Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشعب الأميركي منزعج من شيخوخة حكامه وتلك هي الأسباب والأخطار

يرغب في قادة يشبهونه وإصلاح النظام السياسي المعيب لتصعيد الشباب

جو بايدن أصبح أكبر رئيس أميركي في التاريخ ويقترب الآن من الـ80 (أ ف ب)

مع وفاة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا عن 96 سنة وتنصيب تشارلز الثالث ملكاً بعدها وهو في سن 74 سنة، وعلى الرغم من الاختلاف في نظام الحكم، نظر الأميركيون إلى أنفسهم فوجدوا أن متوسط أعمار القائمين على الحكم (الحكومة والكونغرس والمحكمة العليا) مرتفع للغاية ولا يشبه أعمارهم التي يبلغ متوسطها 38 سنة، فالرئيس جو بايدن سيبلغ 80 سنة بعد شهرين، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تجاوزت 82 سنة، وبلغ متوسط الأعمار في مجلس الشيوخ 64.3 سنة وهو الأعلى في التاريخ الأميركي.

وكشف استطلاع جديد لشبكة "سي بي أس نيوز" عن أن ثلاثة من كل أربعة أميركيين غير راضين عن ذلك، ويعتقدون أنه يجب وضع حد أقصى لسن المسؤولين المنتخبين، فما الأسباب الكامنة وراء شيخوخة نظام الحكم في أميركا؟ وهل يمكن أن يتغير هذا قريباً؟

على الرغم من أن سن التقاعد في الولايات المتحدة يمكن أن يبدأ عند 62 سنة، إلا أنه بوسع الموظفين والعاملين الاستمرار في العمل حتى سن الـ70 طالما كانت لديهم الرغبة في ذلك، لكن الأمر يختلف بالنسبة إلى السياسيين المنتخبين كالرئيس وأعضاء الكونغرس، بل وللمعينين من أعضاء المحكمة العليا، إذ لا يوجد سقف لسن التقاعد، وكثير منهم يستمر حتى آخر يوم من حياته، وهو ما خلق مشكلة شيخوخة تتفاقم مع الوقت في البلاد.

أبرزهم بايدن

وتظهر ملامح هذه المشكلة مع كبار الشخصيات السياسية، وعلى رأسها قمة السلطة التنفيذية جو بايدن الذي أصبح أكبر رئيس أميركي في التاريخ ويقترب الآن من الـ80، وقد يترشح بعد عامين في عمر 82 لدورة حكم ثانية تنتهي مع بلوغه 86 سنة، الأمر الذي أدى إلى شكوك قبل أسابيع حتى بين أعضاء حزبه في أنه يجب ألا يترشح لولاية ثانية، إذ قال تيم رايان المرشح الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو إن أميركا في حاجة إلى قيادات جديدة من ديمقراطيين وجمهوريين لأن الوقت قد حان لتحرك الأجيال، كما اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن بايدن يبدو أكبر في السن مما كان عليه قبل بضع سنوات، وهي مسؤولية سياسية لا يمكن حلها من خلال حيل البيت الأبيض التقليدية مثل تغييرات الموظفين أو خطط الاتصالات، وأنه على الرغم من أن مستوى طاقته مثير للإعجاب بالنسبة إلى رجل في سنه، إلا أنه لم يعد كما كان، ويخشى مساعدوه أن يتعثر في المشي أو أن يتلعثم في الكلمات خلال المناسبات العامة، ويحبسون أنفاسهم ليروا ما إذا كان سيصل إلى النهاية من دون زلة لسان.

وسعى الرئيس السابق دونالد ترمب إلى جعل عمر بايدن وقدراته العقلية مشكلة خلال حملة 2020 الانتخابية، واستمر في ذلك حتى بعد خسارته السباق نحو البيت الأبيض، وهي اتهامات يحاول بايدن دحضها باستمرار من خلال الركض أحياناً وركوب الدراجات، وخروج طبيبه ليؤكد أمام وسائل الإعلام أن الرئيس لا يزال لائقاً للقيام بواجباته الرئاسية من دون مشكلات.

 ومن الغريب أن ترمب نفسه الذي تعرض خلال رئاسته لتساؤلات مماثلة تتعلق بسنه وحاله الصحية يبلغ من العمر الآن 76 سنة، ويتطلع إلى محاولة أخرى محتملة للبيت الأبيض بعد عامين حين يكون قد بلغ 78 سنة، وهو العمر نفسه الذي جعل بايدن أكبر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.

شيخوخة أعضاء الكونغرس

ولا يعد عمر الرئيس سوى قمة جبل الجليد من مشكلة تقدم سن قادة الحكم في أميركا، فقد سجلت نانسي بيلوسي مكانتها كأكبر معمرة تشغل منصب رئيسة مجلس النواب، حينما كانت في الـ80 من عمرها وتبلغ الآن 82 سنة، كما يبلغ رئيس مجلس الشيوخ الموقت باتريك ليهي 82 سنة، في حين بلغ تشاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ 72 سنة، وزعيم مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل 80 سنة، كما أن هناك عديداً من الجمهوريين في مجلس الشيوخ من كبار السن مثل تشاك غريسلي (89) وريتشارد شيلبي (88) وجيم أيندهوف (88) وجيم ريتشي (78)، ومن الديمقراطيين ديان فينشتاين (89) وبيرني ساندرز (81) وإليزابيث وارين (73) وبن كاردين (78) وأنغوس كينغ (78) والقائمة تطول.

وتكشف بيانات أعمار أعضاء الكونغرس بمجلسيه (الشيوخ والنواب) التي اطلعت عليها "اندبندنت عربية" أنه من بين 535 عضواً في المجلسين، ولِد 39 فقط في ثمانينيات القرن الماضي، وولد واحد فقط في التسعينيات، في حين يبلغ متوسط ​​عمر أعضاء الكونغرس الحالي 59 سنة، أي أكبر بنحو 23 سنة من متوسط ​​عمر الشعب الأميركي البالغ 38 سنة.

ومن الواضح أن المشكلة تتفاقم باستمرار إذ تزايد متوسط ​​عمر نواب الكونغرس منذ عام 1981 إلى أن وصل المتوسط عام 2001 إلى 55 سنة، وفي عام 2011 بلغ المتوسط 58 سنة، وفي الكونغرس السابق بلغ 60 سنة، وهو ما يعني أن ممثلي الكونغرس يكونون أكبر من ناخبيهم بنحو 20 سنة على الأقل.

مشكلة المحكمة العليا

على الرغم من أن متوسط ​​السن عند تعيين قضاة المحكمة العليا الأميركية هو 53، وهو سن مقبول بالنظر لأن متطلبات الوظيفة تقتضي تعليماً وخبرة مكثفين، لكن متوسط أعمار القضاة حالياً 62 سنة، ومع ذلك يبلغ متوسط العمر الذي يترك فيه القضاة المحكمة بسبب رغبتهم في التقاعد أو بسبب الوفاة 81 سنة نظراً إلى أنه لا يوجد حد أقصى لخدمة قضاة المحكمة العليا وفقاً للقانون، وهذا يعني أن بعض قضاة المحكمة الحالية سيظلون في الخدمة لأكثر من ثلاثة عقود مقبلة مقارنة بالمعدل التاريخي البالغ 16 سنة، الأمر الذي كان الديمقراطيون يلوحون بإمكانية تغيير القانون لوضع سقف زمني للخدمة، بما يسمح باستبدال القضاة بعد سن يحددها القانون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أن رغبة الديمقراطيين التي كانت مدفوعة بأغراض سياسية لتغيير تركيبة المحكمة الحالية التي يسيطر عليها المحافظون، لم تتحقق بالنظر إلى عدم قدرتهم على طرح مشروع القانون في وقت لا يتمتعون فيه بالأغلبية اللازمة لإقراره بسبب اعتراض الجمهوريين.  

ومع ذلك ظل هناك عامل آخر يدفع باتجاه إعادة النظر في الأمر، وهو أن المحكمة العليا الأميركية التي يتمتع القضاة فيها بالعمل مدى الحياة تعد حال شاذة بين البلدان الغربية الأخرى، وبخاصة الناطقة بالإنجليزية، إذ إن بريطانيا وكندا لديهما سن تقاعد للقضاة وهو 75 سنة، وفي أستراليا يبلغ 70 سنة، وحتى في داخل أميركا هناك 34 من المحاكم العليا في الولايات لديها سياسة مماثلة، إذ يتراوح فيها سن التقاعد بين 70-75 سنة، باستثناء ولاية فيرمونت التي يبلغ سن التقاعد فيها 90 سنة.

رفض شعبي

وعلى الرغم من أن الحكمة تتراكم مع تقدم العمر، ولا غنى عنها في اتخاذ الخيارات السياسية، إلا أن الشعب الأميركي بدا راغباً في رؤية قادة يشبهون الأشخاص الذين يمثلونهم، فقد أظهر استطلاع أجرته شبكة (سي بي أس نيوز) قبل أيام قليلة أن ثلاثة من كل أربعة أميركيين يعتقدون أنه يجب وضع حد أقصى لسن المسؤولين المنتخبين، وكان هذا الحد العمري متسقاً لدى المستطلعين من الحزبين، كما كان هذا التأييد متسقاً بشكل ملحوظ بين الفئات العمرية المختلفة.

وفضل نصف الأميركيين في الاستطلاع أن يكون الحد الأقصى للاستمرار في منصب منتخب هو 70 سنة، بينما قال واحد من كل 4 أن 60 سنة يجب أن تكون الحد الأقصى ليتولى شخص منصباً منتخباً، في حين اختار 18 في المئة فقط أن يصل الحد الأقصى إلى 80 سنة.

مخاوف الشباب

ولعل أحد أسباب تغير الرأي العام الأميركي في مسألة السن، هو كيف يمكن لدولة عظمى مترامية الأطراف يتمتع مسؤولوها ومشرعوها وكبار قضاتها بسلطات محلية ودولية هائلة، أن تتحمل وجود قادة غير قادرين على الفصل بين القضايا المعقدة التي تحدد العصر الحالي، بخاصة حينما يتخذ القادة المسنون قرارات للأجيال المقبلة، في حين أن القادة الأصغر سناً ربما يكونون أكثر اهتماماً وقلقاً للتصدي لتغير المناخ من أولئك الذين لن يضطروا مع تقدمهم في السن إلى مواجهة الآثار الكارثية مع تصاعد درجات الحرارة وارتفاع مستويات سطح البحر وانخفاض إنتاج الغذاء في المستقبل.

ومع سيطرة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 70 سنة على السياسة الأميركية، يتزايد القلق من إقصاء أصوات الشباب ومخاوفهم، فعلى الرغم من أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة يشكلون غالبية سكان الولايات المتحدة، إلا أنهم لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من الممثلين في الكونغرس.

أخطار التدهور العقلي

وفي حين لا ينطبق التدهور العقلي على جميع المتقدمين في السن إلا أنه أحد الأسباب المثيرة للتساؤل، إذ ترتبط الشيخوخة الطبيعية والأمراض المرتبطة بالعمر بانخفاض الوظيفة الإدراكية وفقاً لدراسات أجريت عام 2015، وبينما يمكن تقليل معدل الانخفاض هذا من خلال أنماط الحياة الصحية، فإن الشيخوخة تؤثر في التغيرات الهيكلية والوظيفية داخل الدماغ، كما ذكرت المجلة القانونية لجامعة شيكاغو أن قضاة المحكمة العليا الأميركية لديهم تاريخ من التدهور العقلي يمتد منذ إنشائها في عام 1789 إلى العصر الحالي.

وفي السنوات الأخيرة بدأ الخبراء يتساءلون عما إذا كان الرئيس السابق رونالد ريغان الذي كان يبلغ من العمر 77 سنة عندما ترك منصبه عام 1988 قد ظهرت عليه علامات الخرف المبكرة، كما أثيرت أسئلة مماثلة حول ترمب الذي يشير بعض علماء النفس إلى أن سلوكه الغريب قد يشير إلى ضعف القدرة المعرفية لديه.

ومن الأمثلة الأخرى في الكونغرس ما نشرته صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل حول التدهور العقلي المزعوم للسيناتور الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا ديان فاينشتين (89 سنة)، إذ قال أربعة أعضاء في مجلس الشيوخ من بينهم ثلاثة ديمقراطيين وثلاثة موظفين سابقين في الكونغرس أن ذاكرة فينشتاين تتدهور بسرعة، وأنها لم تعد قادرة على أداء واجبات وظيفتها من دون أن يقوم موظفوها بكثير من العمل المطلوب لتمثيل ما يقرب من 40 مليون شخص في كاليفورنيا، وهو ما نفته فينشتاين مؤكدة أنها تحضر الاجتماعات وتلتقي القادة وليست معزولة.

وقبل أربعة أعوام اتضحت عواقب الشيخوخة عندما سأل أورين هاتش السيناتور الجمهوري الذي توفي الربيع الماضي عن 88 سنة الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ عن الكيفية التي تكسب بها الشركة المال، وأجاب زوكربيرغ باستخفاف أن الشركة لديها إعلانات، ما كشف عن الجهل بآلية عمل شركات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يثير مخاوف بانفصال كبار السن عن التغييرات التكنولوجية المتسارعة في عالم اليوم.

وعلاوة على ذلك تذكر عواقب الشيخوخة بنهايات عصر الاتحاد السوفياتي حينما كان شبح الموت الدائم يطارد القادة السياسيين المسنين الذين عانوا من مشكلات تتعلق بالسن في أوائل الثمانينيات، إذ توفي ثلاثة أمناء عامين للحزب الشيوعي هم ليونيد بريجنيف ويوري أندروبوف وكونستانتين تشيرنينكو في تتابع سريع.

سبب شيخوخة الكونغرس

بغض النظر عن مدى عدم انسجام غالبية الأميركيين مع ممثليهم من كبار السن، فإن السبب وراء استمرار المسنين في مناصبهم يعود إلى أن شاغلي المناصب يفوزون غالباً حينما يحين موعد إعادة انتخابهم، الأمر الذي أدى بمرور الوقت إلى شيخوخة الكونغرس، وهو اتجاه من المرجح بقوة أن يستمر وقد يزداد سوءاً، لا سيما بالنظر إلى أن الناس يعيشون لفترة أطول من أي وقت مضى.

ويعود السبب في عدم فوز غالبية الشباب بمقاعد في الكونغرس إلى أن إجراء الحملات الانتخابية والفوز بها يتطلب قدراً كبيراً من التمويل الذي لا يرجح أن يحصل عليه القادمون الجدد مقارنة بشاغلي المناصب الذين تتوافر لديهم قواعد مانحين راسخة، فعلى سبيل المثال تم إنفاق أكثر من 8.7 مليار دولار خلال دورة انتخابات 2020 على سباقات الكونغرس الفيدرالية وحدها، وهو ما يعكس ارتفاعاً كبيراً في السنوات العشر الماضية، فبالمقارنة بعام 2010 بلغ إجمالي الأموال التي أنفقت على سباقات الكونغرس الفيدرالية 3.6 مليار دولار.

نظام سياسي معيب

ويشير خبراء في الانتخابات إلى أن نظام الحملات السياسية صمم لإبقاء كبار السن في مناصبهم، فالسياسيون الذين يمتلكون أموالاً طائلة وراءهم، أو أولئك الذين يتمتعون بكثير من التقدير والمكانة السياسية، يكون لديهم فرص أكبر للفوز وعادة ما يكونون أكبر سناً، وهذا هو سبب فوز شاغلي المناصب في سباقاتهم لإعادة الانتخاب في أكثر من 90 في المئة من الحالات، ما يفسر سبب ضعف فرص الأصوات الجديدة والشابة في النظام السياسي الأميركي.

وربما يكون الأهم هو حقيقة أن الأنظمة القديمة تمنع الأفكار الجديدة من الدخول إلى النخبة الصغيرة التي تصنع السياسة الوطنية في الولايات المتحدة، وفي الوقت الحالي لا تظهر الحكومة الأميركية المسنة أية علامات على أن تصبح أصغر سناً في أي وقت قريب، لكن إذا دعمت الأحزاب السياسية والناخبون الشباب المرشحين من صغار السن خلال موسم الحملة الانتخابية فقد يتغير ذلك، مثلما فعل بعض السياسيين الشباب مثل بيت بوتيجيج وجوش هاولي وماديسون كاوثورن وألكساندرا أوكاسيو كورتيز، إذ صنعوا أسماء لأنفسهم بين أقرانهم الأكبر سناً، لكن قصص كفاحهم ضد شاغلي المناصب تثبت أن النظام السياسي لا يعمل لصالحهم.

دعم الأحزاب

يحتاج المرشحون الأصغر سناً إلى الدعم ليس فقط من الناخبين، لكن من أحزابهم السياسية التي تلعب دوراً رئيساً في تحديد الذين يترشحون للهيئة التشريعية على الصعيدين الوطني والمحلي، ففي أعوام 1975 و1981 و1995 في وقت لم تكن فيه سيطرة الحزب قوية كان متوسط ​​عمر أعضاء مجلس الشيوخ أقل من 50.

وإذا لم يحدث ذلك فسوف يواجه الشباب عواقب الخيارات التي يتخذها السياسيون الآن، إذ من المتوقع أن يدفعوا ثمن الديون الوطنية الهائلة للبلاد وافتقار الكونغرس إلى موازنة مسؤولة، كما سيتحملون وطأة كارثة المناخ وعدم تحرك الحكومة لمنعها، أما إذا تغير الوضع وتم منح الشباب مقاعد في الكونغرس، فإن ذلك سيجلب الشعور بالانتماء للأجيال الشابة ويساعد في سد الفجوة العمرية في مجتمع أميركي أكثر انقساماً من أي وقت مضى.

المزيد من تحقيقات ومطولات