أديس أبابا وجيبوتي".
ويتابع مجذوب، أن "أديس أبابا تعلم جيداً أنه إذا تدخلت الخرطوم في صراعها مع تيغراي سيكون تدخلها مؤثراً، لذلك يجب على إثيوبيا أن تنأى بنفسها عن مثل هذه الاتهامات والعداءات تجاه السودان، وهذه فرصة يجب استثمارها لقفل ملفي سد النهضة والفشقة بالسرعة المطلوبة حتى تتفرغ لإدارة أزماتها الداخلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أثر اللاجئين
في السياق ذاته، قال مدير المركز الأفريقي للدراسات في الخرطوم معتصم عبدالقادر، "في تقديري أن السودان ليس لديه مصلحة في الصراع الإثيوبي الداخلي، ولن يستفيد شيئاً من وقوفه مع أي طرف ضد الآخر، لأنه لا توجد لديه مصالح ستتضرر من جراء هذا النزاع، وفيما يتعلق بمسألة الطائرة التي ذكرت إثيوبيا بأنها أسقطتها لعبورها الأجواء الإثيوبية عبر السودان، فهي رواية مشكوك في صحتها لعدم عرض الجانب الإثيوبي حطام الطائرة، لكن بشكل عام فإن الجانب السوداني إذا أراد فعلاً إدخال أسلحة إلى داخل الأراضي الإثيوبية فلديه وسائل كثيرة تمكنه من ذلك، كما أن جبهة تيغراي ليست بحاجة لأسلحة لأن معظم جنودها وقيادتها كانوا في الجيش الإثيوبي، بالتالي فهي محاولات لإرضاء الداخل الإثيوبي ليس إلا".
وأردف عبدالقادر، "الحديث عن أن السودان يدعم أياً من الأطراف الإثيوبية بشكل أو بآخر، محاولة غير موفقة للاصطياد في الماء العكر لم تجد صدى، وهذا ليس موقف الحكومة الإثيوبية، لأن اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أخيراً، توصل إلى أهمية تهدئة الأوضاع وعدم الانزلاق إلى أي نشاط معاد بين البلدين، بالتالي لن يكون هناك أي تصعيد أو تأثير على مسار العلاقات في المستقبل، لكن فقط سيكون التأثير على السودان في جانب تدفق اللاجئين الإثيوبيين هرباً من الاقتتال".
وضع معقد
ويعتقد عبدالقادر أن الوضع في الداخل الإثيوبي ازداد تعقيداً بسبب الصراعات الإثنية، فكانت هناك فرصة للحوار بين الحكومة الاتحادية في أديس أبابا وجبهة تيغراي للوصول إلى حلول مرضية في ظل فترة التهدئة، لكن يظهر أن كل طرف يريد أن يباغت الآخر، وفي المقابل لا توجد مقارنة بجبهات التمرد في السودان سواء في دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق فهي مستقرة وما يحدث من تفلتات في هذه الجبهات من وقت لآخر أقرب إلى النزاعات القبلية وليس حرب.
ويضيف، "على صعيد الوضع الحدودي بين الجارتين (الخرطوم وأديس أبابا) فهو هادئ ولا توجد توترات تذكر، وهناك شبه اتفاق بين البلدين بأن تكون جبهة الحدود هادئة، كما أن الحكومة السودانية ليس لها رغبة في تفاقم الوضع في إثيوبيا على الرغم من أنه معروف تاريخياً أن أي تغيير في الداخل الإثيوبي يتم عبر السودان".
ويرى مدير المركز الأفريقي للدراسات أن الجانب الإثيوبي هو الأكثر تعنتاً في مسألة الخلاف الحدودي مع السودان، وكذلك قضية سد النهضة لأنه لا يريد التوصل إلى اتفاقيات قانونية ملزمة له على الرغم من أنه على قناعة بهذا الحق.
تواطؤ في الجيش
من جهته يقول المحلل السياسي الإثيوبي، عثمان محمد علي، "قد يكون السودان كدولة غير مطلع على موضوع الطائرة المحملة بالأسلحة، التي أسقطتها القوات الإثيوبية، واحتمال أن يكون تواطؤاً من بعض المكونات في الجيش السوداني، ولكن السودان كدولة يستبعد أن يكون خلف الصراعات في إثيوبيا لاعتبارات كثيرة، منها انشغاله بالأوضاع الداخلية من فيضانات تغرق بعض مدنه، فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي".
ولفت أن لقاء قيادتي البلدين في العاصمة الكينية نيروبي على هامش القمة الاستثنائية لقادة مجموعة شرق ووسط أفريقيا للتنمية (إيغاد) التي انعقدت مطلع يوليو (تموز) خفف كثيراً من وطأة التوترات وشهدت العلاقات تحسناً كبيراً بعد ذلك، لأن الجانبين اتفقا على الالتزام بالحلول الودية لكل المشكلات بينهما، سواء المتعلقة بسد النهضة أو بالخلاف الحدودي، إضافة إلى ضرورة إعلاء المصالح المشتركة، مؤكداً أن السودان وإثيوبيا تجمعها كثير من القواسم المشتركة أهمها الجوار الجغرافي، فيما تمتد جذور العلاقات بين البلدين إلى تاريخ وجود الإنسان على الأرض منذ أكثر من 500 سنة قبل الميلاد.