حذرت وكالة الترقيم الائتماني "فيتش رايتنغ" من المخاطر المترتبة عن إقراض البنوك التونسية للدولة إلى حدود النصف الأول من عام 2022، مشيرة إلى أن حجم السندات الحكومية لدى البنوك لم يتجاوز السقف المحدد عالمياً والمعايير الإقليمية، لكنه مهدد للموارد المالية الذاتية للمؤسسات البنكية، إذ تظل نسبة المخاطر لدى القطاع البنكي مقلقة في شأن العملة المحلية بحكم إقباله على السندات بالدينار التونسي.
وعلى رغم إشارتها إلى عودة مردودية البنوك إلى نسق ما قبل جائحة كورونا في الفترة المنقضية من السنة الراهنة عبرت الوكالة عن شكوك حول تمكن الموارد المخصصة من قبل البنوك التونسية من تغطية مخاطر الاقتراض في الظروف الحالية التي تتسم بتدهور نوعية الأصول التي تعني ارتفاع نسبة القروض المشكوك في استخلاصها.
خطر تآكل الأصول
قالت "فيتش رايتنغ"، إن نسبة التعرض للمخاطر المتعلقة بإقراض البنوك للدولة التونسية بلغ 16 في المئة من الأصول المالية للقطاع البنكي إلى حدود نهاية مايو (أيار) 2022، ما يساوي 90 في المئة من حجم الموارد المالية الذاتية للبنوك.
واعتبرت أن خطر تآكل الأصول والأموال الذاتية للبنوك غير عال إذا قورن بالمعايير الإقليمية والسقف المحدد فيها، لكن الوضعية التونسية تطرح فيها المخاطر إشكالات مرتبطة بعدم كفاية الأموال الذاتية للبنوك التونسية ومخاطر نضوبها.
ونبهت إلى إمكان إعادة هيكلة الديون الداخلية للدولة لدى البنوك ما قد يؤدي إلى تعرض القطاع البنكي التونسي لمخاطر عالية بالعملة المحلية يمكن أن تؤدي إلى تحمله خسائر كبيرة في صورة هيكلة الدين الداخلي بالدينار التونسي.
في المقابل، رأت "فيتش" أن القطاع البنكي في تونس غير حساس نسبياً مقارنة مع نظيره في بلدان مجاورة للضغوط المالية في العالم بسبب ضعف تعاملاته بالدولار الأميركي، الأمر الذي يحد من مخاطر إعادة التمويل، لكن الزيادة المسجلة في السنوات الأخيرة في اكتتاب البنوك بسندات الخزانة لتمويل عجز المالية العمومية، علاوة على ضعف ودائع العملاء بالعملات الأجنبية التي لا تزيد على واحد في المئة من إجمالي الودائع، وتباطؤ نمو الودائع بالتوازي مع زيادة طلبات إعادة التمويل من الدولة، ينمي إمكان تفاقم الضغط على السيولة.
مردودية البنوك التونسية
في تقييمها لمردودية البنوك التونسية اعتبرت الوكالة أنها تحد من مناخ الأعمال الصعب الذي ينشط فيه القطاع على الرغم من مردودية المؤسسات البنكية التي سجلت تعافياً نسبياً مقارنة مع بداية جائحة كورونا والفترة التي تلتها، حيث ارتفعت لتقترب من مستوياتها قبل الأزمة الصحية في النصف الأول من عام 2022، ما أسهم في تخفيض التأثير السلبي لمناخ الأعمال الذي ينشط فيه القطاع على رغم الارتفاع المسجل في ما يخص مخاطر الاقتراض وتدهور نوعية الأصول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين أدى تراجع المخصصات المرصودة للديون البنكية وارتفاع أسعار الفائدة بعد سياسة التشديد التي انتهجها البنك المركزي التونسي إلى عودة قوية لمردودية البنوك بالنظر إلى أن معدل العائد على الأموال الذاتية للقطاع بحساب الانزلاق السنوي، ارتفع إلى 16 في المئة بحدود يونيو (حزيران) 2022 مقارنة بـ10 في المئة في الفترة نفسها من 2021، وقد اقترب من مستوياته عام 2019 التي بلغ خلالها 17 في المئة.
كما تحدثت "فيتش" عن متوسط الهامش الصافي لنشاط البنوك التسعة الكبرى في تونس، الذي لم يزد عن أربعة في المئة في الأشهر الستة الأولى من 2022 مقابل 3.8 في المئة عام 2021، وذلك تبعاً للتأثير المحدود لرفع نسب الفائدة وضآلة تكلفة إعادة التمويل باعتبار الحصة المهمة للحسابات الجارية وحسابات الادخار ذات المردود المحدود. كما تأثرت المردودية التشغيلية بتراجع تخصيص مدخرات في شأن القروض المتعثرة، وقد بلغت 31 في المئة من النتيجة الصافية للقطاع البنكي في النصف الأول من السنة الراهنة مقابل 43 في المئة عام 2021.
وعبرت الوكالة عن شكوكها في شأن كفاية الموارد التي تخصصها البنوك التونسية لتغطية مخاطر الاقتراض في ظل تدهور نوعية الأصول لديها، أي ارتفاع حجم القروض المشكوك في استخلاصها، وقد فسرت ذلك بتواصل زحف التضخم في تونس وارتفاع نسب الفائدة المنتهج لمواجهة الضغوط التضخمية، إضافة إلى المناخ السياسي والاجتماعي غير المستقر.
ورأت الوكالة أنها عوامل ضاغطة على عملاء البنوك، وقدمت مثالاً على ذلك بالزيادة المسجلة في مؤشر الديون المتعثرة في النصف الأول من 2022 لدى البنوك التسعة الكبرى باستثناء "الشركة التونسية للبنك" وقد ناهزت 150 نقطة أساس في حدود 11.7 في المئة، علماً بأن معدل القطاع يناهز 13.1 في المئة.
مناخ عدم اليقين
وكانت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" عبرت منذ أسبوعين عن استعدادها للتخفيض من جديد في ترقيم بنوك تونسية في إطار مراجعة التصنيف السيادي لتونس (caa1)، وراجعت ترقيمات الإيداعات لأجل لبنوك تونسية بغرض التخفيض من ترقيمها الحالي وهي "البنك العربي لتونس" و"بنك الأمان" و"البنك التونسي" و"بنك تونس العربي الدولي" و"الشركة التونسية للبنك".
كما وضعت "موديز" تصنيف القروض لهذه البنوك قيد المراجعة في سياق الاستعداد كذلك لتخفيض تصنيفها مع المحافظة على تصنيف قروض "الشركة التونسية للبنك" في مستوى (caa1)، وفسرت ذلك بمناخ عدم اليقين الذي يطغى على نشاط البنوك المحلية.
وتتعرض تونس إلى مخاطر السيولة وشدة مواجهة البنوك العاملة بشكل عام مخاطر اقتراض الدولة من طريق الاكتتاب في رقاع الخزانة الذي ازداد بشكل مكثف ليصل إلى نحو 53 في المئة من قيمة الأموال الذاتية للبنوك في مايو (أيار) 2022، بما يجعلها عرضة إلى مخاطر تدهور الأصول.
ورأى منير حسين عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) أن تحذيرات وكالات التصنيف بديهية في ظل التهديدات التي تطاول الموارد المالية لدى البنوك التونسية على خلفية إقبالها على إقراض الدولة، وهو خيار المؤسسات البنكية التونسية التي بوأت اقتناء السندات الحكومية الأولوية القصوى على حساب إقراض العملاء. بالنظر إلى ما يتمتع به القرض الرقاعي من أرباح تصنف كمضمونة مقارنة مع المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تعاني مخلفات أزمات مالية متتالية، من عدم استقرار سياسي إلى أزمة كورونا وصولاً إلى الحرب الأوكرانية، لكن تشير بيانات "موديز" و"فيتش" بوضوح إلى علو مستوى المخاطر لدى البنوك التونسية بسبب أزمة السيولة التي تعانيها الدولة وتدني الادخار لدى الأفراد.
وأكد أن استثمار البنوك في الحلول العاجلة وهي اقتناء سندات الخزانة لن يوفر لها مساحة معزولة عن الأزمة المالية، لأنه كفيل بخلق أشكال جديدة منها، مثل ارتفاع مستوى المخاطر المحدقة بمواردها المالية، وفي المقابل، من المرجح أن يسهم التمويل الجديد من صندوق النقد في تحقيق بعض الانفراج وتخفيف مستوى المخاطر.
واعتبر محمد سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي التونسي، أن بيان "فيتش" تضمن إشارات إيجابية مقارنة مع تهديدات "موديز" بتخفيض تصنيف المؤسسات البنكية التونسية، وذكر أن نسبة القروض الموجهة للدولة البالغة 16 في المئة من الأصول المالية للبنوك و90 في المئة من الموارد الذاتية لا تتجاوز معايير الحذر لدى البنك المركزي التونسي والمقاييس العالمية على حد سواء، التي تخول للقطاع البنكي حجم إقراض للسوق يساوي عشر مرات موارده المالية الذاتية على أن لا يتجاوزها، وفي المقابل تعبر مؤشرات الهوامش القرضية عن تحسن وإن بدا طفيفاً بانتقاله إلى أربعة في المئة مقابل 3.8 في المئة عام 2019.
ونفى سويلم بشدة ما راج حول إعادة هيكلة الديون الداخلية في تونس، حيث تم اعتماد تقنية مغايرة تمثلت في طرح سندات جديدة في السوق الداخلية لسداد إصدارات قديمة سابقة بالعملة المحلية حلت آجالها.