إنّ العنف الشبابي الخطير آفة تُواصل العبث ببلادنا وبدائرتي الانتخابية. وإلى أن يتوقف سفك الدماء هذا، علينا ألاً نكفّ عن الحديث عنه والمطالبة باتخاذ إجراءات فعّالة لمعالجته من جانب أولئك القادرين على الحدّ منه.
أخيراً، وعلى امتداد الأشهر الـ 12 الماضية، أخذت موجة العنف التي تجتاح بريطانيا منذ وقت طويل، تحظى بالاهتمام المتواصل الذي تستحقه على مستوى البلاد من وسائل الإعلام والحكومة. كانت المشكلة واضحة للعيان حين تسلّمت تيريزا ماي مقاليد الحكم في شهر يوليو (تموز) 2016 ، ومع ذلك فقد استغرقت حوالي سنتين حتى عقدت في شهر أبريل (نيسان) الماضي قمة طارئة، كنت في عداد المشاركين بها حول الموضوع في مقر رئاسة الوزراء.
كنت قد أثرت نقاشاً حول الموضوع في مجلس العموم قبل أن تباشر ماي مهامها كرئيسة للوزراء بأشهر قليلة. كانت حينها مجموعة من البرلمانيين والناشطين الاجتماعيين ،ومنهم اللجنة المعنية بعنف الشباب والمجموعة البرلمانية من كافة الأحزاب المعنية بجرائم السكاكين، قد ساهمت بوضع القضية على رأس جدول الأعمال.
في هذا السياق، بلغت الجرائم الطعن بالسكاكين معدلات قياسية عام 2018 إذ سجّلت نسبة هي الأعلى منذ البدء بوضع سجل لهذا النوع من الجرائم عام 1946، وليس هناك من إشارة توحي حتى الآن بأنها ستتراجع. أوقعت جرائم السكاكين هذا العام أكثر من 100 ضحية، سقط في العاصمة لندن ما يزيد على 30 منهم. يمثل الشباب الغالبية العظمى بين الضحايا عموماً، لكن من اللافت أن أصحاب الخلفية الافرو- كاريبية يشكلون النسبة الأكبر من هؤلاء الضحايا في بعض المناطق بالمقارنة مع أبناء المجموعات الأخرى هناك .
وصلني الشهر الماضي تقرير جديد من الشرطة عن إطلاق النار على مراهق داخل أحد المناطق السكنية في دائرتي الانتخابية. واعتُقل شاب يبلغ 18 عاما من العمر في نهاية الأسبوع الفائت بشبهة الضلوع في محاولة قتل في إطار هذه الحادثة.
الحق أن تداعيات هذا الموضوع على اليافعين في دائرتي لا يمكن الاستخفاف بها. ومن المؤلم الاستماع إلى رواياتهم والتعرف على مدى الخوف الذي ينتابهم. في دائرتي الإنتخابية ما يزيد على 25 مدرسة أحرص على زيارة إحداها كل أسبوع تقريباً. هكذا تأثّرت بشكل خاص بزيارة لإحدى مدارسنا الابتدائية الشهر الماضي حدثني خلالها نحو 15 تلميذ تتراوح أعمارهم بين الـ 17 والـ 11 عاماً عن معاناتهم جرّاء جرائم الطعن بالسكاكين. ولدى سؤالي عمّن يخاف منهم على سلامته، رفع الجميع أيديهم إلى الأعلى في إشارة إلى انهم جميعاً يخافون. وقال نصف هؤلاء التلاميذ إن أحد أصدقائهم وقع ضحية جريمة بالسكاكين فيما ذكر اثنان أنهما يعرفان أقراناً لهما يتسلحون دائماً بالسكاكين.
ولم يكن من المفاجئ أنّ أحد الصبية أخبرني عن رغبة والدته على تغيير مكان إقامة العائلة لأنهم لا يشعرون بالأمان في منطقتهم، فالكثير من الأهل يأتون إلى الاجتماعات التي أعقدها مع الناخبين ليطلبوا المساعدة على الانتقال للعيش في أماكن أخرى . ووصف صبي آخر كيف عثر على مخدرات وما ظنّه بعض الرصاصات في البقعة التي يلعب فيها كرة القدم مع أصدقائه. وحدثتني فتاة صغيرة عن مخاوفها حيال سلامة أخيها غير الشقيق.
شهد هؤلاء الأطفال رغماً عنهم وقائع يجب ألّا يراها البالغون، فما بالك بالصغار. أمّا إدراكهم لأسباب وقوع هذه الحوادث وسبل التصدي للعنف فيدلّ على فهم متقدّم للموضوع وتأمل عميق فيه. فهم قالوا لي إنهم يدعمون حق التوقيف والتفتيش ويؤمنون بأنه ساهم بشكل مؤكد في خفض أعداد الأشخاص الذين يحملون السكاكين، لكنهم أكدوا في الوقت نفسه على ضرورة استخدام الشرطة للقوة بطريقة مناسبة تراعي الناس ولاتميز بينهم. وإذ عبّروا عن رغبتهم بتشديد العقوبات على حيازة السكاكين وعلى كل من يطعن الآخرين، فهم دعوا إلى نشر أعداد أكبر من عناصر الشرطة على شوارعنا لتنفيذ القوانين. بيد أنهم قالوا إنهم لا يعتقدون أن هذه الإجراءات وحدها كفيلة بحل المشكلة.
ليس هناك من عذر يبرّر إلحاق الأذى الشديد بالآخرين، ولكن سياق وقوع هذه الحوادث مألوف للغاية. فبعض أعمال العنف هذه يرتكبها شباب من عائلات مفكّكة ومضطربة في الغالب يحفل تاريخهم بالعنف الأسري وتعاطي المخدرات. بيد أن عدداً كبيراً من الشباب الذين يتورطون في هذه الأعمال يتحدرون في الكثير من الأحيان من عائلات في غاية الاستقرار. وعلينا أن نعمل على توفير نشاطات بنّاءة لشبابنا خارج ساعات الدراسة، إذ نحتاج إلى نشاطات ملائمة وجيّدة توسّع من مداركهم وتوفر لهم مساحة من المتعة في مناطقهم، وهو ما أدت سنوات التقشّف إلى غيابه كله.
لاشك أن أحد أهم العوامل المؤثرة في رواج جرائم الطعن بالسكاكين هو أسواق المخدرات المحظورة. فالطلب على المخدرات من قبل أفراد ينتمون إلى الطبقة الوسطى هو أحد أهم المحفّزات على هذا العنف، ولاسيّما أن شباباً وأطفالاً من منطقتي يُستغلون لتهريب المخدرات إلى مناطق أخرى من بريطانيا. والقاسم المشترك الأكبر بينهم هو الفقر وعدم المساواة بحسب ما قالت لي طفلة في المدرسة الإبتدائية المذكورة سابقاً. وأشارت إلى أنّ حوادث العنف الخطيرة التي يرتكبها الشباب لا تقع في مناطق ثرية بل تتركّز في الأحياء التي تعاني من حرمان اجتماعي مثل الحي الذي تقع فيه مدرستها، حيث نسبة الفقر من بين أعلى النسب على مستوى المملكة المتحدة.
جرى تعييني في العام الماضي ضمن فريق العمل الحكومي المعني بالجرائم الخطيرة، الذي يشرف على تطبيق استراتيجية كان قد وضعها لمعالجة الجرائم الخطيرة. ويضّم الفريق بين اعضائه ايضاً وزير الداخلية ومحافظ لندن ومفوض الشرطة ورؤساء الجمعيات الخيرية العاملين في هذا القطاع. وتكمن مهمة أعضاء الفريق في مساءلة الحكومة وحضّها على التحرّك، وهو وبرهن حتى الآن أنّه فعّالٌ وليس مجرد منبرلإطلاق الخطابات فحسب. كما تحسّن مستوى التنسيق بعد إنشاء فريق عمل وزاري جديد يجمع بين مختلف الإدارات بقيادة رئيسة الوزراء لتنفيذ جدول الأعمال هذا في كافة المجالات المعنية (التربية والعدل والصحة والحكومات المحلية وغيرها).
في غضون ذلك، أُنشئ صندوق هبات للشباب، بمخصصات قيمتها 200 مليون جنيه، استرليني لدعم البرامج والشراكات المجتمعية العاملة مع الأطفال المعرّضين للوقوع في شرك الجريمة والعنف. ومن المنتظر فرض واجب تشريعي ضمن كافة الوكالات الحكومية من أجل التصدي لعنف الشباب. كما توضع وحدات الحد من العنف في كافة أرجاء البلاد على غرار نموذج غلاسكو الناجح جداً.
غير أنّ الطريق ما زال طويلاً والعمل في بدايته. قتل شخص واحد كقتل الكثيرين، فخسارة الأرواح خطّ أحمر ويجب أن يتحول وقف العنف إلى مهمة قومية. وسأواصل الحديث عن هذا الموضوع بلا كلل أو ملل وأشن ّ الحملات للحثّ على التحرك ضده إلى أن يتمّ هذا الأمر.
(تشوكا أومونا نائب، من حزب الديمقراطيين الأحرار، في مجلس العموم البريطاني عن منطقة ستريتهام)
© The Independent