اتفق وزراء مالية دول مجموعة السبع، في اجتماعهم الجمعة، الثاني من سبتمبر (أيلول)، على المقترح الأميركي بفرض سقف سعر على مبيعات النفط الروسي لحرمان موسكو من عشرات مليارات الدولارات التي تجنيها من صادراتها، وفي الوقت ذاته عدم حرمان سوق النفط الدولية من صادرات النفط الروسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع هائل في الأسعار والإضرار باقتصاد الدول المستهلكة في الغرب.
وتضم مجموعة السبع إلى جانب الولايات المتحدة، كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا، واتفق وزراء مالية تلك الدول على البدء بإعداد "حظر شامل للخدمات" اللازمة لنقل صادرات النفط الروسي المشحون بحراً على الناقلات.
ويعني ذلك توقف دول المجموعة وغيرها ممن يشارك في فرض سقف السعر عن تقديم الخدمات بما في ذلك التأمين على الناقلات لمن يشتري النفط الروسي بأعلى من سقف السعر المحدد من قبل "تحالف واسع من الدول".
وبما أن دول مجموعة السبع تهيمن على نحو 90 في المئة من سوق التأمين على الناقلات البحرية العملاقة في العالم، فالمأمول أن يؤدي حظر تقديم تلك الخدمات لمن يشتري النفط الروسي بأعلى من سقف السعر المفروض إلى استمرار تدفق النفط الروسي إلى السوق ولكن بعائدات أقل بكثير على عكس ما تحصل عليه روسيا الآن.
وبحسب اتفاق وزراء مالية الدول السبع، فإن سقف السعر لن يكون بديلاً عن حظر واردات النفط الذي أعلنته أميركا وبريطانيا ودول أوروبا في وقت سابق، بل سيكون مكملاً لذلك الحظر.
مشكلة التطبيق
من غير الواضح بعد كيف سيتم تحديد سقف السعر للنفط الروسي وأيضاً المشتقات من المنتجات المكررة التي تنتجها روسيا، وبحسب اتفاق وزراء الدول السبع، سيبدأ تطبيق سقف السعر للنفط الروسي في 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل وينطلق تطبيق سقف السعر لصادرات روسيا من المشتقات البترولية في 5 فبراير (شباط) 2023.
وبحسب ما نقلت صحيفة "فايننشيال تايمز" عن مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية، فإن سقف السعر لن يعلن إلا قبل موعد تطبيقه بقليل. أما آليات التطبيق بمعنى إلزام شركات التأمين عدم تقديم خدماتها إلى مستوردي النفط الروسي الذين يتجاوزون سقف السعر وكيفية مراقبة تنفيذ تلك الآليات، فما زالت في طور الإعداد، ومن غير الواضح كيف ستكون، وما هي العقوبات التي ستتعرض لها شركات التأمين أو غيرها من الخدمات في دول مجموعة السبع التي لا تطبق تلك الآلية التي لم تعلن بعد.
ويسود القلق شركات التأمين الكبرى في الغرب من ربط سقف السعر بحظر تقديم خدمات التأمين، وتخشى الشركات من أن تتضمن آليات وقواعد التطبيق اضطرارها هي إلى تحديد ما إذا كانت الناقلات التي تطلب التأمين تلتزم سقف السعر أم لا؟ وتنقل "فايننشيال تايمز" عن مسؤول رفيع في شركة "لويدز أوف لندن" للتأمين قوله إنه يجب على من يريدون التطبيق "الاعتراف بأن شركات التأمين ليست دائماً مطلعة على سعر النفط المشحون على الناقلات"، ويضيف أن "مطالبة شركات التأمين بأن تصبح مسؤولة وتحصل على تلك المعلومات، فهذا سيجعلها في وضع مقلق جداً من أن تقوم بعملها وتوفر التأمين"، وعلى الأرجح أن شركات التامين ستعتمد على توفير المستورد لتلك المعلومات والبيانات عن السعر الذي اشترى به.
وهذا ما حذر منه كثيرون منذ طرح اقتراح سقف السعر على النفط الروسي قبل أشهر، فمن السهل جداً على المستوردين وحتى الناقلات التهرب من إعلان السعر الحقيقي للشراء لتفادي الحرمان من تقديم تلك الخدمات.
يذكر أن الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية على موسكو التي أعلنت قبل أكثر من شهرين كانت تتضمن حظراً على تقديم الخدمات لنقل النفط الروسي المشحون بحراً، إلا أن اليونان اعترضت بشدة لأن معظم أسطولها من الناقلات يعمل في نقل شحنات الصادرات الروسية من النفط الخام والمشتقات.
العقوبات والسقف
وستحتاج دول أوروبا أيضاً إلى تعديل حزمة العقوبات السادسة على روسيا التي توصلت إليها بعد خلافات عميقة في شهر مايو (أيار) الماضي، وتضمنت تلك الحزمة إلى جانب الاتفاق على حظر استيراد النفط الروسي فرض حظر على توفير الخدمات من دول الاتحاد الأوروبي للشحن، بما فيها التأمين.
وعلى الرغم من أن وكالة الطاقة الدولية توقعت أن يؤدي حظر الدول الأوروبية استيراد النفط الروسي إلى هبوط إنتاج روسيا بنحو 3 ملايين برميل يومياً، إلا أن ذلك لم يحدث، وتنتج موسكو أكثر من 10 ملايين برميل يومياً وتبلغ صادراتها من النفط الخام والمشتقات نحو 8 ملايين برميل يومياً.
وما حدث أن الحظر الأوروبي على النفط الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا لم يؤد إلى تغيير كبير، إذ تراجعت الصادرات الروسية إلى أوروبا بنحو مليون برميل يومياً فقط، لكن زيادة واردات الهند من النفط الروسي من صفر إلى مليون برميل يومياً عوضت هذا الفاقد من الصادرات الروسية إلى أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يبدو حتى الآن أن الهند أو الصين ستوافق على الانضمام إلى آلية سقف سعر على النفط الروسي، وكل ما يمكن للدول الغربية أن تتوقعه أن يؤدي فرض سقف السعر إلى تفاوض المستوردين من روسيا على أسعار أرخص في عقودهم طويلة الأمد مع موسكو بما يقلل عائدات روسيا من التصدير التي تتزايد يومياً.
وكي ينجح نظام فرض سقف السعر كما تريده أميركا وحلفاؤها، فعلى روسيا أن تنصاع للنظام الجديد وتصدر نفطها بحسب سقف السعر المفروض، وذلك أمر غير مسبوق لا في سوق النفط العالمية ولا في أنظمة العقوبات الاقتصادية، وحتى الآن لا يبدو أن موسكو مستعدة لقبول ذلك.
الهدف الرئيس
وبالفعل هددت القيادة الروسية بأنها لن تصدر الخام ولا المشتقات لأي دول تنضم إلى نظام سقف السعر هذا، وفي تلك الحال لن يتحقق الهدف الرئيس من النظام وهو ضمان تدفق الصادرات الروسية كي لا تحرم السوق العالمية من نحو 7 ملايين برميل يومياً من الخام، مما قد يضاعف سعره كما حدث مع أسعار الغاز الطبيعي في الأشهر الأخيرة.
إلا أن الدول الغربية تضع في حسابها أن روسيا لا يمكن أن تخفض إنتاجها بشكل كبير، لما لذلك من أضرار اقتصادية تتعلق بانخفاض العائدات. ليس هذا فحسب، بل إن وقف الإنتاج من الحقول العاملة يضر بشدة بحجم مخزوناتها.
يذكر ذلك بأنه في فترة الفوضى التي ضربت قطاع الطاقة الروسي عقب انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات، انخفض الإنتاج الروسي بنحو النصف إلى أقل من 6 ملايين برميل يومياً، واحتاجت موسكو إلى عقدين من الزمن من التطوير والاستثمارات كي يرتفع إنتاجها مجدداً فوق معدل 10 ملايين برميل يومياً.