رد فعل إدارة بايدن وبعض الديمقراطيين والإعلام التابع لهم على قرار "أوبك +" فاق كل التوقعات، وجاءت أكبر بكثير من أثر هذا التخفيض في أرض الواقع، وعلى رغم أن أسعار النفط والبنزين عادت إلى ما كانت عليه قبل اجتماع "أوبك" فإن الهجوم على السعودية استمر، ما أوحى بأن هناك أموراً خفية أو عصية على الفهم.
الواقع يشير إلى أن أثر قرار "أوبك +" تخفيض سقف الإنتاج بمليوني برميل يومياً بسيط، إن وجد، وذلك لأن التخفيض الحقيقي إذا التزمت به دول "أوبك +"، سيكون بين 800 ألف برميل يومياً و1.1 مليون برميل يومياً، وأغلبها، إن لم يكن كلها كانت استهلاكاً محلياً خلال فصل الصيف.
بعبارة أخرى، مع انتهاء فصل الصيف، دول الخليج وشمال وغرب أفريقيا لها كميات فائضة من النفط كانت تستخدمها في محطات الكهرباء، والآن لا حاجة لها بها، فهل تصدرها أم توقف إنتاجها؟ إذا صدرتها فإن ذلك سيخفض أسعار النفط، وإذا أوقفت إنتاجها فإنها تمنع أسعار النفط من الانخفاض، وهذا ما حصل.
إدارة بايدن تجاهلت هذه الأمور، وشنت حملة شعواء على السعودية، رافقتها حملة إعلامية من جهة، وتحريك لمشروع قانون "لا لأوبك" في الكونغرس من جهة أخرى.
إذا أصبح "لا لأوبك" قانوناً فإنه يقضي بمحاكمة دول "أوبك" بتهمة الاحتكار والتحكم بأسعار النفط.
المفاجأة جاءت الأحد الماضي في مقابلة تلفزيونية مع مستشار شؤون الطاقة في وزارة الخارجية ومستشار بايدن أيضاً، أموس هتشستين، الذي قال إن قرار "أوبك" كان سياسياً، لكنه ذكر أن التخفيض الفعلي صغير، وأن قرار بايدن سحب 15 مليون برميل من المخزون النفطي الاستراتيجي مرتبط بقرار الاتحاد الأوروبي وقف استيراد النفط الروسي في الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، ولا علاقة له بقرار "أوبك"!
باختصار، الهجوم على السعودية كان لتسويق السحب من المخزون الاستراتيجي، الذي لا علاقة له لا بالسعودية ولا بدول "أوبك"! السحب هدفه التعويض عن النفط الروسي عند تطبيق الاتحاد الأوروبي العقوبات!
آثار السحب من الاحتياطي الاستراتيجي في أسعار النفط
الصين، نجحت دول "أوبك +" في عام 2021 في رفع أسعار النفط إلى نحو 75 دولاراً للبرميل، وذلك بسبب التزام كبار الدول الأعضاء حصصهم الإنتاجية، على رغم زيادة الطلب على النفط، وارتفاع أسعاره، وكان من الممكن أن تتجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل لولا استخدام الصين المخزون النفطي الاستراتيجي بكميات كبيرة في النصف الثاني من العام.
البيانات تشير إلى أن الحكومة الصينية لا تريد أن تتجاوز أسعار خام برنت 70 دولاراً للبرميل، فقررت السحب من المخزون الاستراتيجي، كما تبنت سياسات تجعلها تتحكم في واردات وصادرات المصافي الصينية، بخاصة المستقلة منها.
فكرة الصين أن تقوم باستخدام المخزون الاستراتيجي في النصف الثاني من عام 2021، ثم تقوم بملئه في الربع الأول من عام 2022، عندما ينخفض الطلب عادة على النفط، وتنخفض معه الأسعار، وكان هناك حافز آخر لمنع الأسعار من الارتفاع، وهو التحضير للألعاب الأولمبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الذي لم تحسب الصين حسابه هو آثار الحرب الروسية - الأوكرانية، وما تبعها من عقوبات، وارتفاع أسعار النفط، وبهذا لم تتمكن في البداية من ملء المخزون إلا أن الظروف الداخلية والخارجية مكنتها من ملء المخزون، بسبب عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا ومتحوراته من جهة، وبسبب حصول الصين على النفط الروسي بأسعار مخفضة.
هناك من يرى، بخاصة بعض البنوك الأميركية والمؤسسات الاستثمارية، أن أسعار النفط سترتفع بشكل كبير مع انتهاء الإغلاقات في الصين، وانتعاش الاقتصاد الصيني، الملاحظة الأولى أنهم يقولون ذلك منذ أشهر، ولم تنته الإغلاقات، ولم ينتعش الاقتصاد الصيني، لكن بفرض انتهاء الإغلاقات وانتعاش الاقتصاد الصيني، فإن الصين ستفعل ما فعلته في عام 2021، استخدام المخزون الاستراتيجي لمنع أسعار النفط من الارتفاع.
الولايات المتحدة، أما بالنسبة إلى إدارة بادين، فإن السحب من المخزون سينتهي قبل نهاية العام، والذين يتوقعون ارتفاعاً كبيراً لأسعار النفط يسوغون ذلك بأن نهاية السحب من المخزون تعني انخفاض الإمدادات، إلا أنهم يتجاهلون حقائق عدة، وهي:
1- أعلنت إدارة بايدن أنها قد تسحب مزيداً من المخزون الاستراتيجي إذا ارتفعت أسعار النفط مرة أخرى، وهناك نحو 390 مليون برميل في المخزون الاستراتيجي بنهاية هذا العام، وهذه كافية لمقابلة أي حالة طوارئ ولفترة طويلة من الزمن.
2- ليس هناك أي قوانين تحكم قرارات بايدن المتعلقة بالمخزون الاستراتيجي، ففي حالة الطوارئ يمكن سحب أي كمية مهما انخفض مستوى المخزون، كما أن متطلبات وكالة الطاقة الدولية لا تنطبق، ليس لأنه جرى تعليقها بسبب الأزمة فحسب، لكن لأن متطلبات وكالة الطاقة الدولية أن تحتفظ الدولة بما يعادل 90 يوماً من السوائل النفطية من صافي الواردات، والولايات المتحدة مصدّر صاف للسوائل النفطية، ومن ثم يستطيع بايدن إفراغ كل المخزون الاستراتيجي الممكن فنياً من دون أية قيود.
3- قرر الكونغرس منذ سنوات أن يتم بيع كميات من المخزون الاستراتيجي كل عام لتغطية تكاليفه وتحسينه من جهة، وتخفيف العجز في الموازنة الفيدرالية من جهة أخرى، حالياً يوجد 26 مليون برميل لم يتم بيعها بعد، وسيكون هناك كميات كبيرة ستُباع في السنوات المقبلة، بعبارة أخرى يستطيع بايدن خلال الأسابيع المقبلة بيع 15 مليون برميل التي جرى الإعلان عنها، ثم بيع 26 مليون برميل التي قررها الكونغرس سابقاً.
4- كما يستطيع بايدن استخدام القانون، الذي يسمح له بمقايضة النفط من المخزون الاستراتيجي مع الشركات، فيستطيع أن يقدم النفط إلى الشركات على أن تعيده عيناً مستقبلاً، لكن بكميات أكبر!
خلاصة الأمر، إن من يعتقد أن أسعار النفط سترتفع بشكل كبير في الأشهر المقبلة يتجاهل الكميات الإضافية التي يمكن أن تسحبها إدارة بادين من المخزون الاستراتيجي سواء بسبب حالة الطوارئ، أو المقرر بيعه من قبل الكونغرس، أو المقايضة مع الشركات، كما يتجاهلون سحب الحكومة الصينية من المخزون النفطي الاستراتيجي.
وأنتهي بذكر الجملة الآتية، كمية مخزون النفط التجاري والاستراتيجي في الصين حالياً أكبر من المخزون التجاري والاستراتيجي في الولايات المتحدة.