لم يعد "التشرميل" حكراً على الذكور في المغرب، بل لجأ إليه في السنوات الأخيرة بعض المراهقات بحثاً عن الحماية أو للانتقام من المجتمع. والمراهقات "المشرملات" هن فتيات يرتدين ملابس رجالية ويحملن أسلحة بيضاء وينافسن الذكور في ممارسة الجرائم.
لا يوجد مكان في قدميها ويديها خالٍ من الندوب وترتدي لباساً ذكورياً وأغلب أبناء الحي يعرفون سهام (16 سنة) التي اختارت الشارع بديلاً من المدرسة.
"إذا لم أكن مشرملة سينهشونني"
تقول سهام في هذا الصدد، "لا أعتقد أنني سأحقق أي شيء في حياتي إذا واصلت تعليمي. هناك عدد كبير من الشباب في حيناً لديهم شهادات عليا وعاطلون عن العمل يبيعون الملابس في الشارع أو الخضراوات والفواكه".
ولدى سؤالها عن سبب اختيارها هذه الملابس والجلوس مع المجرمين في الشارع، ترد سهام، "أنا أعيش في أحد أخطر أحياء الدار البيضاء، إذا لم أكن مشرملة سينهشونني، لهذا أحمي نفسي منهم، وأدرك أن ما أفعله سيقودني في النهاية إلى السجن، لكن هل هناك حل؟".
تعيش سهام في حي التشارك بضواحي مدينة الدار البيضاء، وهو حي معروف بانتشار الجريمة والمخدرات، ويشكو سكانه من السرقة.
بعد طلاق والديها، وجدت سهام نفسها مرفوضة من طرف زوجة الأب وعائلة والدتها. وقالت في هذا السياق، "عندما طردتني والدتي ورفضت احتضاني لم أجد أي مكان آخر سوى الشارع، وأنا أحارب لحماية نفسي".
تتحدث سهام بطريقة رجولية، ولتنسى ظروفها الاجتماعية تتعاطى المخدرات، وبالنسبة إلى كثيرين هي مجرمة، تثير الرعب والخوف بسبب شكلها والندوب على يديها وقدميها.
"الجريمة والتشرميل"
"التشرميل" هو ارتكاب الجرائم وحمل الأسلحة البيضاء وارتداء ملابس معينة، وكان لفترة طويلة حكراً على الذكور، لكن في السنوات الأخيرة أصبح أسلوب حياة عدد كبير من المراهقات بالمغرب.
وبلغ عدد الأطفال المعتقلين في المغرب 1224 طفلاً حتى نهاية عام 2018، مقارنة بعام 2016 حين ارتفع عدد الأطفال المعتقلين بنسبة بنسبة 70 في المئة. ويوجد 3300 طفل في وضعية صعبة، وتم إيداعهم بمراكز حماية الطفولة خلال عام 2018، بحسب رئاسة النيابة العامة، ومؤسسة محمد السادس لإعادة دمج السجناء ومنظمة اليونيسف والاتحاد الأوروبي.
وأنجز الباحث في مجال علم الإجرام وعلم النفس رشيد المناصفي بحثاً ميدانياً في المغرب عن ظاهرة التشرميل وأصدر كتاب "الجريمة والتشرميل"، وهي الدراسة الوحيدة التي تناولت "ظاهرة التشرميل" في البلاد. ويشرح الباحث في الكتاب، ظاهرة "التشرميل" ومن هم "المشرملون"، وكيف يثيرون الرعب لدى المواطنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"لا أحد في المغرب يهتم بالمراهقين"
وقال المناصفي في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "يسود شعور لدى المراهقين في المغرب بفقدان الأمل، لا سيما عندما يرون أن أحد أقاربهم لديه شهادات جامعية وعاطل عن عمل، فتترسخ لديهم فكرة أن التعليم ليس هو الحل لإنقاذهم من الفقر والتهميش". وأضاف مؤلف كتاب "الجريمة والتشرميل"، "لا أحد في المغرب يهتم بالمراهقين وحاجاتهم، ولا سيما الفتيات منهم. ولا توجد في الأحياء الهامشية بالمغرب مراكز خاصة بالشباب أو أماكن يمكن أن ترتادها المرهقات لتمضية وقت الفراغ وممارسة هواية معينة".
وتابع، "المراهقة في حاجة أيضاً إلى اقتناء حاجات خاصة بها عندما تشعر بأن عائلتها فقيرة ومهمشة وعاجزة عن تلبية ما تحتاج إليه وتشعر بعجز وبؤس والديها، فهي تحس بالقهر الذي يمكن أن يقودها إلى الاتجار بجسدها أو ممارسة التشرميل، لا سيما في ظل غياب المدرسة كموسسة للتنشئة الاجتماعية وغياب مراكز رعاية الشباب والأطفال".
"التشرميل" وسيلة للحماية من الاستغلال الجنسي
ومضى الباحث في علم الإجرام بالقول، "أعتبر أن ظاهرة التشرميل لدى المراهقات تعبير عن الغضب والانتقام، كما أنها وسيلة تلجأ إليها المراهقة لحماية نفسها من الذكور، لأنها عندما تتحدث بنبرة رجالية وترتدي ملابس معينة وتمارس أفعالاً جرمية تحظى باحترام المراهقين الذكور وتحمي نفسها من الاستغلال الجنسي".
في كل مرة تظهر فيها فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لفتيات مجرمات يتم تحميل العائلة المغربية مسؤولية ذلك، وفي هذا الصدد أوضح المناصفي، "لا أعتقد أن تحميل العائلة المغربية مسؤولية تشرميل المراهقات هو الحل، لأن العائلة لا يمكن أن تجد حلاً بمفردها، أين هي الدولة؟ لقد لاحظنا في السنوات الأخيرة أن هناك بيئة اجتماعية لم تعد تكتفي فقط بصناعة الإجرام، بل بتصديره إلى الخارج".
ويشار إلى أن البيانات التي جمعها معهد التحقيق في السياسات الجنائية، ومقره لندن، أنه يوجد في المغرب 237 سجيناً لكل 100 ألف نسمة، مما يعد معدلاً مرتفعاً مقارنة بدول أخرى، فالسويد مثلاً يبلغ عدد المساجين فيها 61 لكل 100 ألف نسمة من السكان.
وزاد المناصفي، "لأن المراهق يشعر بالقهر لهذا يلجأ إلى التشرميل، ويجب حل المشكلة من جذورها، والاهتمام بالمراهقين، وليس تغيبهم عن سياسة الدولة، لأننا نلاحظ أن هناك شرخاً كبيراً بين ما تعيشه هذه الفئة المهمشة من المراهقين وسياسة الدولة".
ولدى سؤاله عن سبب ممارسة المراهقات "المشرملات" الجريمة بطريقة أكثر قسوة من الذكور، أجاب الباحث المغربي أن "الفتاة تشعر بخوف كبير لهذا تمارس ردود فعل سريعة وقاسية، وخلال بحثي في ظاهرة التشرميل في المغرب قابلت فتيات في مختلف مدن المغرب اعتبرن التشرميل وسيلة لحماية أنفسهن وإيجاد مكان في الشارع".
وبالنسبة إلى الباحث في علم الإجرام لا يوجد حل لظاهرة "التشرميل" في المغرب من دون تدخل الدولة ووضع سياسة تهتم بالمراهقين، عوضاً عن تكريس سياسة الإقصاء والتهميش التي تخلق لدى هذه الفئة إحساساً بالقهر فتعبر عنه من خلال "التشرميل".