خلال قمة العشرين التي اختتمت أعمالها السبت الماضي، تناول الرئيس الصيني شي جين بينغ، في لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، التوتر الحالي في منطقة الخليج، قائلا إن الوضع فيها "حسّاس للغاية"، وأكد أن بلاده "تقف دائما إلى جانب السلام وترفض الحرب". في المقابل أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن تقديره لدعم الصين للمنظمة الأممية عبر إسهاماتها المهمة في تعزيز التنمية المستدامة، ومبادرة (الحزام والطريق) المهمة في تعزيز التنمية العالمية، بخاصة بالنسبة إلى أفريقيا. هذه المحادثة التي أجريت بين جين بينغ وغوتيرش تظهر حدود، أو بالأحرى، طبيعة الدور الذي تلعبه بكين في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
"الحزام والطريق"
من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، تبرز الصين كقوة رائدة في الشرق الأوسط عبر مشروعات البنية التحتية التي تستثمر الشركات الصينية فيها عشرات مليارات الدولارات، فضلا عن عمليات الاستحواذ وغيرها من الأعمال في بلدان المنطقة، إذ تشكل المنطقة أهمية اقتصادية خاصة لتلك المبادرة التي تنطوي على إنفاق 1 تريليون دولار في مساعدات البناء والاستثمارات في أكثر من 100 دولة عبر آسيا الوسطى وأفريقيا وأوروبا.
وبموجب المبادرة أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر للجامعة العربية وإيران وشريكا رئيسا لإسرائيل. يجمع المشروع بين الحزام الاقتصادي بطريق الحرير البري، والطريق البحري الذي يربط الصين بأوروبا عبر جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى والشرق الأوسط،، وهو يغطى 70 % من السكان في العالم، و75 % من احتياطيات الطاقة المعروفة.
وعلى الرغم من تلك الأهمية الاقتصادية الضخمة للشرق الأوسط بالنسبة إلى الصين، يظل الحزب الشيوعي الحاكم بعيدا عن التورط عسكريا في هذه المنطقة، كما أن التمثيل الدبلوماسي في التوسط لحل النزاعات والصراعات حتى بين حلفائها في المنطقة يظل ضئيلا للغاية ورمزيا، فعلى الرغم من إرسالها مبعوثين خاصين لسوريا، وللصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ولقضايا أخرى لضمان مكان لها على الطاولة الدبلوماسية، ظلت هذه المشاركة محدودة ومن دون أثر يذكر. هذا التوجه من قبل بكين يطرح عدة تساؤلات بشأن إلى أي مدى يمكن للصين أن تسير على هذا النهج، وعما إذا كان التمكين الاقتصادي سيؤول فيما بعد إلى تدخلات أكبر؟
التنين الحذر
يقول إهود يعاري، الزميل لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن الصين تقيس نفوذها في الشرق الأوسط ووجودها فيه بشكل أساسي من حيث تأمين إمدادات الطاقة، والعلاقات والمنافع التجارية. وتشعر بكين بالارتياح مع سياستها الراهنة المتمثّلة في تجنب الانخراط السياسي في الخلافات العديدة في المنطقة، ويتم فوراً رفض أي تصريحات منفصلة تتعارض مع هذا الموقف، مثل ادعاء أحد السفراء عام 2018 أن حكومته ستنظر في مساعدة النظام السوري على محاربة "الثوار" في إدلب.
كذلك، تحرص الصين على تفادي الانحياز إلى أي طرف في المواجهة "الإيرانية- السعودية" أو الخلافات بين العرب، وتفضّل التعاطي مع "جامعة الدول العربية" كملجئها الأساسي للحوار. ويشمل ذلك الدعم المتواصل لمواقف "الجامعة العربية" حول النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. فإحدى عادات الصين للتصويت في "الأمم المتحدة" هي دعم جميع القرارات المعادية لإسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتصف دراسة بعنوان "الصين في الشرق الأوسط: التنين الحذر"، صادرة عن مؤسس "راند" للأبحاث، بكين بأنها "تنين حذر جدا يخشى التورط في نزاعات الشرق الأوسط أو التقرب كثيرا من أي بلد في المنطقة". وتقول إن الصين رفضت تقديم سياسة أو استراتيجية مفصلة وعلنية للشرق الأوسط خوفا من إغضاب دولة أو أكثر في المنطقة. بل تسير ضمن نهجها الذي يركز على توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية، وتحديدا علاقات التجارة وتحسين النقل. وبالفعل من خلال العودة إلى طرق التجارة البرية التي تعود إلى قرون مضت، فيما يعرف بـ"طريق الحرير"، عزز القادة الصينيون رؤية تنموية اقتصادية مشتركة وفائدة متبادلة عبر البر والبحر.
تدخلات سابقة
بين الحين والآخر، تتخلى الصين عن حذرها الشديد بشأن التدخل في المنطقة. ففي عام 2008، أرسلت بكين ثلاث سفن بحرية للمشاركة في عمليات مكافحة القرصنة المتعددة الأطراف في خليج عدن، واستمر هذا الوجود الأمني خلال الحرب الليبية عام 2011 عندما أرسلت وحدات جوية وبحرية تابعة لجيش التحرير الشعبي لتحرير 35000 مواطن صيني مقيمين في ليبيا، فضلا عن إسهامها بـ 700 من قوات حفظ السلام في قوة الأمم المتحدة في السودان بحلول نهاية عام 2012.
ومع ذلك، يقول نيكولاس ليال، الباحث في الشأن الصيني، إنه في الوقت الذي ازدادت فيه مشاركة الصين الأمنية في هذه الفترة، فإن هذا لم يمثل خروجاً عن تأكيد مؤسسها "ماو تسي تونغ" بأن ارتباط الصين بمنطقة الشرق الأوسط كان مدفوعاً بمصالح الأمن القومي، وليس بسبب رغبة أيديولوجية في التدخل في مشاكل المنطقة الضخمة، ومع نمو الوجود الصيني المتصل بالطاقة، أصبح أمن المنطقة ذا أهمية متزايدة، إذ إن الطاقة باتت ركيزة أساسية للأمن القومي الصيني.
نموذج الصين للقيادة العالمية
ويتوقع ليال أن ينمو الوجود السياسي والأمني للصين في الشرق الأوسط، إذ إن "هذه المشاركة تحركها المصالح الاقتصادية. ومثل هذا الارتباط من بكين، إلى جانب الجهود الرامية إلى تقويض مسلحي "الإيغور" المنضمين إلى داعش في الشرق الأوسط، من المرجح أن يمتد إلى الحد الأدنى الضروري لحماية الاستثمارات الصينية وتسهيلها. لذلك، فمع استمرار نمو القيادة الصينية في الشرق الأوسط ستتطلع إلى إدارة التوقعات الإقليمية المتزايدة عليها لاستثمار بعض الجهود السياسية من خلال اتباع نهج الوساطة فيما يتعلق بقضايا مثل إسرائيل- فلسطين والتنافس في منطقة الخليج لتلبية التزامات دورها كقوة مسؤولة. ومن ثم يمكن للشرق الأوسط أن يكون مكاناً رئيساً لإعلان نموذج الصين للقيادة العالمية".
وبينما يتوقع "يعاري" أن تواصل الصين الخطو بحذر في الشرق الأوسط، والحفاظ على ملف دبلوماسي منخفض وتجنب البصمة العسكرية مع السعي بشدة وراء الفرص التجارية، لا سيّما في مشاريع البنى التحتية المتعلقة بـ"رؤية السعودية 2030" وقطاع الطاقة، فإنه يشير إلى أن المنطقة ربما تجذب تدخلاً سياسياً وعسكرياً جاداً من الصين بعد أن تنضج المشاريع الكبرى لـ"مبادرة الحزام والطريق" في باكستان وآسيا الوسطى.