في حين تشتكي الجزائر شح المياه وتعاني بعض مناطقها تذبذب توزيعها، تنتشر مصانع تعبئة المياه المعدنية بشكل يثير التساؤل والمخاوف والانتقاد في الوقت نفسه، ولم يعد بإمكان المواطن الاستغناء عن عبوات المياه في تكاليف إضافية تثقل كاهله، منذ أن أصبح الصنبور (الحنفية) يصب مياهاً مشكوكاً في نقاوتها وصحيتها.
47 متعاملا ناشطا وتساؤلات
لا تخلو محال أو مساحات تجارية من تعدد علامات المياه المعدنية بشكل يطرح تساؤلات حول حقيقة أزمة المياه التي كانت مختلف مناطق الجزائر عرضة لها وتسببت في خروج المواطنين إلى الشوارع، كما يشكك في أن تكون هذه المياه معدنية أو مصدرها الينابيع الطبيعية أو أنها صحية، إذ كشفت الجمعية الجزائرية لمنتجي المشروبات والمياه المعدنية عن نشاط 47 متعاملاً في مجال إنتاج المياه المعدنية، فيما يبقى 50 آخرون في انتظار مباشرة الإنتاج على الرغم من حصولهم على تراخيص من وزارة الموارد المائية، وأشارت إلى أن تزايد اقتناء المياه المعدنية منذ فترة الجائحة جعل مستوى الإنتاج يرتفع إلى 30 في المئة، مشددة أن معدل استهلاك الجزائري للمياه المعدنية يفوق 55 لتراً سنوياً.
تضاعف يخفي وراءه أسراراً
تحاول مختلف الأطراف المرتبطة بالجهات الرسمية اعتبار تزايد استهلاك المواطنين للمياه المعدنية ظاهرة صحية تنم عن تحسن المستوى المعيشي، لكن تضاعف عدد "الماركات" ترى فئات واسعة أنه يخفي وراءه أسراراً ليست في صالح المواطن بقدر ما يتعلق الأمر باستثمار مربح في ظل شح المياه وعدم صدقية ما تجود به الحنفيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسبق لوزارة الموارد المائية أن أثارت موضوع سلامة المياه المعدنية وأوضحت أن شأن شركاتها من مهمات وزارة التجارة التي تضطلع بمراقبة جودة ونوعية هذه المياه، وأشارت إلى أن مصالحها تكتفي بإجراء التحاليل على المنابع والآبار من أجل منح قرارات الاستغلال للمستثمرين، وذلك بعد استيفاء جميع الشروط القانونية ودراسة ملفاتهم من قبل لجنة متعددة القطاعات يرأسها الأمين العام لوزارة الموارد المائية، وانطلاقاً من هذه المرحلة يصبح الاستثمار تحت وصاية وزارة التجارة، مشددة أن "الإقبال الكبير على هذه المياه يدل على تحسن المستوى المعيشي للمواطنين وهو مؤشر إيجابي".
ثلاثة أنواع
وفي السياق، يقول أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي، لـ"اندبندنت عربية"، أن "هناك ثلاثة أنواع من المياه تزود السوق وهي ماء معدني، وماء المنبع وماء الطاولة، وأن هناك اختلافاً بينها من حيث القيمة الغذائية وحتى القيمة السوقية، لكن الجهات الوصية هي المسؤولة عن تصنيف النوعية وتقديم رخص الاستغلال التجاري بعد تقديم ملف متكامل يحتوي على التحاليل، غير أن المشكلة في المستهلك الذي في كثير من الحالات لا يفرق بين أنواع المياه التي تباع في المحال نظراً لأسعارها المتقاربة رغم الاختلاف بينها". وقال إن "على الشركات توضيح ذلك للمستهلك حتى لا يقع في لبس، كما على الجهات الوصية التدخل لفرض الأمر على المصانع مرفقة بحملة توعية".
يضيف، الحيدوسي، "يوجد عدد كبير من الشركات بسبب أن النشاط مربح وجاذب، وربما يعود لاتساع البلاد وكثرة المنابع الطبيعية، لكن في اعتقادي لا يمكن لأي مؤسسة أن تنطلق في الإنتاج دون إثبات نوعية المياه، وختم أنه لا يمكن منع أي مؤسسة من مزاولة نشاط تجاري أثبتت التحاليل نوعية المياه، لأن في الأخير المستهلك النهائي هو من يختار".
منع وتحذير
ومنعت وزارة التجارة في وقت سابق تسويق علامات من المياه المعدنية بسبب عدم مطابقتها لمعايير الجودة والصحة باحتوائها على "مكونات مشبوهة" مضرة بصحة المستهلك، وسحبت الكميات المسوقة من المحال والمساحات التجارية.
إلى ذلك، كشفت المتخصصة شريفة موسوني، أن "المياه المعدنية تخضع عادة للعلاج ويمكن أن تعطي طعماً أو رائحة، أما مياه الينابيع فمصدرها تحت الأرض ويجب أن تستوفي المعايير نفسها".
وقالت إن كل المياه المعدنية تحتوي على ثلاثة عناصر أساسية هي "البيكاربونات" و"الكبريتات" و"الكلوريدات"، إضافة إلى مكونات أخرى، وهذه العوامل تلعب دوراً ثانوياً في التفاعلات الكيماوية الحيوية في الجسم البشري، وعليه وجبت مراقبة القواعد ومنتجات التعبئة والتغليف والحفظ، وأضافت أن كثرة الماركات تثير المخاوف من أن يكون البحث عن الربح يستبق حماية المستهلك، وختمت أنه بات من الضروري تدخل الجهات الوصية من أجل الضغط على الشركات لتوضيح نوعية المياه والكشف عن مكوناتها خدمة للمواطن، ومتابعة ذلك من خلال فرض رقابة على المصانع وفي الأسواق.