كما لو أن المملكة المتحدة ليس لديها ما يكفي من المغفلين، حتى تطوعت شركة "إيزي جيت" easyJet، وهي من أبرز شركات الطيران الاقتصادي، لطرح ما تعتبره أفضل الحلول الحياتية. لا تأبهوا لما يقوله مارتن لويس (الخبير البريطاني في طرق توفير المال)، الذي لا يزال يعيش في أحداث سبتمبر (أيلول) 2022، فإذا كانت كلفة المعيشة باهظة للغاية، ستهب شركة الطيران البرتقالية محبوبة الجميع [إيزي جيت] لتقديم المساعدة.
نعم، هذا صحيح، يمكنكم الآن أيها البؤساء التوجه للحصول على المساعدة من "إيزي جيت"، التي تعرض تقديم إجازة شاملة لمدة 28 يوماً في مصر لقاء 650 جنيهاً استرلينياً (754 دولاراً أميركياً) فقط، وهو مبلغ أقل للفرد من كلفة مكوثه في المملكة المتحدة! قد يكون ذلك صحيحاً إذا كان يغطي أيضاً النفقات المنزلية التي لا يزال يتعين على المسافر احتسابها ضمن النفقات الإضافية التي يتعين عليه تحملها خلال شهر الإجازة.
ما أعنيه هو أن الفكرة جيدة من الناحية التسويقية، ويمكنني أن أفهم السبب الذي حدا بشركة الطيران "إيزي جيت" لطرحها حلاً زائفاً للأزمة المالية الراهنة التي تعيشها البلاد، لكن من غير المرجح أن تعود بالمقدار نفسه من الراحة على الأفراد، أو أن يتلقفها أي شخص لديه مسؤوليات، كغالبية الناس في المملكة المتحدة. ففي نهاية المطاف، لا يشكل هذا العرض في الحقيقة خياراً ملائماً يستحق أن توقف من أجله عملك، وتتخلى عن أسرتك، وتقوم بإنفاق 650 جنيهاً استرلينياً إضافياً على عطلة تحت أشعة الشمس.
ويمكنك على الأقل، في الوقت الذي تفكر فيه في الفاقة التي ستكون في انتظارك لدى عودتك إلى ربوع جزرنا البريطانية العادلة، أن ترتشف زجاجاتك الصغيرة من الجعة المعبأة (ذات العلامات التجارية المحلية فقط، اقرأ الكلمات الصغيرة المطبوعة عليها للتنبه للاستثناءات) من فوق كرسي التشمس الخاصة بك، وترقب "بوفيه" المساء الذي يحتوي على مجموعة متنوعة من الأطباق متشابهة الطعم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وداعاً يا أطفال! وداعاً أيها الأقارب المسنون! وداعاً للعمل الذي أكرهه، على رغم أنه يسمح لي ولأسرتي بتناول الطعام وتسديد بدل السكن! أنا الآن في عطلة، على طريقة شيرلي فالنتاين [فيلم بريطاني عن امرأة تبلغ من العمر 42 سنة، تأخذ استراحة من أسلوب حياتها الرتيب وتذهب في عطلة مع صديقتها إلى اليونان]، بحثاً عن ذاتي على متن "إيزي جيت" في رحلة شاملة التكاليف.
لأن المال هو مجرد مفهوم، أليس كذلك؟ فهو لا يمكن أن يشتري السعادة. ألم يقل أحدهم أن المال لا يمكنه حتى شراء الحب؟ هذه التساؤلات وغيرها التي يتداولها أصحاب الملايين الآخرون ليجعلوا البقية منا يشعرون بتحسن حيال مختلف الجهود المرهقة التي نبذلها للتمكن من الوفاء بمصاريفنا الشهرية، وفي محاولة لتفادي ديون بطاقاتنا الائتمانية، كي يعودوا إلى الانقضاض علينا من خلال مطالبتنا بتسديد مستحقاتها.
لكن لا بأس بذلك، فالرئيس الجديد لحكومتنا [ريشي سوناك] يعرف كيف يبدو الأمر عندما نتلقى الفواتير بفزع مقزز. إنه يعرف ما معنى اضطرار بعضنا إلى تغطية نفسه باللحاف عوضاً عن الملابس، لأننا لا نجرؤ على استخدام التدفئة المنزلية. ويعرف أيضاً ما يعنيه الامتناع عن غسل شعرنا خشية الإفراط في استخدام الماء. هذا الرجل يعرف كيف يضع الموازنات ويحتسبها، ويستخدم بطاقة دفع لا تلامسية، ويتعاطف مع الذين يعيشون في مناطق محرومة تعاني نقصاً متزايداً في الموارد والخدمات الأساسية التي باتت مقطوعة كلياً.
لكن مهلاً... أنا لا أقصد ريشي سوناك فاحش الثراء الذي تقدر ثروته بـ 730 مليون جنيه استرليني (847 مليون دولار)، ولا سوناك الذي لا يمتلك في الواقع معارف من الطبقة العاملة، أو ذاك الذي تفاخر بفكرته أمام ناشطي حزب "المحافظين" في تانبريدج ويلز" في شأن تحويل الأموال عن المناطق الحضرية الفقيرة إلى الأماكن الميسورة (على رغم توضيحه لاحقاً تصريحاته بالقول إنه كان يقصد بها أن "الحرمان موجود في جميع أنحاء بلدنا").
ما أريد قوله هو أن ما يحدث يعد أشبه بعرض مثير للاشمئزاز، ما يجعلني أفهم لماذا يرغب أي شخص في الهرب من الرعب المستمر للمشهد السياسي الطاغي في المملكة المتحدة.
لكن على رغم كل ذلك، لم تفكر شركة "إيزي جيت" جيداً في التفاصيل المحيطة بعرضها. فما لم يتمكن الأفراد من توفير بعض الضروريات الأساسية كرعاية الأطفال، والرعاية الموقتة، والرواتب المفقودة، وبعض ملابس السباحة الجديدة ومستحضرات تسمير الجسم بشكل متجانس، فإن هربهم من ضغوط العمل الشاق الناجم عن أزمة ارتفاع كلفة المعيشة ليس بفكرة عملية وقابلة للتطبيق.
يضاف إلى ذلك، أنه بالنسبة إلى تلك القلة من الأشخاص المتميزين الذين يمكنهم أخذ إجازة من العمل لمدة 28 يوماً متتالياً دفعة واحدة، ولا يتحملون مسؤولية رعاية أحد، ويمكنهم تحمل الاستغناء عن جزء من دخلهم للسفر على متن خطوط "إيزي جيت" (لا تنسوا ادخار بعض المال لتسديد رسوم الأمتعة وحقائب اليد والمشروبات والوجبات الخفيفة على متن الطائرة... ففي نهاية المطاف، تشتهر شركات الطيران منخفض الكلفة بمصاريفها ورسومها الإضافية العادلة)، فإن الفكرة تعد جيدة بالنسبة إليهم.
© The Independent