تدفقوا تحت المطر وفي الظلام، وقفوا هناك بالآلاف، ذرفوا الدموع، وغنوا، والحزن هو القاسم المشترك بينهم.
تحدى المواطنون المحزونون الأمطار الغزيرة، وتجمعوا خارج قصر باكنغهام خلال الليل معبرين عن تقديرهم للملكة بعد رحيلها في قلعة بالمورال يوم الخميس (08 سبتمبر/ أيلول).
كان الحاضرون يحملون المظلات والزهور والشموع ويمسكون بأيدي بعضهم البعض. كانوا يتحدثون بصوت خافت، ولم يحاولوا إخفاء دموعهم أو صدمتهم.
قال أحدهم، يدعى جيمس أونيل ويعمل مصفف شعر: "لقد اعتقدت أنها ستعيش إلى الأبد... لقد كانت موجودة طوال حياتي وكنت أظن تقريباً أنها ستكون موجودة دائماً. ولكن اختفاءها - فجأة - لا يبدو حقيقياً. كيف يمكن للملكة ألا تكون هنا"؟
كان هذا الإحساس مشتركاً بين كثيرين. بالنسبة لجزء كبير ممن كانوا هنا، لم يكن الحدث مجرد وفاة ملكة محبوبة جداً، بل كان أيضاً رحيل شخصية كانت من ثوابت الحياة. لقد كانت نهاية الحقبة الوحيدة التي عرفوها على الإطلاق لغاية اليوم.
أونيل، البالغ من العمر 32 سنة، قال: "أياً كانت الأحداث الأخرى التي يعيشها العالم - الحرب، والوباء، وتكاليف المعيشة - كنت تدرك أن الملكة موجودة... كنت تعلم أنها ستحافظ على استقرار كل الأمور. ومن دونها، أعتقد أن هناك شعوراً بأن العالم بات أقل طمأنينة".
حضر هو وزميلته جولي هاربر، 37 سنة، مباشرة بعد انتهائهما من العمل عندما سمعا الأخبار وقضيا بضع ساعات بين الحشود.
قالت جولي: "أردنا فقط أن نعبر عن تقديرنا للملكة وأن نكون هنا... جئت إلى القصر لحضور اليوبيل [البلاتيني] وأتذكر أنني بكيت عندما كنت أستقل سيارة أجرة في طريق العودة إلى المنزل لأنني كنت سعيدة جداً لتمكني من الحضور. حسناً، سأبكي الليلة لأسباب مختلفة، أليس كذلك"؟
كان الشعور بالصدمة من نبأ الموت واضحاً ولم يخف مع مرور الساعات.
حقيقة أن الملكة كانت في سن السادسة والتسعين ومعروف أنها كانت تعاني من مشكلات صحية لم تخفف من الصدمة المفاجئة لخبر رحيلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قالت سيدة أخرى تدعى فيليسيتي توماس: "قبل يومين كانت تستقبل رئيسة الوزراء الجديدة... لم يكن هناك أي تحذير مما سيحدث. أنا أعلم أنها كانت تبلغ من العمر ستة وتسعين سنة، لكن والدتها عاشت حتى بلغت مئة وعاماً. توفي زوجها في سن التاسعة والتسعين. كانت تتلقى أفضل رعاية طبية متاحة. اعتقدت بصدق أننا سنحتفل باليوبيل الخامس والسبعين لجلوسها على العرش. لكن مشاهدة هذه الأخبار اليوم... كانت محبطة".
كانت هي وزملاؤها يمضون بعض الوقت سوية بعد انتهاء العمل عند إذاعة الخبر. خرجوا مباشرة وتوجهوا إلى متجر قريب واشتروا بعض الزهور وحضروا إلى القصر. يقول توماس البالغ من العمر 39 سنة: "كان [رحيلها] الموضوع الوحيد الذي نتحدث عنه على أية حال... لذلك ارتأينا أن نحضر ونتابع حديثنا هنا".
ضمت الحشود الحزينة - التي راحت تغني النشيد الوطني من حين لآخر في نهاية الليلة - مواطنين من كل الأعمار من بريطانيا وخارجها.
حضرت الأميركية بريلين كارتر - التي تعيش في المملكة المتحدة منذ حوالى ثلاث سنوات - إلى القصر لأن الملكة كانت "سبباً رئيساً" لرغبتها في الانتقال إلى لندن كما تقول. توضح الممثلة البالغة من العمر 30 سنة: "كنت أعتقد - وما زلت - أنها كانت مثالاً للرزانة والكياسة وما يجب أن تكون عليه المرأة المستقلة القوية... لقد كانت النموذج الأكثر روعة الذي يمكن أن نتمناه كشابات. كانت ملهمة. كان الرقي يطغى على كل ما فعلته - وفي ظروف صعبة في كثير من الأحيان".
اغرورقت عينا كارتر بالدموع أثناء حديثها. قالت إن رحيل الملكة كان على الأقل نهاية هادئة لحياة جيدة، في منزل تحبه بينما كانت أسرتها إلى جانبها. أيدت هذه الفكرة صديقتها – والمغتربة الأميركية مثلها - سارة بيرك. وأضافت المحاسبة البالغة من العمر 44 سنة: "نجد بعض العزاء في هذه الحقيقة".
بالمقابل، كانت هذه اللحظة بالنسبة لـ جينا ماركم، مهمة للغاية، لدرجة أنه عندما قالت ابنتها الصغيرة يجب على العائلة الحضور إلى قصر باكنغهام للمشاركة في الحدث، لم تتردد الأسرة أبداً.
أمضى أفراد العائلة الخمسة – الأم جينا، والأب ريكي، والأطفال جورجي وسوني ودولسي - ساعة للتعبير عن تقديرهم. قالت الأم البالغة من العمر 42 سنة الموظفة في مدرسة: "لقد أمضت 70 سنة في منصبها، ولم تتخذ أي خطوة خاطئة إلى حد كبير... كم هو عدد الأشخاص الذين يمكنهم فعل ذلك؟ إنها تستحق كل التقدير الذي ستحصل عليه في الأيام المقبلة وأكثر من ذلك".
وأضافت قائلة إننا سنحتاج لبعض الوقت حتى نعتاد الآن على سماع عبارة "جلالة الملك".
"إذا تمكن [تشارلز] من أداء مهمته بنصف جودة ما قدمته والدته، فسيكون ملكاً عظيماً... دعونا نأمل في أنه سيكون عند حسن ظنها".
© The Independent