تقليدياً، نحن ننظر إلى الرجال على أنهم يحبون المجازفة ومخالفة القواعد، وهذا ليس شكلاً من أشكال التنميط بين الجنسين، حيث توجد أدلة قوية تدعم هذا الرأي.
وعلى الرغم من ذلك، وفقاً لتقرير جديد صادر عن جامعة يورك، مولته "مؤسسة نافيلد" (Nuffield Foundation)، كانت نسبة النساء اللاتي خالفن قواعد الإغلاق خلال جائحة كورونا أعلى بمرتين من نسبة الرجال الذين فعلوا ذلك. وهو أمر يتعارض مع التفكير التقليدي [الآراء المسبقة].
وفي ذلك السياق، يشير المؤلفون إلى أن هذا الخروج عن أدوار الجنسين الراسخة، وانتهاك النساء قوانين الإغلاق التي تحظر الاجتماع مع الأصدقاء والعائلة في المنزل، كان بسبب مسؤوليات الرعاية التي تتحملها النساء في الغالب. وقد يكون التفسير وراء هذه النتيجة المدهشة هو أن فرض قيود قانونية قد أدى إلى تفاقم عدم المساواة بين الجنسين حول من يهتم بالأطفال أو غيرهم من الأشخاص المعالين.
لم يكن الجهل بالقواعد السبب وراء انتهاك هؤلاء النساء للقانون، بل ما يسميه المؤلفون "عدم الامتثال الإبداعي". في الواقع، أجبرت النساء على هذا الموقف رغماً عنهن، إذ كان عليهن اتخاذ قرارات عملية حول كيفية ضمان عدم معاناة أولئك الذين يعتنين بهم، وتقديم الدعم في وقت يشهد ضغوطاً شديدة. لقد كن يعملن، وغالباً ما كان هذا العمل غير مدفوع الأجر وبالتأكيد لم تعترف به الدولة.
وهذه النقطة الأخيرة وثيقة الصلة بالموضوع. فهي توضح أن الوزراء ومستشاري الحكومة لم يولوا أي اهتمام لأولئك الذين يقومون بأدوار رعاية غير مدفوعة الأجر عندما وضعوا قيود الطوارئ. من الواضح الآن أنهم عندما صاغوا القوانين المتعلقة بفيروس كورونا المصممة لحماية السكان على نطاق أوسع، لم يكن الدور الحاسم الذي كثيراً ما تلعبه النساء ولعبته منذ عقود راسخاً في وعيهم الجماعي.
في الحقيقة، ما كانت تفعله النساء عملياً هو تكوين فقاعات اجتماعية [مجموعة محددة من الأشخاص الذين يمكن الاحتكاك بهم أثناء الجائحة] قبل حظر مثل هذه الفقاعات رسمياً، وذلك من خلال الاستعانة بمساعدة الأجداد على سبيل المثال، أو الاجتماع مع الأمهات ومقدمي الرعاية الآخرين للحصول على الدعم. ووفق ما أسرت به النساء اللاتي خالفن القانون للباحثين، فهن يعتقدن أنهن التزمن "روح" [أو جوهر] قاعدة معينة. ولتبرير قراراتهن، استخدم بعض منهن قول بوريس جونسون الشهير حول السير على هدي "المنطق السليم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والجدير بالذكر أنه يجب النظر في تأثير القيود التشريعية على النساء في التحقيق الأوسع نطاقاً حول كورونا، خصوصاً إذا كان ينبغي تعلم دروس عن الطرق التي يؤثر فيها تقييد الحرية على النساء بشكل غير متناسب، فالنساء اللاتي كسرن قيود الإغلاق لم يكن سلوكهن جانحاً، بل وضعن في هذا الموقف لأن أولئك الذين صاغوا القوانين لم يفكروا فيهن إطلاقاً.
بيد أن النساء، تماماً مثل الرجال، حريصات إلى حد كبير على اتباع القواعد في وقت الأزمات الوطنية، والعمل بما يتماشى مع هذه النية الحسنة، بدلاً من معارضتها، هو معلومة مهمة يجب استخدامها في صنع السياسات في المستقبل، لقد تجلت هذه الظاهرة في وقت مبكر من الوباء، ويعتقد أنها فاجأت السياسيين ومسؤولي الصحة العامة.
ربما ينبغي ألا يصدمنا تهميش النساء خلال جائحة كورونا، لأن هذا يعكس بكل بساطة غياب المرأة وأدوارها واحتياجاتها في مجالات أخرى من السياسة. في تحليل لاستراتيجية مكافحة المخدرات التي انتهجتها الحكومة في عام 2010، بالكاد وجد الباحثون أي ذكر للنساء.
وعلى رغم وجود اختلاف بين الجنسين في موضوع تعاطي المخدرات، مع احتمال تعاطي الرجال هذه المواد بنسبة الضعف مقارنة مع النساء فينتهي بهم الأمر إلى الوقوع في مشكلات، فإن إناث كثيرات قد ينزلقن إلى الادمان على المخدرات وتزداد احتياجاتهن الصحية والاجتماعية. ونظراً إلى أن احتمال رعايتهن للأطفال أو غيرهم من الأشخاص المعالين هو أكبر، فمن المخيب للآمال أن هذا نادراً ما يترجم في سياسة المخدرات.
هذا مهم حقاً، إذ غالباً ما تفرض السياسة طريقة توزيع الموارد العامة النادرة وتخصيص التمويل. إذا كانت النساء غائبات أو على الأقل لا يظهرن بشكل بارز مثل الرجال في هذه المناقشات وفي وثيقة السياسة النهائية المتبعة، فينبغي ألا نتفاجأ من تجاهل احتياجاتهن على أرض الواقع.
يعد ضمان المساواة بين الجنسين أمراً مهماً في حد ذاته، ولكنه أيضاً منطقي من الناحية الاقتصادية. إذا فشلنا في النظر في احتياجات النساء وتلبيتها، فالتأثير المترتب لن يطالهن وحدهن، بل سيشعر به كل من تحت رعايتهن واهتمامهن وكل من يعتمد عليهن.
كما يوضح هذا التقرير الجديد، فإن النساء قادرات ومستعدات لاتخاذ قراراتهن، بغض النظر عن القانون، إذا كان ذلك [انتهاك القانون] يضمن حماية ورعاية صحة [ضمان رفاهية] أولئك الذين يعتنين بهم. أقل ما يجب أن نتوقعه من الحكومة والمسؤولين عن السياسة هو أن يأخذوا بعين الاعتبار احتياجات المرأة ووجهات نظرها، لكن لربما يكون هذا طموحاً بعيد المنال في عام 2022.
إيان هاميلتون محاضرة أقدم في الإدمان والصحة العقلية بجامعة يورك
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 12 سبتمبر 2022.
© The Independent