كشفت حادثة عاليه بين الحزب التقدمي الاشتراكي ووزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، هشاشة الوضع السياسي في لبنان، إذ انتقلت ارتدادات الحادث سريعاً إلى مجلس الوزراء الذي كادت جلسته الأسبوعية أن تطير، لولا إخراج ضعيف، أدى إلى عقد شبه جلسة، ما لبث رئيس الوزراء سعد الحريري أن رفعها.
إنها المرة الثانية التي يستخدم فيها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الثلث المعطل، الذي يشكل حصته الوزارية في الحكومة. فبعد تجربة أولى حصلت خلال نقاش موازنة 2019 واضطرار الحريري، تحت ضغط الثلث، تمديد الجلسات لمناقشة ملاحظات باسيل، عاد رئيس التيار إلى السلاح ذاته إثر حادثة قبرشمون، فغاب ووزراؤه عن الجلسة تضامناً مع مطلب رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير السابق طلال ارسلان وممثله في الحكومة صالح الغريب، بإحالة حادثة قبرشمون، التي وقع ضحيتها قتيلان وعدد من الجرحى، إلى المجلس العدلي.
اختلاف
وبفعل الاختلاف على توصيف الحادثة: هل هي محاولة اغتيال تهدد السلم الأهلي، ما يستدعي إحالتها إلى المجلس العدلي، بحسب ما يطالب النائب طلال ارسلان، أم هي حادثة غير متعمدة تقع تحت صلاحية القضاء العادي، بحسب ما يراها الرئيس الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط، بقي مصير جلسة مجلس الوزراء معلقاً حوالى الساعتين، إلى أن رُفعت في انتظار طبخ جواب يُرضي الجانبين.
تزامناً مع الموعد المقرر للجلسة الحكومية، كان باسيل يجتمع مع وزراء تكتل لبنان القوي الـ 11 في وزارة الخارجية، فيما كان 16 وزيراً من كتل حزب الله وأمل والقوات اللبنانية والاشتراكي، إضافة إلى الوزيرة فيوليت الصفدي والوزير عادل أفيوني، ينتظرون في السراي جلسة، تأخرت عن موعدها ساعة ونصف الساعة.
إزاء الامتناع النصفي عن حضور الجلسة، فهم الحريري الرسالة وأبلغ من يعنيهم الأمر أن مقاطعة الجلسة وتعطيل نصابها يعني مقاطعته شخصياً، فأجرى اتصالات سريعة يُرجَّح أن أرفعها كانت بالقصر الجمهوري، أدت في النهاية إلى تأمين النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة أو شبه الجلسة، لم تدم سوى دقائق قليلة، والمخرج الذي لم يكسر الوزير باسيل، ولم يغضب الرئيس الحريري، قضى بحضور الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية وغياب وزراء التيار والوزير الغريب.
فعُقدت الجلسة التي سارع الحريري إلى رفعها تجنباً للوصول إلى التصويت وخرق التوافق في مجلس الوزراء كما أعلن، واعداً بجلسة خلال الساعات الـ 48 أو الـ 72 القادمة بعد أن تكون "النفوس قد هدأت".
تسوية
انعقاد الجلسة أتى كجزء من بداية تسوية دخل بها، الصديق الموثوق به من الجميع، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي نجح مع الرئيس الحريري بالتوصل إلى بداية حلحلة للأزمة مع الحزب الاشتراكي الممثل بالوزيرين وائل أبو فاعور وأكرم شهيب، فسلّم 3 عناصر من الحزب أطلقوا النار على موكب الوزير الغريب، على أن يستكمل مسعاه باتجاه أرسلان لإقناعه بالعدول عن المطالبة بتحويل القضية إلى المجلس العدلي، علماً أن الحزب الاشتراكي، الواثق من براءة مناصريه، كان أوفد أحد محاميه باكراً إلى قصر العدل حيث رفع دعوى، بوكالته عن جرحى الاشتراكي، ضد الوزير الغريب ومرافقيه الـ 11 وزود القضاء بشريط فيديو يُثبت أن اطلاق النار بدأ من جهة الغريب على المحتجين العزل.
رب ضارة نافعة
وفي انتظار ما ستسفر عنه عمليات وأد الفتنة منعاً لانزلاق الجبل إلى حرب تسقط لبنان في المحظور، كان لحادثة قبرشمون على قساوتها، وجهاً إيجابياً خجولاً، تمثل في عودة المياه الدافئة إلى العلاقة المتوترة جداً بين الحريري وجنبلاط، وإن في دار الطائفة الدرزية لمناسبة تأدية واجب عزاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ساعد في رأب الصدع، أن الحريري تبنى رأي وليد جنبلاط المطالب بتحقيق عادل، لجلاء ما حدث في قبرشمون وإحالة القضية إلى القضاء الجنائي العادي، لأن اللجوء إلى المجلس العدلي يبطن حكماً مسبقاً وظالماً على الاشتراكي وجنبلاط، بأنهما خططا للجريمة واستهدفا عن سابق تصور وتصميم، زعزعة وحدة السلم الأهلي. ولم تكن الرياح الدافئة و"إنزال الحمار عن المئذنة"، لينجحا لولا لمسات الرئيس نبيه بري الذي حرص على عدم تطويق جنبلاط وعزله.
هذه المعطيات الإيجابية الخجولة، لا تعني أن القنبلة الموقوتة قد فُككت، فالساعون إلى ضرب وحدة الطائفة الدرزية في الداخل والإقليمين البعيد والقريب، بين ضفتي برَدى وهرمز لم يتراجعا عن مخططهما بعد، وما شهدناه ليس سوى مقدمة واستطلاع بالنار لا يستهدفان الجبل الدرزي فقط، بل هيبة الدولة اللبنانية وسيادتها.