تتلاشى الآمال الأوروبية في إحياء الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني، في ظلّ اتهامات للنظام في طهران بمواصلة "التصعيد" في برنامجه.
وعكَس المستشار الألماني أولاف شولتس تشاؤم الأوروبيين اليوم الاثنين، بإعرابه عن "الأسف لعدم تقديم إيران رداً إيجابياً على مقترحات المنسّقين الأوروبيين".
وقال في مؤتمر صحافي مع رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد "لا يوجد سبب يمنع إيران من الموافقة على هذه المقترحات. لكن ينبغي القول إن هذه هي الحال وإنه (التفاهم) لن يحدث بالتأكيد في المستقبل القريب".
بعد عام ونصف على المناقشات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم في العام 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في العام 2018، أبدت برلين ولندن وباريس السبت "شكوكاً جدية" حيال نية طهران في إحياء الاتفاق.
واتهمت الدول الأوروبية الثلاث طهران في بيان بـ"مواصلة التصعيد في برنامجها النووي بشكل يتجاوز أي مبرر مدني معقول".
من جهتها، اعتبرت إيران التي تؤكد أن برنامجها النووي مدني بحت، أنّ هذا الإعلان "غير بنّاء" في الوقت الذي رحّب فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي المعارض لإحياء الاتفاق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، اليوم الإثنين الـ12 من سبتمبر (أيلول)، إن إيران مستعدة لمواصلة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، داعياً الوكالة إلى "عدم الإذعان لضغوط إسرائيل" في شأن أنشطة طهران النووية.
ويجتمع مجلس محافظي الوكالة اليوم الإثنين بعد ثلاثة أشهر من تبني قرار يحث إيران على تقديم إجابات موثوقة في تحقيقات الوكالة في آثار اليورانيوم التي عثر عليها في ثلاثة مواقع في إيران، ورفضت إيران التحقيقات قائلة إنها ذات دوافع سياسية.
وقال كنعاني في مؤتمر صحافي تلفزيوني "تعلن إيران تعاونها البناء مع الوكالة باعتباره التزاماً، وبينما هناك التزامات على إيران فإن لها حقوقا أيضاً". وأضاف أنه "ينبغي للوكالة أن تحافظ على صدقيتها".
برلين تتأسف على عدم استجابة طهران
وقال المستشار الألماني أولاف شولتس اليوم الإثنين عقب لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد في برلين أمس إنه لا يوجد سبب لرفض إيران مقترحات الدول الأوروبية بشأن إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، ومن المؤسف أن طهران لم تستجب بعد بصورة إيجابية.
ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد متحدثاً إلى جانب شولتس في برلين إلى تحرك جماعي لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية، وقال إن الوقت قد حان لتجاوز المفاوضات السابقة الفاشلة.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي أرسلت إيران ردها الأخير على نص الاتحاد الأوروبي المقترح لإحياء اتفاق 2015 الذي وضعت طهران بموجبه قيوداً على برنامجها النووي في مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
حملة إسرائيلية ناجحة لوقف الاتفاق النووي
وتوعدت إسرائيل التي يعتقد على نطاق واسع أنها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة ذرية، قائلة إن طهران تدعو إلى تدميرها. وتنفي إيران تماماً أنها تسعى لامتلاك أسلحة نووية، وتقول إن برنامجها النووي سلمي.
وقال كنعاني "من الطبيعي أن تتوقع إيران إجراءات بناءة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأعضاء مجلس محافظيها".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، غادر أمس الأحد، إلى ألمانيا، في إطار جهود الدولة العبرية الدبلوماسية لإقناع القوى الغربية بالتراجع عن إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
وقبل توجهه إلى برلين، شكر لبيد في اجتماع مجلس الوزراء صباح الأحد، القوى الثلاث على "الموقف القوي" الذي عبرت عنه السبت.
وقال لبيد في الاجتماع إن "إسرائيل تقوم بحملة دبلوماسية ناجحة لوقف الاتفاق النووي ومنع رفع العقوبات عن إيران"، مضيفاً أن "الأمر لم ينته بعد".
وبحسب رئيس الوزراء "لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه، لكن هناك إشارات مشجعة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد مسؤول دبلوماسي إسرائيلي، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن إيران ستكون محور محادثات الوفد الإسرائيلي في برلين.
وقال المسؤول لوكالة الصحافة الفرنسية "من المهم مواصلة تنسيق المواقف والتأثير في الموقف الأوروبي. لألمانيا دور مهم في هذا الملف".
ومن المقرر أن يلتقي لبيد، الذي يرافقه وفد من كبار المسؤولين الأمنيين، المستشار الألماني أولاف شولتز ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك والرئيس فرانك فالتر شتاينماير قبل أن يعود إلى إسرائيل الإثنين.
انتخابات التجديد النصفي
وقال مسؤول إسرائيلي، الأحد، إن إسرائيل لا تتوقع إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي التي تنعقد في نوفمبر (تشرين الثاني)، وذلك بعد أن عبرت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق عن خيبة أملها تجاه طهران.
وقال المسؤول الإسرائيلي للصحافيين مشترطاً عدم الكشف عن هويته "يبدو في هذه المرحلة أنه لن يوقع اتفاق نووي مع إيران إلا بعد انتخابات التجديد النصفي (الأميركية) على أقرب تقدير".
واعتبر معلقون إسرائيليون هذا التصريح توقعاً إسرائيلياً لممانعة الرئيس الأميركي جو بايدن في الدخول في اتفاق مع اقتراب الاقتراع، الأمر الذي يتيح لمنافسيه الجمهوريين استخدامه للهجوم على حزبه الديمقراطي في حملاتهم الانتخابية.
تشكيك أوروبي
وشهدت حماسة الدول الأوروبية خصوصاً ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تراجعاً في الأيام القليلة الماضية بعد أن أثارت هذه الدول، السبت، "شكوكاً جدية" في نية طهران إحياء الاتفاق.
وقالت الدول المنضوية في الاتفاق فرنسا وألمانيا وبريطانيا، عبر بيان مشترك السبت، إن المقترح الذي عرضه الاتحاد الأوروبي على طهران يمثل "الحد الأقصى لمرونة" القوى الأوروبية في شأن الملف.
وأضافت "للأسف اختارت إيران عدم استغلال هذه الفرصة الدبلوماسية الحاسمة"، مشيرة إلى أن طهران "تواصل بدلاً من ذلك التصعيد في برنامجها النووي بشكل يتجاوز أي مبرر مدني معقول".
"غير بناء ومؤسف"
من جانبها رأت وزارة الخارجية الإيرانية، السبت، أن بيان الدول الأوروبية الثلاث في شأن مباحثات إحياء الاتفاق النووي "غير بناء" و"مؤسف"، محذرة إياها من "تدمير" المسار الدبلوماسي.
وقال المتحدث باسم الوزارة ناصر كنعاني، في بيان تعليقاً على الموقف الأوروبي، إنه "من المفاجئ والمؤسف بينما تستمر التفاعلات الدبلوماسية وتبادل الرسائل بين الأطراف المفاوضين ومنسق المباحثات من أجل إنجاز المباحثات أن تصدر الدول الأوروبية الثلاث بياناً كهذا"، معتبراً أنه يشكل "انحرافاً عن مقاربة مثمرة في المفاوضات".
ونصح الدول الثلاث "بأداء دور أكثر فاعلية لتوفير حل لإنهاء الخلافات القليلة المتبقية، عوضاً عن دخول مرحلة تدمير المسار الدبلوماسي".
وينتقد الغربيون طلب إيران قبل أن يعاد تفعيل الاتفاق إغلاق ملف الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن العثور على آثار لمواد نووية في ثلاثة مواقع، لم تصرح إيران سابقاً أنها شهدت أنشطة من هذا النوع.
وفي حين تحض الدول الغربية إيران على التعاون مع الوكالة التابعة للأمم المتحدة لحل المسألة تعتبر طهران أن هذا الملف "مسيس".
ورأى كنعاني أن بيان الدول الأوروبية قريب من موقف إسرائيل، العدو اللدود لإيران، والمعارضة بشدة للاتفاق الأساسي وللمفاوضات الأخيرة في شأنه، وقال "من المؤسف أن الدول الأوروبية الثلاث اتخذت خطوة على مسار النظام الصهيوني من أجل إفشال المفاوضات، ومن الواضح أنه في حال استمرت هذه المقاربة عليهم أن يتحملوا المسؤولية عن النتائج".
وشدد كنعاني على أن "التهديدات والعقوبات" لن تحول "من دون متابعة الشعب الإيراني لحقوقه ومصالحه".
خطوة إلى الوراء
ويأتي بيان القوى الأوروبية الثلاث بعد يوم على تأكيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن رد إيران الأخير على مسألة إحياء الاتفاق النووي يمثل خطوة "إلى الوراء". وأضاف "لسنا على وشك الموافقة على اتفاق لا يفي بمتطلباتنا الأساسية".
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، الخميس الثامن من سبتمبر، إن بايدن يريد التأكد من أن الولايات المتحدة لديها "خيارات أخرى متاحة" لضمان عدم امتلاك إيران القدرة على صنع أسلحة نووية، إذا فشلت جهود إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وأضاف كيربي أن واشنطن ستظل تواصل الضغط من أجل معاودة تنفيذ الاتفاق، لكن صبرها "ليس أبدياً". وأوضح أنه "على رغم أن بايدن رعى المسار الدبلوماسي وشجعه ودفع باتجاهه، فقد نقل لبقية الإدارة أنه يريد ضمان أن لدينا خيارات أخرى متاحة لتحقيق هذه النتيجة الأكيدة، وهي عدم حيازة إيران القدرة على إنتاج أسلحة نووية".
لا ضمان
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأربعاء الماضي، أنها "لا تستطيع ضمان أن البرنامج النووي الإيراني سلمي حصراً"، بسبب عدم رد طهران على مسألة المواقع غير المعلنة والمشتبه في أنها شهدت أنشطة غير مصرح عنها.
وقال المدير العام للوكالة رافاييل غروسي في تقرير نشر قبل أيام من انعقاد مجلس محافظي الوكالة التابعة للأمم المتحدة إنه يشعر "بقلق متزايد في وقت لم يحرز فيه أي تقدم" في ملف آثار اليورانيوم المخصب التي عثر عليها في الماضي عبر أماكن مختلفة، داعياً طهران إلى الالتزام "بواجباتها القانونية والتعاون في أسرع وقت ممكن".
وتعد هذه إحدى النقاط الرئيسة التي تتسبب في تعثر المفاوضات التي استؤنفت خلال أبريل (نيسان) 2021 في فيينا لإحياء الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني المبرم عام 2015 بين الدول الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) مع إيران الذي انسحبت منه واشنطن بعد ثلاث سنوات في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
وطالبت إيران مجدداً، الثلاثاء السادس من سبتمبر الحالي، بأن تغلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف المواقع غير المعلنة للسماح بإنجاز تفاهم في محادثات إحياء الاتفاق مع الأطراف التي لا تزال منضوية في الاتفاق، بينما تشارك الولايات المتحدة فيها بشكل غير مباشر.
ودانت الوكالة أيضاً قراراً أعلنته إيران خلال يونيو (حزيران) الماضي يقضي بوقف عمل عدد من كاميرات المراقبة، متحدثة عن "عواقب تؤثر في القدرة على التحقق من الطابع المدني للبرنامج النووي".
ووفق تقديرات في مستند منفصل فإن إيران إضافة إلى الحد من وصول الوكالة الأممية واصلت خلال الأشهر الأخيرة إنتاج اليورانيوم المخصب.
تجاوز الحدود
وجاء في تقرير الوكالة أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بات الآن يتجاوز بأكثر من 19 مرة الحد المسموح به بموجب الاتفاق. وأوضح التقرير أن المخزون حتى الـ21 من أغسطس (آب) الماضي يقدر بـ3940.9 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب في مقابل 3809.3 كيلوغرام منتصف مايو (أيار) السابق، علماً أن الحد المسموح به هو 202.8 كيلوغرام.
وزادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة إلى 331.9 كيلوغرام في مقابل 238.4 كيلوغرام في السابق، متجاوزة نسبة التخصيب المنصوص عليها في الاتفاق وهي 3.67 في المئة.
وباتت إيران تملك 55.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة مقابل 43.1 في المئة سابقاً، وهذه النسبة تقترب أكثر من عتبة 90 في المئة اللازمة لتصنيع القنبلة الذرية.
إحياء الاتفاق يتضاءل
وكان منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قال إنه أصبح أقل تفاؤلاً حيال التوصل إلى اتفاق سريع على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وذلك عما كان عليه قبل وقت قصير، وأضاف "يؤسفني أن أقول إنني أقل ثقة اليوم مما كنت عليه قبل 28 ساعة، إزاء احتمالات إبرام الاتفاق الآن".
وأتاح اتفاق 2015 المبرم بين طهران وست قوى دولية (واشنطن وباريس ولندن وموسكو وبكين وبرلين) رفع عقوبات عن إيران لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
وبدأت إيران والقوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق، بتنسيق من الاتحاد الأوروبي ومشاركة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، مباحثات لإحيائه في أبريل 2021، علقت بداية في يونيو. وبعد استئنافها في نوفمبر من العام ذاته علقت مجدداً منتصف مارس (آذار) 2022، مع بقاء نقاط تباين بين واشنطن وطهران، على رغم تحقيق تقدم كبير.
ومطلع أغسطس استؤنفت المباحثات في فيينا مجدداً، وأعلن الاتحاد الأوروبي في الثامن منه أنه طرح على الطرفين الأساسيين صيغة تسوية "نهائية"، وقدمت طهران للاتحاد الأوروبي مقترحاتها على النص، وردت عليها واشنطن في الـ24 من الشهر.
وفي الأول من سبتمبر أكدت الولايات المتحدة تلقيها رداً إيرانياً جديداً، معتبرة على لسان متحدث باسم وزارة خارجيتها أنه "غير بناء".