تتجه أنظار أسواق النفط العالمية صوب القرارات التي سيتخذها تحالف "أوبك+" خلال اجتماعه الأربعاء، الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وسط ترقب لتحركات التحالف في ظل تدهور أسعار النفط. وينعقد الاجتماع حضورياً في فيينا وهو الأول منذ مارس (آذار) 2020، على خلفية تقلبات شديدة في السوق النفطية منذ أشهر. وقال مندوبو منظمة "أوبك" إن جميع البلدان قد لا تتمكن من إرسال ممثلين بسبب ضيق الوقت.
وكان التحالف يجتمع عبر الإنترنت على أساس شهري، ولم يكن من المتوقع أن يرتب اجتماعاً بحضور المندوبين على الأقل حتى نهاية 2022. ويأتي ذلك بعد أن اتفق التحالف الذي يضم 23 دولة بقيادة الرياض في اجتماعه الأخير على "خفض رمزي" للإنتاج بمقدار 100 ألف برميل فقط يومياً لشهر أكتوبر، من أجل تحقيق الاستقرار في أسواق النفط على رغم دعوات الدول المستهلكة إلى المساعدة في ترويض التضخم المتفشي من طريق استمرار الضخ، لكن "أوبك+" تنتج بالفعل أقل من المستهدف بكثير، مما يعني أن أي خفض إضافي لن يكون له تأثير كبير في الإمدادات. وأظهرت بيانات أوردتها وكالة "رويترز" أن منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفاءها لم تصل إلى هدف إنتاجها بفارق 3.58 مليون برميل يومياً خلال أغسطس (آب)، وهو عجز أكبر مما كان عليه في يوليو (تموز).وعزز تحالف "أوبك+" إنتاجه خلال العام الحالي إلى جانب إنهاء الخفوضات المقررة عام 2020، بعدما أدت جائحة كورونا إلى تراجع الطلب.
ضغوط المستهلكين
ومع ذلك لم يتمكن "أوبك+" من تحقيق زيادات الإنتاج المخطط لها خلال الأشهر الماضية بسبب نقص الاستثمار في حقول النفط التابعة لبعض الأعضاء وخسائر الإنتاج الروسي. ورفض تحالف "أوبك+" زيادة الإنتاج لخفض أسعار النفط على رغم استمرار ضغوط كبار المستهلكين، ومن بينهم الولايات المتحدة لمساعدة الاقتصاد العالمي. وانزلقت أسعار النفط خلال الأسبوع الأخير إلى أدنى مستوى منذ بداية العام تقريباً مع ارتفاع المخاوف من الركود الاقتصادي المحتمل، بسبب سياسة التشديد النقدي التي تجوب أرجاء العالم لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة. ومع ذلك انخفضت الأسعار بشدة هذا الشهر لمخاوف في شأن الاقتصاد العالمي وارتفاع الدولار بعد أن رفعت مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة. وسجلت أسعار النفط أول خسارة ربع سنوية له منذ أكثر من عامين، بسبب القلق من أن استهلاك الطاقة سينخفض حتى مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، كما قد يدفع الركود منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها إلى التفكير في تقليص الإمدادات لوقف الانهيار. وحقق "خام برنت" خسائر شهرية وفصلية بنحو 8.8 و23.4 في المئة على التوالي، فيما سجل الخام الأميركي تراجعاً بنحو 11.2 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) و24.8 في المئة في الربع الثالث من 2022.
الضغط على الأسعار
وتشير توقعات المحللين في تصريحات لـ "اندبندنت عربية" إلى أن احتمالات خفض إنتاج النفط لشهر نوفمبر (تشرين الأول) المقبل تظل السيناريو الأكثر ترجحياً خلال اجتماع تحالف "أوبك+" المقبل في ظل مواصلة الاقتصاد العالمي الهش الضغط على أسعار الخام. وبحسب وكالة "بلومبيرغ" نقلاً عن أحد المندوبين في "أوبك+"، بدأ التحالف بالفعل مناقشات في شأن خفض إنتاج النفط، مضيفة أن حجم الخفض المحتمل للإمدادات لا يزال قيد الدراسة.
مقترح روسي
ومن المرجح أن تقترح روسيا خفض تحالف "أوبك+" الإنتاج بنحو مليون برميل يومياً في الاجتماع المقبل. ويرى مراقبو السوق مثل "يو بي إس غروب" و "جيه بي مورغان" إن "أوبك+" قد يحتاج إلى إقرار خفض لا يقل عن 500 ألف برميل يومياً لوقف انخفاض أسعار النفط. وتوقع جميع المتداولين والمحللين الـ 16 في استطلاع أجرته "بلومبيرغ" باستثناء واحد منهم، أن التحالف سيقر خفض الإمدادات.
اتجاه هبوطي
وبحسب تقرير حديث صادر عن بنك "يو بي إس" السويسري، فإن عدم تدخل التحالف أو اتخاذ إجراءات لسحب البراميل من السوق سيزيد الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط. ويرى محللون في بنك "يو بي إس" السويسري أن تحالف "أوبك+" قد يعلن خفض الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً على الأقل خلال الأيام المقبلة، للتصدي إلى القلق السائد في شأن الطلب على النفط والزخم السلبي للأسعار ووضع أرضية سعرية. وأضاف التقرير أن الأسعار قد تظل منخفضة على المدى القريب بسبب الاتجاه السائد لتجنب المجازفة وقوة الدولار الأميركي وحال عدم اليقين في السوق، لافتاً إلى أنه نظراً إلى أن العديد من دول "أوبك+" تنتج أقل من حصتها، فمن المتوقع أن يكون أي خفض فعال أقل من الأهداف المتفق عليها وقالت كبيرة استراتيجيي السلع في "آر بي إس كابيتال ماركتس" هليمة كروفت لوكالة "بلومبيرغ"، إن التحالف قد يختار خفضاً بمقدار ضعف المتوقع بمقدار 500 ألف برميل، مضيفة "باعتقادي أنهم لن يلتقوا الوزراء شخصياً للقيام بخطوة بسيطة".
مراقبة الأسواق
وفي السياق ذاته قال وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار إن منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفاءها (أوبك) و"أوبك+" تراقبان أسعار النفط، مضيفاً في مقابلة مع وسائل إعلام محلية "نريد تحقيق التوازن فيها ولا نريد أية زيادة حادة في الأسعار، وهناك عوامل عالمية أدت إلى انخفاض أسعار النفط خلال الآونة الأخيرة، من أهمها تراجع معدلات التنمية وارتفاع التضخم".
وأكد عبدالجبار أن المنظمة تسعى إلى تحقيق التوازن في أسواق النفط ولا تريد أية زيادة أو انهيار في الأسعار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بدوره قال المحلل النفطي الكويتي كامل الحرمي إنه من المرجح أن يكون هناك خفض جديد في الإمدادات من جانب تحالف "أوبك+" بهدف إعادة تنظيم الأسواق الفعلية والورقية التي يبدو أنها منفصلة. وأشار الحرمي إلى أنه إذا تم الاتفاق على خفوضات في الإنتاج بين أعضاء "أوبك+"، فسيلزم أن تكون أكبر قليلاً من الخفض السابق ليكون لها تأثير ملموس بما يقل عن 200 ألف برميل يومياً، ولكن من دون مفاجأة الأسواق بخفض كبير، موضحاً أن منظمة "أوبك" لم تنتج أكثر من مليون برميل من كل من نيجيريا وأنغولا والعراق، في حين أن "أوبك+" تنتج من روسيا وماليزيا وكازاخستان أكثر من مليوني برميل يومياً. وأرجع الحرمي تراجع أسعار الخام إلى تزايد المخاوف من أن الركود سيؤدي إلى ضعف الطلب ومن توافر مزيد من الإمدادات في سوق النفط.
فرصة كبيرة
وفي هذا الصدد قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي إن "هناك بالتأكيد فرصة كبيرة كي يقر تحالف ’أوبك+‘ خفضاً كبيراً لمستويات إنتاج شهر نوفمبر المقبل مقارنة بالشهر السابق عليه"، لافتاً إلى أن الخفض قد يصل إلى نصف مليون برميل يومياً على الأقل، وذلك في ظل سياسية "أوبك" التي تأخذ القرارات بهدوء بعيداً من الأخطار المرتفعة. وأضاف الرفاعي أن أزمة الطاقة الحالية بسبب الأزمة الروسية - الأوكرانية إلى جانب سياسة رفع أسعار الفائدة للسيطرة على معدلات التضخم والتباطؤ في الاقتصاد العالمي، قد تؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط. وأوضح الرفاعي أن الهدف الأساس من خفض الإنتاج هو التوازن في السوق النفطية وبين العرض والطلب، لافتاً إلى أن توسيع الحرب الروسية - الأوكرانية سيسهم في زيادة أسعار الخام، وبخلاف ذلك ستستمر في المسار الهبوطي حتى إذا خفض "أوبك+" الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل في الاجتماع المقبل.
بطء الإمدادات النفطية
من جهته أفاد المحلل النفطي الكويتي خالد بودي بأنه من المحتمل ألا يسعى "أوبك+" إلى خفض الإنتاج في ظل أوضاع سياسية معقدة، ومع بطء وتراجع الإمدادات النفطية من روسيا إلى أوروبا. وأضاف بودي، "لذلك قد يرى التحالف أفضلية الاستمرار في مراقبة الأوضاع من دون تغيير يذكر في مستويات الإنتاج، بخاصة وأن تراجع أسعار النفط هو غالباً موقت، ومن المتوقع أن تعود الأسعار لمستوى 100 دولار للبرميل في ظل التوترات الحالية".