تنفس السودانيون الصعداء بإعلان العاملين في قطاع الكهرباء في البلاد رفع إضرابهم عن العمل، الذي نفذوه لمدة أسبوع. وقد عاش السودانيون منذ الإثنين الـ12 من سبتمبر (أيلول) فصلاً من المعاناة مع بلوغ عدد ساعات غياب التيار الكهربائي أكثر من 10 ساعات في اليوم، بسبب الإضراب الذي ضاعف نسبة التوقف الجزئي لإمدادات الطاقة من 20 إلى 40 في المئة.
وجاء الإضراب الذي بدأ، الثلاثاء السادس من سبتمبر، احتجاجاً على ضعف الأجور والمطالبة بإجازة الهيكل الراتبي الجديد الذي يقضي برفع أجر الموظف في القطاع إلى نصف مليار جنيه سوداني (900 دولار)، وفقاً للدرجات الوظيفية، وأن يتم تطبيقه بشكل فوري.
وشكل الإضراب ضغطاً على الحكومة، ما أجبر السلطات المتخصصة على التوصل إلى حلول مرضية مع لجنة الهيكل الراتبي للعاملين في قطاع الكهرباء، أدت إلى إنهاء هذا الإضراب من دون الوصول إلى خطوة تصعيدية تؤدي إلى الإطفاء العام في شبكة الكهرباء، الأمر الذي كان سيؤثر سلباً على الإنتاج والخدمات في القطاعات المختلفة، فضلاً عن معيشة المواطنين، وبدأ كثير من المواطنين يشكون فشل عمليات تغذية الكهرباء بالعدادات المنزلية ودخول بعضهم في تعتيم تام.
ووصفت لجنة الهيكل الراتبي للعاملين في الكهرباء ما تم التوصل إليه من اتفاق بأنه خطوة جبارة في الطريق الصحيح، ودعت العاملين إلى مواصلة العمل بصورة طبيعية، مطمئنة إلى أنه لن تكون هناك محاسبة لمن شارك في الإضراب.
وقالت اللجنة في بيان، إن "مسيرة الاحتجاج التي استمرت أربعة أشهر تكللت بتصديق الهيكل الراتبي بشكل نهائي، وقد أتى بنسبة مقدرة من مقترح لجنة الهيكل الراتبي للعاملين في هذا القطاع الحيوي، خصوصاً في التزامه تعديل هيكل خاص في بداية 2023 لإزالة التشوهات الحالية".
زيادات بمتوسط 295 في المئة
وقال المدير العام لشركة كهرباء السودان القابضة عثمان ضو البيت لـ"اندبندنت عربية"، إن وزارة المالية وافقت على الهيكل الراتبي الذي اقترحته اللجنة التي شكلها وزير الطاقة لدراسة ومعالجة أجور العاملين في قطاع الكهرباء، وتضمن زيادات كبيرة جداً بلغت 327 في المئة لأعلى درجة وظيفية و260 في المئة لأدنى درجة وظيفية، أي بمتوسط زيادة تبلغ 295 في المئة.
ولفت ضو البيت إلى أنه بموجب هذه الزيادات التي سيتم تطبيقها بأثر رجعي ابتداء من يونيو (حزيران) 2022، سيتحصل العاملون في هذا القطاع على فروق كبيرة من المؤمل أن تحقق رغباتهم بشكل إجمالي.
هجرة الكفاءات
وكانت لجنة الهيكل الراتبي للعاملين في قطاع الكهرباء، طالبت بتطبيق مقترح الهيكل الراتبي 2022 الخاص بالراتب الأساسي والبدلات والعلاقات والحوافز السنوية للعاملين في القطاع. ووفق عضو اللجنة شوقي عبدالوهاب، فإن اللجنة رفعت مقترحاً جديداً لمراجعة الأجور وتعديلها في مايو (أيار) الماضي، إلى إدارة شركة الكهرباء القابضة التي شكلت لجنة من مديري الموارد الكهربائية بشركات الكهرباء كلها، كاشفاً أن اللجنة رفعت توصياتها إلى إدارة شركة الكهرباء القابضة، ومن ثم إلى وزير الطاقة في أغسطس (آب)، وظل العاملون في الانتظار من دون أي خطوة عملية تجاه تنفيذ مطالبهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار عبدالوهاب في تصريحات صحافية لوسائل إعلام محلية إلى أنه نتيجة هذا التقاعس اتجه العاملون في قطاع الكهرباء إلى التصعيد الذي بدأ بوقفة احتجاجية أعقبها الإضراب الجزئي، ثم الإضراب الشامل.
ويلفت عبدالوهاب إلى أن قطاع الكهرباء يواجه مشكلات كبيرة من أبرزها هجرة الكفاءات ما ألحق أضراراً بالغة بالقطاع، نظراً إلى أن الأجور أصبحت لا تتناسب مع الجهود والمهام التي يؤديها العاملون في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة، إضافة إلى مواجهة قطاع الكهرباء مشكلات عدة في مجال الموارد والمعدات وتنفيذ الصيانات للمحافظة على استقرار الإمداد الكهربائي في البلاد.
مساع حكومية
وأشار وزير الطاقة والنفط محمد عبدالله محمود، عقب الوقفة الاحتجاجية التي نظمها العاملون في قطاع الكهرباء، إلى أن الدولة ملتزمة بتحسين الأجور وتعديل الهيكل الراتبي للعاملين في القطاع تقديراً لجهودهم وتضحياتهم، مؤكداً أن قطاع الكهرباء يقدم خدمات كبيرة للمواطنين والقطاعات الإنتاجية خصوصاً في مجالي الزراعة والصناعة، على الرغم من ضعف البنية التحتية وشح الإمكانات والموارد.
ووعد محمود بالنظر في المقترح المقدم من قبل قطاع الكهرباء لمراجعة الهيكل الراتبي ودراسته، ومن ثم الحصول على الموافقات المطلوبة، لافتاً إلى سعي الدولة لتحقيق الرضا الوظيفي وفقاً للإمكانات والموارد المتاحة، لكنه حض العاملين في القطاع إلى بذل مزيد من الجهد لتجويد الأداء، كي ينعم المواطنون بإمداد كهربائي مستمر.
تمدد الإضرابات
ويشهد السودان منذ مطلع العام الحالي تمدد ظاهرة إضراب العمال والموظفين الحكوميين عن العمل في عدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، للمطالبة بزيادة الأجور في مواجهة ارتفاع تكلفة المعيشة التي تفاقمت بشكل يصعب احتماله مع اشتداد الأزمة المالية الخانقة، وذلك نظراً إلى ما تعيشه البلاد من تقلبات سياسية وعزلة اقتصادية منذ تعطيل قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الشراكة مع المدنيين في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، إذ اعتبرت دول ومؤسسات مالية ذلك انقلاباً عسكرياً، فأوقفت ما وعدت به من مساعدات في شكل منح وقروض تقدر بمليارات الدولارات.
وإثر ذلك فقدت الدولة السودانية 40 في المئة من إيراداتها، إذ جمد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ملياري دولار من المساعدات كان بصدد تقديمهما للحكومة الانتقالية، فضلاً عن تجميد واشنطن 700 مليون دولار وشحنة قمح بحجم 400 ألف طن كانت ستقدمهما هذا العام.
ورغم رفع الحكومة السودانية الحد الأدنى للأجور مطلع فبراير (شباط)، في محاولة لاحتواء آثار التفاقم المستمر للضائقة المعيشية والاقتصادية في البلاد، فإن ارتفاع معظم أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية والخدمات بسبب الزيادة الأخيرة في تعرفة الكهرباء التي بلغت 484 في المئة للقطاعات السكنية والتجارية والحكومية والصناعية والزراعية، إضافة إلى تحرير أسعار دقيق الخبز والمحروقات من البنزين والجازولين، ما جعل السوق تلتهم تلك الزيادات حتى قبل أن تصل إلى جيوب الموظفين، إذ أصبحت تعادل 12 في المئة فقط من احتياجات أسرة تتكون من 5 أفراد.