لم يكن فوز "ميّاس" في برنامج America’s Got Talent في موسمه الـ17، مجرد فوز في إطار فردي، فقد حملت الفرقة الراقصة حلم اللبنانيين جميعاً وحلّقت به عالياً بفوزها هذا، وذلك في الظروف الصعبة التي يعيشونها. زرعت الفرقة الأمل في قلوب اللبنانيين ووحدت أمانيهم حتى تحقق هذا الإنجاز العالمي للبنان بعد أسابيع عدة من الانتظار والترقب.
مع كل لوحة جديدة قدّمتها راقصات "ميّاس"، ومن ورائهن مدرّب الرقص نديم شرفان، خطفن قلوب اللبنانيين والعالم، وذلك من اللحظة الأولى التي شاركن فيها في البرنامج قبل شهرين. وكأن الفرقة تحدّت نفسها في كل مرّة قدّمت فيها عرضاً أكثر إبهاراً وأداء مميزاً واستثنائياً في البرنامج الأكثر شهرة في الولايات المتحدة والعالم، وصولاً إلى تحقيق الفوز ونيل الجائزة الذهبية أي مبلغ مليون دولار وفرصة العرض الخاص في لاس فيغاس، على أثر تصويت أكثرية جمهور البرنامج لها. وعلى أثر هذا النجاح منح رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون الفرقة وسام الاستحقاق المذهّب تقديراً لعطاءاتها الفنية ونجاحها هذا.
نجاحات متتالية وفوز عن جدارة
في مرحلة أولى، كانت الفرقة التي تضم 31 راقصة تتراوح أعمارهنّ بين 13 و25 سنة، قد حصلت على الباز الذهبي من الممثلة صوفيا فيرغارا في لجنة التحكيم، بعد أن أذهلها أداء الفرقة، كما أكدت مراراً. انتقلت عندها مباشرةً إلى المرحلة النصف النهائية ومنذ ذلك الوقت انطلقت حملة دعم لبنانية لها على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مع هاشتاغ "كرمالك يا لبنان".
بعد منافسة في المرحلة الأولى مع مواهب بلغ عددها الـ500، وصلت الفرقة إلى العرض النهائي حيث تنافست مع 10 مشاركين. وقد سارت بخطى واثقة نحو اللقب وبعد أداء استثنائي فازت به، بدعم من الجمهور حيث حصلت على أكبر عدد من الأصوات في نهائي AGT 2022، فكانت هذه بارقة أمل في حياة اللبنانيين القاتمة في هذه المرحلة عندما رفعت اسم لبنان عالياً. خلال البرنامج قدمت الفرقة 3 عروض مبهرة أثنى عليها أعضاء لجنة التحكيم بالإجماع ونالت إعجابهم حتى وصفوها بالأفضل منذ 17 عاماً. كما عبّر مقدم البرامج البريطاني سايمون كويل، الذي يُعرف بتعليقاته الصارمة، عن إعجابه بالعرض الثاني للفرقة بالقول إن عرض "ميّاس" هو أكبر من البرنامج وقد اعتبره أجمل العروض التي رآها في البرنامج.
وكان مصمم الرقص ومؤسس الفرقة نديم شرفان الذي عشق الرقص منذ الطفولة وأبدع فيه، قد أسّسها في عام 2013، إلا أن أولى خطواتها نحو العالمية كانت في عام 2019. وقد أطلق عليها هذا الإسم الذي يعكس كل ما تمثّله الفرقة من معاني الأنوثة وقوام المرأة الممشوق الذي يتمايل. فازت الفرقة بالنسخة العربية من البرنامج Arab’s Got Talent في عام 2019 وقدمت حينها عروضاً خطفت الأنفاس حتى نالت الجائزة الكبرى، هي عبارة عن 50 ألف دولار أميركي.
بعدها عادت وشاركت في النسخة البريطانية من البرنامج Britain’s Got Talent، فيما أطلت أخيراً في النسخة الأميركية منه بعروض أبهرت العالم ونالت اللقب عن جدارة، بعد منافسة مع الأسترالية كريستي سيلارز التي قدّمت أيضاً عروضاً راقصة مميزة خلال ظهورها في برنامج المواهب الأشهر.
فولكلور بمزيج شرقي-آسيوي
طوال السنوات الماضية ركزت الفرقة على الفولكلور بشكل أساسي وقد عرفت بهذا الستايل من الرقص الذي يمزج بين الفولكلور الشرقي والفولكلور الآسيوي وحققت نجاحات حول العالم في هذا المجال، وإن كانت تقدم مختلف أنواع اللوحات الراقصة أيضاً. كانت الفرقة تعتمد على مزيج بين رقص بوليوود الهندي والرقص الشرقي، فيما قدمت في العرض الأول لها في برنامج America’s Got Talent لوحة مستوحاة من الفولكلور الصيني.
وقد وعد شرفان في مرحلة سابقة بمفاجآت كثيرة مبهرة في العروض المباشرة في البرنامج وقد صدق في ذلك، حيث قدم بعدها عرضين أكثر روعة بعد وقد حفظ فيهما على طابع شرقي لاعتباره جزءاً من هوية الفرقة اللبنانية. بالنسبة إلى شرفان الذي يتحرق شوقاً للعودة إلى لبنان للاحتفال مع اللبنانيين عامةً ومع أبناء بلدته بشكل خاص، لا يضاهي أي تقدير في العالم ما قد يلقاه من تقدير في بلاده. وقد اعتبر أنه بفضل تقدير اللبنانيين شعرت الفرقة بأنها قد حصلت على الباز الذهبي مرة ثانية. هذا الإنجاز الذي حققته الفرقة يؤكد فعلاً أن الإبداع يولد من الحزن والمصاعب. علماً أن شرفان لم يفكر يوماً بمغادرة لبنان لتعلّقه الشديد بوطنه وقد استطاع أن يحقق النجاحات المتتالية في الخارج رافعاً اسم لبنان معه من دون أن يغادر بلاده.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يرى المشاهد عادةً اللوحة الراقصة التي تقدّمها الفرقة في حلّتها النهائية فيشهد على معدل عال من الإبهار خلال دقيقتين فقط، إلا أنه قد لا يدرك الكم الهائل من الجهود التي تُبذل في التدريب وصولاً إلى مرحلة تقديم اللوحة بأدق التفاصيل التي فيها بدءاً من الموسيقى إلى الماكياج والأزياء والرقص لتكون متكاملة كما تبدو لمن يشاهدها. فيسبق كل لوحة تدريب يومي مرهق طوال ساعات، خصوصاً عندما يكون الهدف تقديم عروض من هذا النوع، حيث تقف كل من الراقصات في صف طوال أربع ساعات في التدريب وهي تنظر إلى رأس الراقصة التي أمامها فقط. يحتاج ذلك إلى نسبة عالية من التركيز والثبات، إلى جانب الليونة.
وقد يبدو لمن يشاهد العرض أن المسؤولية الكبرى تقع على الراقصة التي تقف في المقدمة. في الواقع، صحيح أنه ثمة مسؤولية كبرى تقع على عاتقها، لكن تعتمد اللوحة على كل راقصة من دون استثناء وأي خلل أو خطأ لأي منهن تكشفه العين سريعاً ويؤدي إلى فقدان التوازن كاملاً. فتقع المسؤولية على كل فرد في الفرقة لتقديم أداء كامل ومتكامل. لذلك، في كل عرض للفرقة يعمل كلّ من أفرادها على تقديم أفضل، وإن كانت تسبقه مشاعر متداخلة تجمع ما بين الخوف والقلق من رهبة المسرح من جهة والاندفاع لتحقيق النجاح من جهة أخرى.
لكن إذا كانت الفرقة قد أبدعت مراراً في هذه العروض المبهرة التي قدمتها، السؤال الذي يُطرح هنا هو ما إذا كانت ستنجح في تجنب الوقوع في فخ التكرار، خصوصاً أن النجاحات التي حققتها وأبرزت فيها مواهبها كانت بشكل خاص ضمن برامج المواهب هذه. يؤكد شرفان أن إبداع الفنان لا يعرف عوائق ولا حدود، لكن تلقى اليوم على عاتقه مسؤولية كبرى بعد هذا الإنجاز العالمي الذي حققه ليحافظ على هذا المستوى من الإبهار مع الاستمرار بالتجدد والإبداع في عروض مقبلة أكثر تنوّعاً يقدمها خارج إطار برامج المواهب.