في وقت تشهد فيه تونس حراكاً سياسياً معارضاً لسياسات الرئيس قيس سعيد واحتجاجاً على نقص الوقود والغذاء، تجددت صدامات، السبت 15 أكتوبر (تشرين الأول)، لليلة الثانية في أحد أحياء العاصمة التونسية بين عناصر الشرطة ومجموعة من المحتجين إثر وفاة شاب بعد إصابته خلال مطاردة قوات الأمن له قبل أكثر من شهر.
واستعملت قوات الأمن خلال الصدامات في حي التضامن الغاز المسيل للدموع لتفريق مجموعات متظاهرين، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
ورشق المحتجون وغالبيتهم من الشباب قوات الأمن بالحجارة وحاولوا إغلاق شارع رئيس بالحجارة.
وشهدت المنطقة عمليات كر وفر بين الشرطة والمحتجين داخل الأزقة.
بدأت الصدامات، الجمعة، تزامناً مع تشييع جثمان الشاب وتجددت ليلاً، وفق ما أظهرت مقاطع فيديو.
والشاب مالك السليمي (24 عاماً) "سقط في خندق وأصيب على مستوى الرقبة إثر مطاردة الشرطة له أواخر شهر أغسطس (آب)"، وفقاً لتصريح محمد أحد أقربائه لإذاعة "الديوان أف أم" المحلية.
وإثر ذلك "تم نقله إلى المستشفى وظل في الإنعاش طوال 50 يوماً ثم توفي"، وفق المصدر نفسه.
وحمل المحتجون الشرطة مسؤولية وفاة السليمي الذي تطالب عائلته "القضاء بتحقيق العدل وإنصاف" المتوفى.
وغالباً ما تتعرض الشرطة التونسية لانتقادات كونها تلجأ إلى القوة المفرطة. وتقول "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" إن 14 شاباً قتلوا خلال السنوات الفائتة إثر مواجهات مع الشرطة، منتقدة الإفلات من العقاب.
وتتهم منظمات غير حكومية قوات الأمن باعتماد أساليب تذكر بالدولة البوليسية في نظام زين العابدين بن علي، منذ أن احتكر الرئيس سعيد السلطات في البلاد.
أكبر الاحتجاجات
نظم آلاف من أنصار قوتين متنافستين من المعارضة التونسية واحدة من أكبر الاحتجاجات حتى الآن ضد الرئيس سعيد، السبت 15 أكتوبر (تشرين الأول)، نددوا فيها بتحركاته لتعزيز سلطته السياسية في ظل تصاعد الغضب الشعبي بسبب نقص الوقود والغذاء.
وجابت تظاهرة "جبهة الخلاص الوطني"، التي تضم أحزاباً معارضة منها "حركة النهضة" الإسلامية، شوارع رئيسة في العاصمة تونس وصولاً إلى شارع الحبيب بورقيبة ورددوا "إرحل إرحل" و"يا شعب الثورة الثورة على قيس الديكتاتور" و"الشعب يريد عزل الرئيس" و"يسقط يسقط الانقلاب".
وتشهد تونس أزمة سياسية كبرى منذ احتكر سعيد السلطات في 25 يوليو (تموز) 2021 بإقالته رئيس الحكومة وتعليق أعمال البرلمان الذي كان يرأسه راشد الغنوشي، رئيس "حركة النهضة" قبل أن يحله.
وعدل سعيد دستور البلاد والقانون الانتخابي ومن المقرر تنظيم انتخابات نيابية نهاية العام لانتخاب برلمان جديد محدود الصلاحيات.
وقال القيادي في حزب "النهضة" ورئيس الحكومة السابق علي لعريض لوكالة الصحافة الفرنسية إن التظاهرة "تعبر عن الغضب لما آلت إليه الأمور بقيادة قيس سعيد ونقول له إرحل هدفنا إسقاط الانقلاب"، وتابع "إذا استمرت القيادة السياسية الحالية لن يكون لتونس مستقبل. اليأس والفقر زادا والبطالة كذلك".
تظاهرة موازية
بالموازاة مع ذلك نظم "الحزب الدستوري الحر" المناهض للإسلاميين تظاهرة في العاصمة، ورفع المتظاهرون في شارع رئيس في العاصمة سلالاً فارغة في إشارة إلى تدهور القدرة الشرائية للتونسيين بسبب ارتفاع الأسعار ورردوا "يا شعب يا مقموع زاد الفقر زاد الجوع" و"يا شعب ثورة ثورة على حقك المنهوب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول الستينية سعاد وهي متقاعدة وتشارك في تظاهرة "الدستوري الحر"، "لم يفعل شيئاً، زادت الأمور سوءاً".
ولطالما كانت توجد خصومة بين "حركة النهضة" و"الحزب الدستوري الحر"، لكن الاثنين يركزان الآن بشكل أكبر على معارضة سعيد.
ويؤكد الرئيس التونسي في غالبية خطاباته أن ما يقوم به "تصحيح للمسار الثوري"، وفي خطاب ألقاه، السبت، لإحياء ذكرى جلاء آخر جنود الاستعمار الفرنسي عام 1956 قال سعيد، "اليوم سيحصل جلاء جديد في تونس حتى تتخلص من كل من يريد أن يضرب استقلالها أو يتعامل مع الخارج أو من يكون عميلاً خائناً" في إشارة على ما يبدو إلى خصومه السياسيين.
الأزمة التونسية
وتخوض تونس مفاوضات متقدمة مع صندوق النقد الدولي لنيل قرض بنحو ملياري دولار لمواجهة أزمة اقتصادية حادة مع ارتفاع نسبة التضخم إلى 9.1 في المئة والبطالة إلى 15.3 في المئة في بلاد تقطنها نحو 12 ملايين نسمة.
ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية الروسية بدأت تونس تشهد نقصاً في كثير من المنتجات على غرار الوقود والطحين والسكر وغيرها، كما أن الوضع الاجتماعي في البلاد غير مستقر ومحتقن.
ويبدو أن الرئيس الذي ألقى باللوم على من سماهم "المكتنزين والمضاربين" في النقص، يحتفظ بدعم واسع بين كثر من التونسيين، لكن الصعوبات المتزايدة تسبب الإحباط وتزيد من تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وخلال الأسبوع الحالي تظاهر سكان مدينة جرجيس جنوب شرقي البلاد لحث السلطات على البحث عن مهاجرين تونسيين مفقودين منذ أكثر من أسبوعين، كما وقعت صدامات بين القوات الأمنية ومتظاهرين، الجمعة، في حي "التضامن" الشعبي في العاصمة إثر وفاة شاب أصيب خلال مطاردة نفذتها الشرطة.