"درة التاج" هو الاسم الذي اختاره الجيش الإسرائيلي لوثيقة أعدها في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2002، تحديداً قبل خمس سنوات من الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي في دير الزور السورية عام 2007.
وأفادت الوثيقة الإسرائيلية اليوم بعد 20 عاماً على الهجوم المذكور بأن دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات اكتشفت أن سوريا تدير "مشاريع سرية والمعلومات لا تشير إلى برنامج نووي يجري في سوريا، لكنها تلفت إلى انشغال في مجالات يمكنها أن تسهم في تطوير البرنامج وتثير الاشتباه لبداية نشوء برنامج كهذا".
هذا الكشف أثار نقاشات وخلافات إسرائيلية بين أمنيين وعسكريين وحتى بين جهات داعمة للموساد التي اعتبرت ربط هذا الإنجاز بجهود شعبة الاستخبارات "كذباً وتلفيقاً" إذ إن العملية نفذت في أعقاب "حملة خاصة لجهاز الموساد"، وتساءل البعض لماذا لم تفعل إسرائيل شيئاً قبل وصول المنشأة إلى مفاعل نووي حين تم قصفه.
وقال بعض داعمي الموساد "يسعى هذا النشر إلى كيل المديح لشعبة الاستخبارات وكأنها رافقت الوليد والسؤال لماذا فوتت إسرائيل تماماً إقامة المفاعل واكتشفت ما يتعلق به بالصدفة فقط بعد خمسة أعوام؟ في حينه أيضاً لم يحصل هذا بفضل شعبة الاستخبارات ورجالها الممتازين، بل في أعقاب حملة لجهاز الموساد الذي خرج هو الآخر إلى حيز التنفيذ من دون كثير من الثقة".
إحباط المشروع يعزز الردع الإسرائيلي
وأوردت الوثيقة التي نشرها الجيش الإسرائيلي مرفقة بصور ووثائق أنه "يجري تنفيذ مشاريع سرية (أو في الأقل قيد التنفيذ) من خلال هيئة الطاقة الذرية السورية لم نكن على علم بها". وبحسب الجيش فإن وزير الأمن آنذاك إيهود باراك كتب رسالة أدرجت في ملف "سري للغاية"، قال فيها إن إحباط المشروع السوري هو عملية ذات أهمية تاريخية من شأنها تعزيز قدرة الردع الإسرائيلي وأمن إسرائيل".
بحسب الوثيقة فإن المعلومات التي توافرت لا تشير إلى برنامج نووي عسكري فاعل قيد التنفيذ في سوريا، لكنها تلفت إلى إنجاز أعمال في مجالات عدة ربما تسهم في تطوير المشروع وتثير الشكوك حول بدء تطوير مشروع كهذا".
وبحسب ما كشف من تفاصيل حول الموضوع فإنه في ليلة السادس من سبتمبر 2007، أقلعت ثماني طائرات من طرازي "أف - 15" و "أف - 16" من جنوب إسرائيل باتجاه مبنى مربع الشكل ومعزول في الصحراء شمال شرقي سوريا.
وانطلقت الطائرات شمالاً بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط، ثم شرقاً على الخط الحدودي بين سوريا وتركيا وألقت ذخيرة تزن 24 طناً على الموقع الذي بحسب الإسرائيليين شيد بمساعدة كوريا الشمالية وتوجيهها.
إلا أنه خلافاً لما جاء في بيان الجيش الإسرائيلي تبين أن التنسيق والعمل لتنفيذ التفجير حصلا في مكاتب الموساد بالتشاور مع البيت الأبيض وديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية ومقر سلاح الجو الإسرائيلي وجهات أوروبية.
ووفق تقرير إسرائيلي نشر أخيراً حول الموضوع فإن شعبة الاستخبارات تعاملت آنذاك مع إمكان حيازة سوريا مفاعلاً نووياً بعدم اهتمام معتبرة أنه موضوع هامشي، فيما كانت تقديرات الموساد ورئيسه في حينه مئير داغان تشير إلى أن احتمال امتلاك سوريا سلاحاً نووياً قريب من الصفر وأن عدداً قليلاً من ضباط الاستخبارات في جهاز الموساد رفضوا هذه التقديرات ودعوا إلى تنفيذ عمليات تحقق انتهت معظمها بلا نتائج، كما أن العملية التي أنتجت في نهاية الأمر المعلومة الملموسة كانت شبه مصادفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضمن ما شملته التقارير التي تنتقد الجيش، كتب أنه "خير يفعل الجيش إذا عمد بدلاً من البيانات عديمة المعنى إلى جمع ضباطه الشبان في يوم دراسي يفحص بشجاعة ما هو مطلوب عمله من الاستخبارات، محاولة تعلم وفهم لماذا لم تنجح شعبة الاستخبارات العسكرية في تشخيص البرنامج السوري على مدى السنين؟ وكيف يضمن ألا يتكرر خطأ حرج مشابه مرة أخرى في المستقبل؟".
سوريا هدف لمواجهة إيران و"حزب الله"
من جهة أخرى وفي حين اختلف الإسرائيليون في نقاشهم حول مدى نجاعة إسرائيل بتوجيه ضربتها إلى المفاعل النووي في سوريا بعد خمسة أعوام من كشف التفاصيل وما إذا كانت شعبة الاستخبارات العسكرية أو الموساد الجهة التي تقف خلف هذا "الإنجاز الاستخباري المهم" وفق ما أسماه البعض، اتفق الأمنيون والعسكريون على ضرورة استمرار تل أبيب بتنفيذ خطة "المعركة بين المعارك" في سوريا حيث يكثف الإسرائيليون جهودهم الاستخبارية والعسكرية كهدف لمواجهة إيران ومنع تعزيز قدرات "حزب الله" العسكرية، وأعلن عسكريون إسرائيليون أن تل أبيب "لن تسمح بتجاوز الخطوط الحمراء في كل ما يتعلق بالملف السوري، تحديداً تموضع طهران وأتباعها واستخدام سوريا معبراً لنقل السلاح إلى حزب الله".
رسالة إلى الأسد
وتفاخرت إسرائيل بقصفها الأخير لمطار حلب معتبرة ذلك إنجازاً ضمن خطة واسعة للقضاء على البنى التحتية العسكرية لإيران في سوريا التي تحولت إلى مركز لتعزيز قدرات "حزب الله" العسكرية في لبنان.
واعتبر رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست رام بن براك القصف الأخير بمثابة "رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد مفادها بأن يعي أن كل طائرة تهبط في سوريا وتشكل دعماً للإرهاب ستكون هدفاً لإسرائيل وهذا يلحق أضراراً بالتالي بالطائرات التي تنقل حمولات مختلفة من أرجاء العالم" وأضاف "منعت هذه الهجمات عدداً غير قليل من الطائرات السورية من الهبوط في البلاد".
وبحسب ادعاء بن براك فإن الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل عام "هي إحباط محاولات إيران بناء ميليشيات مسلحة معززة بأسلحة دقيقة حول الحدود الإسرائيلية بهدف ردعنا والخروج بعملية عسكرية ضد طهران والجهات الإرهابية هذه أو تلك".
من جهته قال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش عاموس يدلين إن "اسرائيل تحاول منع أمرين مهمين في سوريا، الأول تموضع القوات الإيرانية في مختلف المناطق والثاني وهو استمرارية للأول منع نقل أسلحة متقدمة وربما أيضاً مكونات دفاع جوي لحزب الله".
وبحسب يادلين فإن "مرتفعات الجولان على طبق من ذهب وهي خالية إلى حد ما من حزب الله والإيرانيين بفضل حقيقة أن إسرائيل لم تسمح لهم بإثبات وجودهم هناك. هاجمناهم بشكل مباشر وتوصلنا إلى اتفاق مع الروس بعدم السماح لهم بالدخول إلى هناك. وفي ما يتعلق بتلك المكونات التي تصل من إيران في طريقها إلى حزب الله، فهنا معركة أكثر صعوبة لأن تل أبيب يقظة ولا تريد أن يحدث أي من الأمور الثلاثة التالية، ضرب الروس وإحداث تصعيد في المنطقة وتعريض طائراتها لخطر وتوجيه ضربات ضدها، لذلك أضاف يدلين "من الأفضل أحياناً مهاجمة المدرج حتى لا تهبط الطائرات ولا تهاجم الطائرات، وهذا تصعيد دراماتيكي".