"موسيقى الأم الحاكمة"، هكذا عرفت المغنية بيورك ألبومها الذي أطلقته في وقت سابق هذا الشهر. وبدا حينها أن المغنية الأيسلندية الشغوفة بالتجريب تطلق ألبومها العاشر الذي يحمل عنوان "فوسورا" بطقوس تحية قوية لوالدتها بأغنية تحمل عنوان ("أتوبوس")، وتختتمه بترنيمة مذهلة في غاية الرقة لابنتها التي لم تعد تقطن مع والدتها بعنوان بيت أمها ("Her mother's house"). وخلال التنقل الشاق والغريب بين هاتين النقطتين، يتدرج التسجيل بين الصعوبة والمرح والهدوء والطيش والحزن والبرية، لكنه يعكس تأملات ودودة ومحبة في العلاقات بين ثلاثة أجيال من النساء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك يشير ألبوم "فوسورا" إلى موسيقى الفطر، إذ يشير عنوانه إلى كلمة مؤنثة تعني عاملة المنجم أو عاملة الحفر، بينما تتناول لغته الموسيقية ثيمات الوصال المتجذر ودفقات الإثمار المكتنز. ينتشر الحزن في الهواء كالجراثيم في الأغنية التي تحمل عنوان الألبوم ذاته. أما في أغنية مدينة الفطريات "Fungal City" فيبدو الحب غموضاً غارقاً يتفجر عبر الطحالب. في أغنية "Ovule" تصور بيورك كيف أن الأمومة السخية تبعث السكينة في ليالينا، وفي أغنية اسمح "Allow " يبدو الأمل أشبه بنبتة بدائية.
يتسم المزاج بالتصالحية بينما تكرر بيورك خلال أغنية أتوبوس "Atopos" السؤال "أليست هذه مجرد تبريرات لعدم التواصل". وفي وقت ينفصل فيه الأصدقاء والعائلات تقف بيورك ضد تحفظات ثقافة الإلغاء للإصرار على العدالة المطلقة في كل أوقات تواصل النساء. بالنتيجة وعلى رغم أن هذه الموسيقى من صناعة نسوية خالصة، إلا أن هناك تواصلاً مستمراً مع الرجال.
في أغنية "مدينة الفطريات"، "Fungal City" ينضم المغني الأميركي يوشيا وايز المشهور باسم "Serpentwithfeet" بصوته التقليدي الرنان العميق إلى صوت بيورك الملح والمتطلب غالباً. وعلى أوتار البيتشيكاتو المقطوعة بغرابة (التي تبدو كما لو أنها جزء من الموسيقى التصويرية لأحد أكثر المشاهد كوميدية في برنامج وثائقي عن الطبيعة) تقلب أغنيتا"Should I soften (هل أهون عليه ضربات الحياة؟) the blow of life for him?" و"Cottonwool cocoon him?" لأم تكرس نفسها لولدها الصور النمطية الجنسانية المتعبة، إذ تحتفي الأغنية بقوة النساء وقدرة الرجال الهائلة على الحب. ومع تصاعد الأغنية يتصاعد إيقاع الآلات الموسيقية الضخمة.
تنمي بيورك صوتها الفطري مع مجموعة من الإيقاعات الأرضية المستوحاة من الطبول المدفونة في الأرض (مشروع مستوحى من المتعاونين Gabber Modus Operandi). السيقان الخشبية لكلارينت سكسسيت (التي قالت على ما يبدو أنها تخيلت أنها شربت "كأساً ونصف من النبيذ، وليس أكثر" في حانة جاز إسكندنافية في عام 2050) وشبه شفافة حساسة من القيثارة والانسجام الصوتي.
لطالما رأت أجساد البشر كآلات موسيقية، لذلك فإن الأصوات هنا هي ببساطة جزء من قسم آلات النفخ الموسيقية. وهذه تقنية أكثر وضوحاً في أغنية "منزل والدتها"، إذ يمكنك أن تشعر بكل زفير لطيف من عش الكلارينت الجهير حيث يعزف صوت ابنة بيورك ويرفرف نحو السماء. "كلما أحببتك أكثر/ أصبحت أقوى/ قلت حاجتك لي"، تتنهد الأم (بدرجة من السخرية من الذات). تجيب الابنة "أنت تجمعين أجزائي/وترسليني". والتوتر بين احتياجاتهم المتضاربة قد حل بعناية وغدا امتناناً.
"نعم، نعم، ولكن هل هناك ألحان؟" أولئك الذين يقاومون السحر اللحني الضال لنوتيز بيورك قد يسألون. نعم، هناك. ربما ليسوا واضحين بما يكفي لتغيير الحذر الغريب غير المرن. تتطور أنماط الأغنية ببطء، لن تشق أي من هذه المواد طريقها إلى راديو وقت القيادة في أي وقت قريب. ولكن على رغم التحدي العرضي للانفجارات الكبيرة للخلاف (المدمر بشكل مبهج) على أغنيات مثل "ترول غابا"، فإن أولئك الذين يفكرون في الانخراط في طليعة البوب سيجدون في ألبوم "فوسورا" البيئة المناسبة. امنحه الوقت، وسينمو عليك مثل الفطريات.
© The Independent