Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حزن البريطانيين مضاعف بسبب وفاة الملكة وصعوبة ظروف المعيشة

إلغاء الإضرابات المقررة والحداد يؤجل مواجهة حكومة ليز تراس الوليدة انتقادات ومشكلات

بريطانيون يضعون الورود أمام قصر بكنغهام في لندن (أ ف ب)

ألغت نقابات العمل كل الإضرابات التي كانت مقررة وأعلن عنها سلفاً، وبعضها يبدأ الجمعة التاسع من سبتمبر (أيلول) الحالي بسبب وفاة الملكة إليزابيث الثانية، الخميس، وذلك "احتراماً لخدمتها لبلدها وعائلتها المالكة". وكان من المقرر أن يبدأ العاملون في خدمة البريد البريطاني إضراباً لمدة يومين يبدأ، الجمعة، احتجاجاً على تدني الأجور وظروف العمل. وكذلك علق اتحاد نقابات العاملين في السكك الحديدية والنقل البحري إضراباً كان مقرراً بين 15 و17 من الشهر الحالي، ويشارك فيه 40 ألفاً من العاملين في شبكة السكك الحديدية و14 شركة قطارات. وقال الأمين العام لاتحاد تلك النقابات، إن "الأمة كلها تعرب عن احترامها للملكة إليزابيث الثانية. ونحن نعبر عن أعمق تعازينا لعائلتها وأصدقائها والبلاد كلها".

وهكذا، دفعت المشكلات التي كانت ستواجهها حكومة حزب المحافظين الجديدة برئاسة ليز تراس لأيام قليلة، بسبب حزن الأمة على وفاة الملكة. وكانت ليز تراس آخر من التقى الملكة من كبار المسؤولين الرسميين، حين كلفتها يوم الثلاثاء الماضي تكليف الحكومة بعد أن قابلت الملكة الراحلة بوريس جونسون وقبلت استقالته في اليوم نفسه.

وتمت تلك المراسم في قلعة بالمورال باسكتلندا للمرة الأولى التي تخالف فيها التقاليد بأن تتم في المقر الرسمي للملكية في قصر باكنغهام بالعاصمة لندن. وكان واضحاً أن الظروف الصحية للملكة، التي اعتبرت الأكثر حرصاً على التقاليد، هي التي حالت دون قدومها إلى لندن يوم الثلاثاء.

ومن المفارقات المثيرة، أن ليز تراس كانت من أشد المعارضين للملكية، ولطالما قادت الاحتجاجات المطالبة بإلغاء الملكية حين كانت عضواً في حزب الليبراليين الديمقراطيين قبل أن تنتقل إلى حزب المحافظين، الذي فازت بزعامته الأسبوع الماضي.

حزن مضاعف

وفي ظل فترة حداد تستمر أسبوعاً أو اثنين، تفادت ليز تراس الجدل البرلماني وانتقادات أحزاب المعارضة، وحتى بعض نواب حزبها، لخطتها لمواجهة ارتفاع كلفة المعيشة، بخاصة ما أعلنته عن تجميد سقف أسعار فواتير الطاقة للمنازل والشركات. وكان متوقعاً أن تنتقد المعارضة تمويلها لتلك الخطة عبر الاقتراض الحكومي الهائل، وليس من فرض ضريبة أرباح على شركات الطاقة.

كما أن الشعب البريطاني في وضع حزنه على رحيل الملكة التي حكمت لسبعة عقود لن يشكل صداعاً لرئيسة الوزراء الجديدة بسبب غلاء الأسعار، وربما عدم كفاية حزمة الدعم التي أعلنتها لتخفيف أعباءه المعيشية.

وأمام ليز تراس وفريقها مدة أسبوعين، سيكون الشعب البريطاني ونوابه والبلاد كلها في حالة حزن وحداد ومشغولين بوفاة الملكة حتى تشييع جنازتها، وتولي الملك ريتشارد الثالث مقاليد العرش. ويستطيع الفريق الاقتصادي للحكومة خلال تلك الفترة الإفلات من أي تبعات لقرارات الحكومة الجديدة، لكن ذلك بالطبع لن يؤثر كثيراً في مسار الاقتصاد المتردي الذي جعل الملايين من البريطانيين ليسوا فقط قلقين على مستقبلهم، بل يعانون في الوضع الحالي من تبعات التراجع. فالتضخم عند أعلى مستوياته منذ أكثر من 40 عاماً، ومرشح للارتفاع إلى معدلات غير مسبوقة أكثر بنسبة ما بين 18 و20 في المئة. وأسعار الفائدة الآخذة في الارتفاع تجعل كلفة الاقتراض للإنفاق الاستهلاكي العادي للأفراد والأسر، وأيضاً لدفع أقساط القروض العقارية، ترتفع باستمرار في الوقت الذي تنخفض فيه القيمة الحقيقية للدخول نتيجة معدلات التضخم المرتفعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حتى خطة خفض الضرائب التي تتبناها حكومة ليز تراس لن تفيد الشرائح الدنيا والمتوسطة من المجتمع الريطاني، بل هي تستهدف أصحاب المداخيل العالية والأثرياء بالأساس، بالتالي لن يلحظ القطاع الأكبر من الشعب البريطاني تحسناً واضحاً في مستوى معيشته.

تراجع على كل الصعد

بوفاة الملكة إليزابيث الثانية تصبح ليز تراس آخر رئيس حكومة كلفته الملكة رئاسة حكومة جلالتها، كما أن تراس ستكون أول رئيس حكومة في عهد الملك تشارلز الثالث الذي سيعتلي العرش خلفاً لوالدته الراحلة. صحيح أن الملكية في بريطانيا تملك ولا تحكم، أي إنها بعيدة تماماً عن السياسة وإدارة شؤون البلاد، لكن عهد الملك تشارلز سيبدأ، ووضع بريطانيا أسوأ من نظيراتها في مجموعة الدول السبع وحتى مجموعة دول الـ20.

هناك تراجع على الصعد كافة في بريطانيا لا يقتصر فقط على ارتفاع كلفة المعيشة ومعاناة الملايين من أسعار الطاقة والغذاء. فالاقتصاد البريطاني لا ينمو تقريباً، وربما أخذ في الانكماش، وزادت التوقعات بأن يدخل في ركود هذا العام وليس العام المقبل 2023. أما خفض الضرائب الذي تقول حكومة ليز تراس إنه سيشجع النمو، فهناك تشكيك من قبل كثير من الاقتصاديين في ذلك. إنما المؤكد أن خفض الضرائب والدعم الذي ستقدمه الحكومة للشركات لتجميد سقف أسعار الطاقة، سيرفع من معدلات التضخم أكثر. وسيضطر بنك إنجلترا (المركزي البريطاني)، إلى رفع أسعار الفائدة أكثر للحد من ارتفاع معدلات التضخم. ويتوقع أن يكون قرار رفع نسبة الفائدة القادم أكبر من نصف نقطة مئوية. وأن يرفع البنك سعر الفائدة مجدداً قبل نهاية العام لتصل إلى ما نسبته نحو ثلاثة في المئة.

وقت صعب

يزيد ذلك من كلفة خدمة الدين العام للحكومة، الذي اقترب من حجم الناتج المحلي الإجمالي عند تريليونين ونصف تريليون دولار (2.2 تريليون جنيه استرليني). ومن المقدر أن يؤدي تمويل الحكومة لخطة تجميد سقف سعر الطاقة إلى إضافة بضع مئات المليارات للدين العام للحكومة ليقترب من ثلاثة تريليونات دولار (أكثر من 2.4 تريليون جنيه استرليني).

ومنذ الأسبوع الماضي، يهبط سعر صرف العملة البريطانية، الجنيه الاسترليني، بينما يرتفع العائد على سندات الخزانة البريطانية التي يتخلص المستثمرون منها في عمليات بيع كبيرة تهوي بقيمتها، ذلك بسبب زيادة الاحتمالات من تخلف بريطانيا عن سداد ديونها (إفلاس)، والمرجح أن تزيد احتمالاته أكثر مع ارتفاع معدلات الدين إلى ما يفوق الـ100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

ربما لا علاقة للملك الجديد بتلك الأوضاع، لكن التاريخ سيذكر دوماً أن أول عهده كان وقتاً صعباً على البريطانيين، بخاصة لو لم تتمكن حكومته الأولى برئاسة ليز تراس من وقف التدهور الاقتصادي وفي مستويات معيشة البريطانيين.