يعيش الحراك الشعبي في الجزائر حالة غليان جراء "التحول المفاجئ" للمؤسسة العسكرية، في تعاطيها مع الوضع العام قي البلاد. فبعد التشديد والتضييق الأمني اللذين باتا سمة كل جمعة، واعتقال متظاهرين وإيداعهم السجن بسبب رفعهم رايات، أتى الدور على لخضر بورقعة، الذي سجن مؤقتاً بعد تهكمه على الجيش، ما خلق مشهداً مقلقاً للطبقة السياسية والحقوقية، بخاصة أن قائد الأركان تعهد في مرات عدة بحماية الحراك ومرافقته والاستجابة لمطالب الشعب.
اعتقالات شعبية وتاريخية... وتخوفات
طرح "تغيير" قيادة الأركان سياستها المسالمة منذ بداية الحراك في 22 فبراير (شباط) الماضي، نحو التضييق عبر الاعتقالات وتكثيف المظاهر الأمنية خلال المسيرات، تساؤلات حول أسباب التحول وأهدافه، بخاصة بعد اعتقال متظاهرين وإيداعهم السجن بسبب رفعهم رايات (دعا قائد الأركان قايد صالح في آخر خطاباته إلى عدم إظهار أي راية غير العلم الجزائري)، لتتطور الأمور إلى اعتقال لخضر بورقعة، الشخصية التاريخية التي أثارت الجدل بعد "اتهامات بالخيانة وانتحال الصفة" كالها "النظام المؤقت" للرجل.
يقول الناشط السياسي عدة فلاحي، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، إنه في الأمس القريب كانت بعض الشخصيات تشير إلى عدم وجود أي مؤسسة من مؤسسات الدولة تقوم بواجبها بما فيها الرئاسة سوى المؤسسة العسكرية، ومن ثم تغيرت التصريحات والمواقف إلى النقيض، ما يبعث على الحيرة والقلق. ويتساءل "هل قدرنا أن نتبع هؤلاء في كل ما يقولون ونتحول حينما يتحولون، فنكون رهينة تقييمهم الأوضاع والمشهد السياسي؟". ويوضح "كنت صريحاً منذ شهر رمضان لدرجة مستفزة، حين عبّرت عن خشيتي من أن يتحوّل الحراك إلى إله يعبد، هو حرّرنا، لكنه قد يستعبدنا ويدمرنا"، مضيفاً "أظن أن المواقف والخطب المستفزة ضد المؤسسة العسكرية وغير المسؤولة هي التي زادت حدّة الإجراءات الأمنية".
انضباط وليس تضييقاً
في المقابل، يرى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي علي شمام، أن ما يحدث ليس تضييقاً، بل انضباط، ويقول في حديث إلى "اندبندنت عربية"، إنه على خلاف الجمعات السابقة، عرفت مسيرات الـ 19، طوقاً أمنياً مشدداً بعد تصريحات قايد صالح، التي توعد فيها بمعاقبة كل من يحمل راية غير العلم الجزائري، وهو ما كان، حيث أوقف 16 شخصاً في انتظار محاكمتهم، مشيراً إلى أن هذه الاعتقالات أثارت سخط كثيرين ممن لا يثقون بما تقوم به المؤسسة العسكرية، إذ يعتبرون أن حرية الرأي تسمح بحمل رايات أخرى في مسيرات الحراك.
لماذا تغيّر سلوك "النظام المؤقت"؟ سؤال باتت تطرحه فئات واسعة من الشعب، بشكل يشكك في نوايا قيادة الأركان، ويعبّر عن مخاوف من شخصيات في هذا النظام لها علاقة بـ "العصابة". ويرى عدة فلاحي، أن المستقبل غامض، و"أخشى حدوث ما عبّر عنه المفكر السوري برهان غليون، في كتابه الأخير، عطب الذات، حين قال إن المعارضة تعاملت مع الثورة السورية لإسقاط نظام الأسد كالفئران التي تتسابق على قطعة الجبن"، متسائلاً "هل يمكن أن ينزلق الحراك والطبقة السياسية والمجتمع المدني في هذا المنزلق؟".
لا مساس بالجيش والوحدة الوطنية
أودعت محكمة في العاصمة الجزائرية لخضر بورقعة، السجن المؤقت، بعد أن اتهمه قاضي التحقيق بالإسهام في وقت السلم بإضعاف الروح المعنوية للجيش، والإضرار بالدفاع الوطني من طريق إهانة هيئة نظامية، بعد تصريحات جاء فيها أن "الجيش ليس سليل جيش التحرير"، وأن قايد صالح، "كان منذ عام 2004 بمثابة محافظ سياسي لدى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة"، وتابع أن قائد الجيش "كان يمجّد بوتفليقة واليوم يتهم الشارع بأن جهات خارجية تحركه"، مؤكداً أن نظام الحكم لم يكن أبداً شرعياً.
وتداولت وسائل إعلام حكومية معلومات تشكّك في الماضي النضالي للخضر بورقعة، ومنها أنه "كان يحارب في صفوف الجيش الفرنسي بين عامي 1954 و1956، وعاد إلى أرض الوطن أثناء العطلة ليلتحق بالثورة"، وأن "اسمه الحقيقي أحمد بورقعة، واشتهر بنضاله في صفوف بعض الأحزاب السياسية المعروفة بمواقفها المتذبذبة والمتغيرة، بخاصة في القضايا المصيرية للوطن وهو من الأشخاص الذين حقّقوا بعض المكاسب الشخصية المادية بحسب المواقف".
ويوضح الإعلامي شمام، أن الاعتقالات تضمّنت الشخصية التاريخية لخضر بورقعة، ما أثار الكثير من التساؤلات بخاصة لدى السياسيين والإعلاميين المقربين منه، مضيفاً أن سبب اعتقاله تصريحات خطيرة وصف فيها الجيش بالميليشيات، وهو تجاوز خطير على مؤسسة دستورية. وخلص إلى أن الخطاب الأخير لقائد الأركان وما جاء بعده، رسالة للجميع بأن الجيش خط أحمر، ولا تسامح مع من يهدّد الوحدة الوطنية بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك رفع رايات غير الراية الجزائرية، أو إطلاق تصريحات ضد المؤسسة العسكرية.