ستدخل ماريا باكالوفا التاريخ باعتبارها الممثلة الوحيدة التي تحصل على ترشيح لجائزة الـ "أوسكار" للعبها دور فتاة كازاخستانية متوحشة تأكل القرود وتكتشف هويتها كأنثى خلال لقاء مع عمدة مدينة نيويورك السابق رودي جولياني [والمستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب].
بالطبع هذا ما لم تقرر ميريل ستريب [الفنانة الشهيرة] أن تصبح جريئة وهي في هذا السن المتقدم. لكن وحتى ذلك الحين، ستبقى باكالوفا متفردة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصفت الشابة بأنها إحدى أشجع الممثلات في هوليوود بفضل تلك المواجهة مع جولياني في مشهد تقشعر له الأبدان، حيث يقوم خلاله الرجل بملامسة خصرها وذراعيها ويضع يده داخل سرواله، في الجزء الثاني من فيلم ساشا بارون كوهين "بورات 2".
أثناء تأديتها شخصية توتار ابنة بورات الكادحة البالغة من العمر 15 عاماً، تُترك الممثلة البلغارية وحدها مع جولياني، أحد كبار مساعدي دونالد ترمب، في غرفة الجلوس في جناحه بالفندق، حيث تتنكر منتحلة شخصية مذيعة جمهورية تريد إجراء مقابلة معه لمصلحة شبكة تلفزيونية يمينية.
تبدأ توتار بملاطفة الرجل فترتسم ابتسامة عريضة على وجهه، وتعطيه توتار قصة مصورة كازاخستانية عن فتاة يتحول عضوها الأنثوي إلى وحش ويبتلعها بالكامل لأنها حاولت ملامسته.
يذهب الاثنان إلى غرفة النوم المجهزة بكاميرات مخفية، حيث يطلب جولياني الحصول على رقم هاتفها ويستلقي على السرير، ثم يمد يده تحت سرواله مدعياً أنه يحاول إدخال طرف قميصه، وفجأة يظهر بورات لإنقاذ الموقف ويصرخ، "إنها في الـ 15 من العمر. إنها كبيرة جداً بالنسبة لك". حتى يومنا هذا يقسم جولياني أنه لم يقم بأي تصرف غير لائق!
تخبرني باكالوفا الموجودة في نيويورك خلال لقائنا عبر تطبيق "زوم" وهي تحاول تذكر الموقف، "لا أعرف أي شيء عن هذا الشخص باستثناء اجتماعنا في تلك الغرفة. الأمر واضح بالنسبة إلى الجميع".
بشكل مفهوم طغى هذا المشهد على الفيلم برمته، لكن أداء باكالوفا بالمجمل أكسبها ترشيحاً للـ "أوسكار".
بتحويل توتار من مراهقة جاهلة تعيش في قفص إلى صحافية متحمسة، تقوم باكالوفا بإشباع الشخصية بهشاشة ثابته تتحول ببطء إلى قوة فولاذية. إذا نظرنا إلى الفيلم بتعمق يتجاوز أي أبعاد لاستدراج اسم ترمب إليه، فسنجد أنفسنا أمام حكاية نسوية دافئة يتخللها كثير من النكات عن المحرقة اليهودية.
التقيت بالممثلة البالغة من العمر 26 عاماً للحديث عن أهم عمل تشارك به بعد ’بورات‘ وهو فيلم رعب ساخر يحمل عنوان "جثث في كل مكان" Bodies Bodies Bodies.
يتناول الفيلم ما سيحدث إذا حضرت حفلاً يقيمه أشخاص في العشرينيات من العمر هم أسوأ من يمكن أن تقابله على "تويتر"، ثم يشرعون بالقتل العشوائي، ويتم تصوير مقاطع لنشرها على منصة "تيك توك" وإذاعة التهديدات عبر المدونات الصوتية، ونسمع الممثل بيت ديفيدسون يتباهى بقواه الجنسية الخارقة. أسأل باكالوفا ماذا سيكون رأي جولياني بهذا العمل؟
تجيب ضاحكة "لا أعرف ما إذا كان سيشاهد الفيلم بقدر ما هي قصة عن السلوك البشري صالحة لكل الأزمنة، لكنها تصور إلى حد كبير أجيالاً مثل جيلي والأكبر منه بقليل. بالطبع ليس لجيل أمي أو جيل والدتها".
أعتقد أنها تقول بأشد الأساليب تهذيباً إن جولياني مسن جداً.
باكالوفا شابة مشرقة ومعبرة ومزدهرة. تبدو شاشة تطبيق "زوم" صغيرة جداً بالنسبة إليها.
تقول بحيوية "سأبعث لك الطاقة الأكثر إشراقاً. نيويورك ممطرة وجميلة لكنها تثير في داخلي هذا الشعور بالحنين لأنني لم أذهب إلى إنجلترا منذ فترة".
لاحقاً بينما كانت تتذكر مشهداً من "جثث في كل مكان" والذي تتعرض فيه الشخصية التي تؤديها إلى المطر والبرد، راحت تمثل المشهد حرفياً أمامي قائلة "كان يجب أن تسمع الضجيج. كانت هناك أصوات من قبيل ووووش شووش، كان الأمر أشبه بالحرب"، باكالوفا هي أنسب ممثلة للعب دور البطلة في ’جثث في كل مكان’.
تجسد باكالوفا شخصية ’بي’ وهي أجنبية خجولة ترافق صديقتها الجديدة، صوفي المخادعة التي تؤديها الممثلة أماندلا ستينبرغ إلى حفل يحضره أصدقاؤها الأغنياء. تقابل هدية ’بي‘ وهي عبارة عن خبز مصنوع من الكوسة بازدراء شديد، وغالباً ما تكون بعيدة عن طبيعتها عندما يتعلق الأمر بالمحادثات وكراهية الذات المتبادلة مع المجموعة. إنها إطراء صادق مقابل ازدرائهم المرير. إنها الفرح في مواجهة عدميتهم. إنها بمثابة ’فيسبوك‘ مقارنة مع ’بي ريل‘.
يأتي الفرج بالنسبة إليها عندما تبدأ المجموعة بالتساقط مثل الذباب حتى لو كان ذلك فقط من أجل إزالة التوتر الهائل في المكان.
تتألق باكالوفا ضمن طاقم تمثيلي مليء بالنجوم الرائعين يضم ديفيدسون وريتشل سينوت (بطلة فيلم ’شيفا بيبي‘ Shiva Baby)، مايهالا هيرولد (بطلة مسلسل ’صناعة‘ Industry)، والممثل المحترف المشهور بطول قامته لي بيس. يشعر المشاهد بالإهانة شخصياً عندما تُطرد ’بي‘ من المنزل بعد الاشتباه في كونها القاتلة.
تقول "كان تعاطفي معها شديداً. في مرحلة ما من حياتنا نشعر جميعاً أن وجودنا غير مناسب في وسط ما، حتى لو كنا نريد الانتماء إلى مكان ما وأن نكون موضع تقدير. أعرف هذا الشعور. على كل حال أعتقد أن مشكلتها هي أنها تحاول أن تكون شخصاً مختلفاً. إنها تحتفظ بكل الأسرار وهو أمر لا ينبغي أن تفعله، لأنه لا فائدة من الأسرار".
منذ بدأت العمل في السينما الناطقة بالإنجليزية لعبت باكالوفا هذا النوع من الأدوار كثيراً، الغريبة التي تبدو مرهقة نوعاً ما. في فيلم ’الفقاعة‘ The Bubble الكوميدي للمخرج جاد أباتو عن وباء كورونا تلعب دور موظفة استقبال في فندق يستضيف جمهرة من كبار النجوم، وتقول الشخصية التي تؤديها في الفيلم "يبدو أن الحياة انبعثت في ملصقات الأفلام الخاصة بي"، وحتى في فيلم ’حراس المجرة الجزء الثالث‘ Guardians of the Galaxy Vol 3 الذي سيصدر العام المقبل تلعب شخصية مختلفة ضمن فريق من حيوانات الراكون والأشجار، فهي تؤدي صوتياً شخصية كلبة سوفياتية تم إرسالها إلى الفضاء، وتقول "أشعر أحياناً بأنني قادرة على رفع صوتي والتحدث بلا كلل، لكن في المقابل هناك أوقات أقول فيها لنفسي ’يا إلهي أنا محاطة بكثير من الأشخاص ذوي الخبرة‘. لذلك أجلس وأجبر نفسي على السكوت".
أقول إنها بالتأكيد تتمتع بدرجة من الجرأة ولا بد من أن تكون شجاعة إذا كانت قادرة على استعراض ملابسها الداخلية الملطخة بالدماء أمام الحضور في حفل راقص للطبقة المخملية، كما فعلت في أحد مشاهد فيلم ’بورات‘. تقول "كثير من الأشياء يخيفني لكن عندما يتعلق الأمر بالشخصية فهذه هي طريقي للهرب من الواقع، وهذا هو السبب في أنني صرت ممثلة. إذا لبست قناع شخصية ما فربما لن أكون خائفة وربما لن أكون خجولة".
وتضيف أنها مزيج من الصفات المختلفة، موضحة "قد أكون شجاعة اليوم وقد أبكي غداً، وفي اليوم الذي يليه قد أضحك على شيء غبي للغاية".
وبرغم الحديث عن "ولادة نجمة" المرافق للضجيج الذي أثاره دورها في ’بورات‘ إلا أن باكالوفا لم تصبح ممثلة على حين غرة عندما شاركت في الفيلم. ففي رصيدها بعض الأفلام البلغارية وكانت على وشك التخرج من الأكاديمية الوطنية للمسرح وفنون السينما في البلاد. مدفوعة بحبها لمخرجين دنماركيين مثل توماس فينتربيرغ (مخرج فيلمي ’الصيد‘The Hunt و ’جولة أخرى‘ Another Round) و لارس فون ترير، كانت لديها أيضاً خطة ثابتة لتصبح ممثلة، وتقول "كنت أفكر بأنني سأذهب مباشرة بمجرد تخرجي إلى الدنمارك. لا أعرف ما كنت سأفعله هناك أو كيف سأتعلم تلك اللغة لكنني فكرت بأنني سأقوم بذلك وحسب". شعرَت أنها ستضطر إلى العمل في إنتاجات أوروبية مشتركة لتثبت حضورها، وأملت في أن خوض غمار صناعة السينما الدنماركية سيقودها إلى مخرجين سينمائيين أوروبيين آخرين ثم أمريكيين، وتذكر عدداً من أسماء الذين تعتبرهم أبطالاً "سوزانا بيير وبيدرو ألمودوفار. يا إلهي، باولو سورينتينو. أندريا أرنولد، كان فيلم ’عسل أمريكي‘ American Honey أحد أفلامي المفضلة في فترة إصداره".
كانت هذه هي الفكرة على كل حال، وبدلاً من المشاركة في الأعمال الدرامية الأوروبية الثقيلة وجدت مكاناً لها لم يكن متوقعاً في الكوميديا الأمريكية. تقول "لم يكن بإمكاني أبداً أن أحلم بأشياء مثل العمل في ’بورات‘. نتحدث هنا عن هوليوود، إنها بعيدة جداً والوصول إليها مستحيل".
كانت موجودة في موقع تصوير ’الفقاعة‘ عندما عرفت أنها مرشحة لـ "أوسكار" أفضل ممثل في دور مساعد، وتقول متذكرة "عندما تكون في دائرة [الجوائز] تسمع الناس يقولون بشكل متكرر ’اليوم ستعلن أسماء المرشحين‘ لذلك تكون هذه الفكرة في ذهنك لا شعورياً، لكنها كانت بصراحة واحدة من أجمل اللحظات في حياتي وقد تم توثيقها".
نشر المقطع الذي يبلغها فيه المخرج جاد أباتو بترشحها لجائزة الـ "أوسكار" على الإنترنت وحصل على قرابة 100 ألف مشاهدة، ومن المؤكد أن باكالوفا لديها موهبة في الانتشار الواسع، ولحسن الحظ لا يتعلق الأمر هذه المرة باستمالة شخصية سياسية.
يعرض فيلم ’جثث في كل مكان‘ في صالات السينما حالياً.
نشرت اندبندنت هذا المقال في 14 سبتمبر 2022
© The Independent