بدأت العملة البريطانية الجنيه الاسترليني تعاملات أول أيام الأسبوع، صباح الإثنين 24 أكتوبر (تشرين الأول)، في وضع جيد بعد الأنباء في الليلة السابقة عن خروج رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون من السباق على خلافة ليز تراس في زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة.
وتنتظر الأسواق ما ستعلن عنه قيادة الحزب، مساء الإثنين، وما إذا كان وزير الخزانة السابق ريشي سوناك سيفوز بالتزكية أم أن المرشحة الباقية المحتملة بيني موردنت ستتمكن من تأمين تأييد 100 نائب برلماني لتجرى انتخابات بينها وبين سوناك من قبل أعضاء الحزب الحاكم البالغ عددهم نحو 180 ألفاً.
وتفاءلت الأسواق بزيادة فرص فوز سوناك بزعامة الحزب ورئاسة الحكومة، إما بالتزكية، مساء الإثنين، أو في انتخابات الأعضاء بنهاية الأسبوع. وارتفع سعر صرف الاسترليني أمام الدولار الأميركي ما يقارب نقطة مئوية كاملة (بنسبة 0.9 في المئة) ليزيد إلى 1.14 دولار للجنيه، وذلك على رغم من ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسة حول العالم، بخاصة الين الياباني في بداية تعاملات الأسبوع صباح الإثنين.
جونسون وسوناك والاقتصاد
وينظر نواب حزب المحافظين في مجلس العموم (البرلمان) بقلق إلى تطورات السوق ورد الفعل على وضع الاقتصاد البريطاني أكثر من أعضاء الحزب من الناخبين العاديين الذين صوتوا قبل شهرين لاختيار تراس لخلافة جونسون، بينما صوت معظم النواب في أكثر من جولة لاختيار سوناك لأنه الأقدر على إدارة شؤون الاقتصاد ووقف تدهور وضع الحزب الحاكم قبل انتخابات عام 2024.
ونهاية الأسبوع الماضي، أصيبت الأسواق بالذعر من أنباء عودة جونسون إلى السباق على زعامة حزب المحافظين الحاكم ورئاسة الوزراء، وعاد المستثمرون حول العالم إلى التخلص من سندات الدين السيادي البريطاني والعملة البريطانية الجنيه الاسترليني في تعاملات، الجمعة.
وهبط سعر سندات الخزانة البريطانية نتيجة عمليات البيع المكثفة، وارتفع العائد على السندات متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات بنسبة 0.22 في المئة ليصل إلى 4.13 في المئة، قبل أن تستعيد السندات بعض العافية، نهاية تعاملات الأسبوع، مساء الجمعة، بينما فقد الجنيه الاسترليني ما نسبته 1.4 في المئة من قيمته أمام الدولار الأميركي معاوداً الهبوط بشدة في سعر صرفه قبل أن يسترد بعض الخسائر قبل إغلاق السوق.
وكان العائد على السندات عاد للانخفاض، الأسبوع الماضي، بعد إعلان وزير الخزانة الجديد جيريمي هنت إلغاء كل الإجراءات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة، نهاية الشهر الماضي، وأدت إلى فقدان الثقة في الاقتصاد البريطاني، لكن احتمال عودة جونسون للحكم أعادت الاضطراب للسوق وكادت تمحو الأثر الإيجابي الطفيف لتغييرات الأسبوع الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر أن أنصار سوناك أكدوا خلال الأيام الماضية أنه إذا فاز بزعامة الحزب ورئاسة الحكومة سيبقي على جيرمي هنت وزيراً للخزانة. ويعطي ذلك بعض الاستقرار ويطمئن السوق موقتاً بانتظار إعلان هنت عن خطته للانضباط المالي، نهاية هذا الشهر.
ومع أنباء عودة جونسون للمنافسة، توالت التحليلات من المؤسسات المالية التي تنصح المستثمرين حول العالم والتي أشارت إلى توقعات سلبية إذا عاد جونسون للحكم. على سبيل المثال، أصدر المحللون في بنك "برينيرغ" الاستثماري مذكرة خلصوا فيها إلى أن حكومة يقودها جونسون "ستزيد المخاطر في السوق"، أما حكومة يقودها سوناك "فقد تكون أكثر مسؤولية وتصرفاتها متوقعة" كحكومة يمين وسط مستقرة.
ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن رئيسة قطاع استراتيجية العملات في "رابو بنك" جين فولي قولها إن فترة حكم جونسون السابقة شهدت "فقداناً كاملاً للقيادة من قبل حكومة مشغولة بمواجهة فضيحة تلو الأخرى. واحتمال العودة إلى هذا الوضع مرة أخرى لن يكون أمراً محل ترحيب من الأسواق".
السوق تحكم
وواضح أن رد فعل السوق، الجمعة، لعب دوراً في عدم فوز جونسون بتأييد العدد الكافي من النواب ليتقدم للترشيح ومنافسة سوناك. وكان جونسون التقى سوناك، مساء السبت، محاولاً إقناعه بحكومة تشاركية بعد أن لم يزد عدد النواب المؤيدين لترشيح جونسون على 50 نائباً، أي نصف العدد المطلوب للترشح، على رغم ترويج أنصار جونسون أنه حصل على العدد الكافي، لكن حتى اللحظة الأخيرة كان المعلن أنه حصل على تأييد 53 نائباً فقط، لكن تلك المحاولة فشلت، وذكرت الصحف البريطانية أن جونسون حاول بعد ذلك إقناع بيني موردنت بالتخلي عن محاولة الترشح والطلب من أنصارها تأييد ترشيحه كي يؤمن العدد اللازم، لكن تلك المحاولة فشلت أيضاً، وحتى لو كانت نجحت، فإن المعلن، حتى الأحد، هو تأييد 25 نائباً لموردنت، وبجمعهم مع مؤيدي جونسون المعلنين لن يكون العدد كافياً لترشح جونسون.
أما ريشي سوناك فحاز على تأييد عدد كبير من النواب يكاد يصل إلى ضعف العدد المطلوب، وبدا أن نواب الحزب الحاكم يدفعون نحو فوز سوناك بالتزكية من دون الحاجة إلى انتخابات الأعضاء بين اثنين من المرشحين.
وكانت الأسواق التي شهدت انهيار الثقة في الحكومة والاقتصاد البريطاني بعد إجراءات تراس، نهاية الشهر الماضي، خفض الضرائب على الأغنياء والشركات وتمويل ذلك بالاقتراض الهائل عالي الكلفة نتيجة زيادة معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، سبباً رئيساً في إقالة كواسي كوارتنغ وزير خزانة حكومة تراس بعد أسابيع من توليه منصبه، وكذلك استقالة تراس وحكومتها بعد نحو ستة أسابيع في الحكم.
كارثية
وكان سوناك، منافس تراس في الانتخابات الحزبية السابقة لخلافة جونسون بعد استقالته في يوليو (تموز)، حذر من أن إجراءات تراس ستكون كارثية. وتحققت كل تحذيراته وأدت ميزانية تكميلية أعلنها وزير خزانة حكومة تراس كوارتنغ إلى فقدان الأسواق والمستثمرين الثقة في الحكومة والاقتصاد البريطاني وقدرتها على الاقتراض الهائل، وانهار سعر صرف الاسترليني وهوى سعر السندات البريطانية وارتفع العائد عليها إلى نحو نسبة خمسة في المئة.
وعلى رغم تراجع حكومة تراس عن بعض الإجراءات فإن ذلك لم يفلح في استعادة ثقة السواق، حتى اضطرت إلى إقالة وزير الخزانة وتعيين هنت الذي كان من مؤيدي سوناك في المنافسة على خلافة جونسون، وألغى هنت كل الإجراءات التي وصفت بالكارثية، وأعلن عن ملامح سياسة مالية واقتصادية تتضمن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق لتقليل حجم الدين العام على أن يعلن تفاصيلها نهاية هذا الشهر.
وهكذا، حسمت الأسواق مستقبل كوارتنغ وتراس وعودة جونسون، وقد تحسم أيضاً فوز سوناك، المفضل لدى الأغلبية، بسبب قدرته على إدارة دفة الاقتصاد، ربما ليس لاستعادة ثقة الأسواق والمستثمرين بسرعة وبقوة، لكن على الأقل لوقف التدهور في بريطانيا نحو كارثة محتملة.