باتت حفلات الزفاق الجماعي تثير الاهتمام في الجزائر بعد أن انتشرت بشكل لافت وتضاعف الإقبال على هذا النوع من الزفاف من مختلف المناطق والمستويات المعيشية، وهي الظاهرة التي ارتبطت بجنوب البلاد، وبالفئات الهشة للتخفيف من الأعباء ومواجهة العنوسة والعزوبية.
جاء العرس الجماعي لـ45 شاباً بمدينة "متليلي" بمحافظة غرداية جنوب البلاد، وقبله في مناطق مختلفة بين الشمال والصحراء، ليؤكد استمرار صعوبة اتخاذ قرار الزواج في ظل الأسعار المرتفعة من مهر وذهب وألبسة وحلويات وقاعات وغيرها مما يتطلبه حفل "الرباط المقدس".
تخفيف الضغوط المادية
تقول أستاذة علم الاجتماع نبيلة واسطي لـ"اندبندنت عربية"، "مثل هذه المبادرات تسهم في تخفيف الضغوط المادية التي تواجه الشباب وتمنعه من تحضيرات الزفاف، بل وتجعله يفر من الزواج". وأوضحت أن الحفلات الجماعية باتت خطوة مهمة لمواجهة العنوسة والعزوبية، مشيرة إلى أنها تبرز مدى قوة الترابط الاجتماعي بين الجزائريين، وتجعل من المناسبة نقطة التقاء مختلف المستويات من مناطق متنوعة، ما يزيد من توسع دائرة المعارف وتماسك العائلات.
تضيف واسطي، أن "ارتفاع تكلفة حفلات الزواج يتطلب تضافر أفراد المجتمع لتغيير بعض العادات من أجل تسهيل الأمور، ولعل الأعراس الجماعية فكرة يجب أن يتقبلها الجميع، وأن يتم تعميمها عبر مختلف مناطق البلاد، مقترحة تدخل السلطات لتبني المبادرة وتنظيم عدد من حفلات الزفاف الجماعي بشكل دوري وليس في المناسبات فقط، تكون مدعمة وممولة من طرف الحكومة، تضاف إلى الأعراس الجماعية التي تشرف عليها الجمعيات الخيرية".
توسع الظاهرة بشروط
سبق لوزارة التضامن والأسرة وقضايا المرأة أن دعت إلى تعميم المبادرات الخيرية التي تساعد الشباب على دخولهم مؤسسة الزواج والترويج إلى تنظيمها عبر مختلف المحافظات. وشددت على أن العمل التضامني غير مقتصر على الوزارة وحدها أو المؤسسات العمومية، وإنما هو واجب على كل جمعية خيرية أو محسن قادر على مساعدة الأشخاص المعوزين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين كان الزواج الجماعي مرتبطاً بالمناطق الداخلية وجنوب البلاد ويستهدف الفئات الهشة توسعت الظاهرة لتشمل كل الجهات ومختلف المستويات المعيشية، وهو ما أشار إليه رئيس الجمعية الخيرية "الملتقى" أنس سلامي حين أوضح لنا أن "الأعراس الجماعية لم تعد اليوم تقتصر فقط على العائلات البسيطة ومحدودة الدخل أو الفقيرة بل أصبحت تفضلها كذلك نظيرتها الميسورة لبعدها الاجتماعي والديني وكذلك الثقافي، حيث تعد واحدة من وسائل مواجهة العنوسة وتأخر الزواج لدى الشباب والفتيات"، مؤكداً أن "نجاح هذه الأعراس الجماعية يكتسب بعداً آخر حيث يلعب دوراً مهماً في تحقيق التماسك الاجتماعي وتكريس قيم التضامن بين الأسر والعائلات المتصاهرة".
وبحسب سلامي، فإن "الأولوية في قبول طلبات الشباب تمنح لمن أودعوا ملفات للاستفادة من المساعدات المادية بهدف الزواج، وتجاوزوا الـ30 عاماً، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضعية الاجتماعية والمادية لكل حالة، حيث يتم الحرص على أن يكون للشاب المقبل على الزواج عمل أو مورد رزق أو وظيفة بما يضمن قدرته على تحمل أعباء المعيشة وتأمين مصاريف بيته وأسرته في المستقبل".
المرأة أيضاً ترفض الارتباط
من جانبها، أبرزت المستشارة الأسرية رشيدة قادري أن "عزوف الشباب عن الزواج يرجع إلى عدة أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية، أهمها وأولها غلاء المعيشة والمهور الذي يجعل الشباب يتخوف من عدم قدرتهم على تلبية متطلبات الحياة الزوجية"، مضيفة أن "كثيراً من الأولياء وبسبب عجزهم عن تجهيز ابنتهم (العروسة)، يطالبون الزوج بكل شيء من المنزل إلى تجهيزه وتأثيثه وكل متطلبات الحياة، لذلك يفضل الشباب العزوبية على الدخول في متاهة مصاريف قائمتها لا تنتهي"، وأردفت أن "ظاهرة العزوف لا تمس الرجل فقط وليست مرتبطة بغلاء المعيشة دائماً، بل المرأة أيضاً باتت ترفض الارتباط نظراً إلى تمتعها بالاستقلالية المادية واكتفائها بما حققته من نجاحات على المستوى الشخصي والمهني، بل ترى الرجل في بعض الأحيان عبئاً كبيراً عليها ومنغصاً ليومياتها".
هكذا يتم تنظيم زفاف جماعي
تنظيم زفاف جماعي ليس بالأمر الهين، فالتحضيرات تستغرق أشهراً عديدة حيث يتم جمع التبرعات والمساعدات والهبات المالية منها والمادية من مستلزمات المنزل وضرورات العرسان، ثم تنظم دورات وتدريبات لفائدة العرسان الجدد يشرف عليها أساتذة ومرشدون ومشايخ من داخل وخارج المحافظة إضافة إلى متخصصين نفسيين، حيث يتم تسليط الضوء على أدوار الزوجين وحقوق وواجبات كل منهما في تحقيق التماسك الاجتماعي من جهة والأسري من أخرى.
وخلال يوم العرس تبدأ الاستعراضات الفولكلورية خارج قاعة الحفلات ثم يدخل العرسان مثنى مثنى أمام الحضور الذين يكون عددهم كبيراً جداً بالنظر لخصوصية الموعد وأهميته تضامنياً وإنسانياً، وبعد تناول الحلويات التقليدية منها والعصرية والشاي وأخذ الصور يأتي الدور على مأدبة العشاء التي تتكون أساساً من طبق "الكسكسي"، لينتهي الحفل على مغادرة كل زوج نحو وجهته، فيما يواصل المدعوون سهرتهم في منازلهم.