نشأ النمط الانتقائي في أوروبا خلال القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20 كطريقة اتبعها المهندسون المعماريون لإنشاء تصميمات فريدة مع الحفاظ على بعض عناصر الطراز التقليدي، إذ يمزج التصميم الانتقائي مجموعة من العناصر المتنوعة لخلق جمال فريد، ويختص بالانسجام والجمع بين الأنماط المختلفة والأنسجة والألوان المتباينة، فهو لا يستند إلى حركة فنية أو فترة محددة من التاريخ، ولكنه يمثل نتيجة وتتويجاً مبدعاً لجميع الأساليب الجمالية الأخرى.
اختيار الأفضل
يشتق مصطلح الانتقائية "eclecticism" من الكلمة اليونانية "eklektikos" التي تعني "اختيار الأفضل"، وغالباً ما كان يستخدم هذا المصطلح في الفلسفة بهدف الاختيار من أفضل مذاهب ومدارس الفكر لإنشاء مذهب خاص، ثم انتقل هذا المفهوم إلى العمارة عندما بدأ المهندسون المعماريون بانتقاء عناصر من مجموعة منوعة من الأساليب، بدلاً من التمسك بحركة معمارية واحدة مثل النيو كلاسيك أو الغوطية أو البيزنطية لإنشاء مظهر جديد كلياً، وفي نهاية المطاف انتقلت فلسفة التصميم هذه إلى عالم الديكور والتصميم الداخلي.
النمط الانتقائي دائم التغير وشخصي للغاية، فبسبب خاصية الجمع والانتقاء والمطابقة تطور هذا النمط ببطء ليصبح أسلوباً فريداً من نوعه ومستقلا بذاته، ومع مرور الوقت وتطور الأنماط استمر هذا النمط على حاله في كيفية احتضانه القديم والجديد لخلق شيء مختلف.
ميزات جمالية ووظيفية
ويتطلب هذا النمط من التصميم التركيز على إنشاء سمة واحدة من خلال أنماط عدة، ويتميز بمزيج متنوع ومنظم من الميزات الجمالية والوظيفية، ويكمن جمال هذا الأسلوب في استخدام الأضداد معاً، فالتصميمات الداخلية الانتقائية تعتبر صورة مصغرة عن "جمع الأضداد" بالمزج بين الأشكال والتركيبات والعناصر المختلفة التي لا تكمل بعضها بعضاً عادة لإنشاء بعد إضافي أو نقطة تركيز، وعلى سبيل المثال الجمع بين الخيش والساتان أو مزج نموذج نقوش من نمط ريفي مع تركيبات إضاءة على طراز آرت ديكو، كما يزاوج بين ديكورات من فترات زمنية مختلفة، فمن الممكن أن نرى حماماً على الطراز الحديث يكتمل بلمسات من عصر النهضة، وغالباً ما يكون هناك عنصر أو سمة موحدة مثل اللون أو الملمس أو نقطة محورية معينة.
وعلى رغم أن التصميم الداخلي الانتقائي قد يبدو للوهلة الأولى سهلاً، إلا أنه يحتاج في الحقيقة إلى الدقة والعناية في تنسيق العناصر الفردية للتأكد من أن كل شيء يعمل معاً بانسجام، فالأمر يتطلب تخطيطاً وحرصاً أثناء مزج أنماط التصميم المتناقضة للوصول بالمظهر العام إلى التجانس، مع اتباع بعض المبادئ والإرشادات المختارة للمساعدة في توحيد المظهر والبعد من الفوضى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحتاج الجمع بين الأنماط المختلفة جرأة عالية في اختيار الألوان والأقمشة، بحيث يتوفر مكان لكل شيء ويكون كل شيء في مكانه الصحيح قي الوقت ذاته، ليعمل كل عنصر بكفاءة من أجل تحقيق الصورة الكبرى للتصميم، بحيث لا يظهر تكديس أو حشو في الغرفة، ويمكن أن يسهم هنا إنشاء مساحة سلبية في منح عين المشاهد راحة بعيداً من إغراق العين أو خلق إحساس بالفوضى.
نمط محايد
التصميم الانتقائي، كما اسمه، لا يلتزم بلوحة ألوان واحدة، إذ يمكنك إعداد مخطط الألوان بناء على درجة لون رتيبة أو أحادية أو استخدام قطعة ملونة غامقة مثل السجادة أو الأريكة واختيار الألوان المميزة في باقي أنحاء المساحة، ولكن يفضل اختيار لون محايد ولون أساس ليعملا معاً جنباً إلى جنب لإنشاء مساحة متناغمة ومنتظمة، إذ من الشائع في هذا النمط الالتزام بالدرجات الحيادية مثل الأبيض أو الرمادي أو الأسود أو البيج، بحيث يجمع بينهم لون واحد غير مسيطر، أما بالنسبة إلى اللون الأساس فالخيارات مفتوحة في عجلة الألوان مثل النحاس أو الفضة أو الخشب أو الزجاج أو الحجر، ويمكن استخدامه في تشطيبات الأثاث أو المواد، كما يمكن اختيار لوحة الألوان مكونة من درجات متعددة من اللون نفسه باستخدام تأثير التدرج مع جرأة في الديكور والأثاث والإكسسوارات.
ويعول على لوحة الألوان في المساعدة على ربط العديد من العناصر المتباينة في الغرفة معاً عبر اختيار بضعة ألوان وتكرارها في السجاد والوسائد والطاولات الجانبية ومصابيح الأرضية، بخاصة إذا كانت من مدارس تصميم مختلفة.
المزج المدروس
ويعمل دمج كل من الأنسجة الخشنة والناعمة على إنشاء نقطة جذب توفر مزيداً من الاهتمام إلى الداخل، بخاصة عند اختيار لوحة ألوان بسيطة، إذ يمكن أن يكون لخلط المواد المختلفة معاً تأثير كبير في الطريقة التي تبدو بها المساحة، فتكرار بعض الأنماط والأنسجة غير المتطابقة يساعد في خلق إحساس بالإيقاع البصري.
أما بالنسبة إلى الأثاث فيجب أن تقتصر القطع الأساس على واحدة أو اثنتين التزاماً بقاعدة " إذا كان كل شيء يحاول جذب الانتباه فلن ينجح أي شي في جذب الانتباه في نهاية المطاف"، وستساعد ببساطة نقطة محورية واحدة مثل جدار مميز أو جدار عرض أو قطعة أثاث مميزة في جذب العين إلى المكان المطلوب في الغرفة، كما يمكن أيضاً استخدام نمط هذه القطعة لتوجيه اختيارات النمط لبقية غرفتك، فيمزج الأثاث بحيث لا تتطابق القطع، لذا يمكنك بسهولة استخدام كرسي هزاز عتيق بجوار طاولة قهوة حديثة مع أريكة تقليدية محشوة، وتعد كل من المرايا وجدران العرض والمصابيح والسجاد والإكسسوارات طريقة رائعة لإضافة اللمسات الأخيرة إلى الغرفة.
وفي حين تتراجع وتتقدم اتجاهات التصميم الداخلي عبر السنوات بحكم خضوعها إلى "الترند" والصيحات المتبدلة، يبرز التصميم الانتقائي المعد بذكاء في مواجهة أي من الاتجاهات الجديدة بسبب التكامل الذي يؤسس عليه، إذ غالباً ما يؤدي الدمج بين القديم والجديد إلى مزيج يتمتع بقوة وصلاحية أطول من نظرائه.