أفاد موفد اندبندنت عربية نقلا عن مصادر في مقر القمة، اليوم الإثنين أن ملك المغرب محمد السادس لن يحضر القمة العربية المزمع تنظيمها في الجزائر في الأول والثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) .
وسبق أن قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة عن المشاركة إن "الملك محمد السادس سيقرر ما إذا توفرت شروط مشاركته في قمة الجزائر".
ويرأس وزير الخارجية المغرب الوفد المغربي في القمة العربية.
وفيما تستعد العاصمة الجزائرية لاستقبال القادة والرؤساء العرب لعقد قمتهم الـ31، تحت شعار "لم الشمل" بعد تأجيل طالها لثلاث سنوات، خيمت الخلافات والتباينات على الأعمال التمهيدية لوزراء الخارجية العرب على مدى اليومين الماضيين، مما دل على اتساع الهوة، في مشهد كان بطله "تأزم المواقف المغربية الجزائرية"، والذي انعكس في احتجاج المغرب على جدول الأعمال، واستقبال وفده الرسمي، وكذلك على إحدى الخرائط الجغرافية التي أذاعتها قناة جزائرية لشكل الحدود العربية.
وبحسب ما كشفته مصادر دبلوماسية مطلعة لـ"اندبندنت عربية"، "كادت الخلافات العربية تعصف بتوافق وزراء الخارجية على جدول الأعمال (اعتمد يوم الأحد)"، مضيفة أن بعض الدول أبدت "احتجاجاً على أكثر من بند على جدول أعمال قمة الرؤساء والقادة المقررة يومي الأول والثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، حتى تدخلت الجامعة العربية وأيدت إدراج كل البنود التي طالبت بها الدول الأعضاء".
ووفق المصادر نفسها، "فإنه ولأول مرة لم يستمر الاجتماع المغلق لوزراء الخارجية العرب يوم السبت 29 أكتوبر (تشرين الثاني) سوى 15 دقيقة احتجت خلاله المغرب أربع مرات، فضلاً عن احتجاجات من أطراف عربية أخرى قبل أن يستكمل الوزراء اجتماعهم يوم الأحد".
ومنذ الخميس الماضي، بدأت التحضيرات لقمة الجزائر التي تقام في المركز الدولي للمؤتمرات "عبداللطيف رحال" باجتماع المندوبين ثم وزراء الخارجية، قبل أن تلتئم القمة العربية للمرة الأولى للقادة العرب منذ قمة تونس 2019، وهدفت هذه الاجتماعات إلى ترتيب جدول أعمال قمة القادة، الذي وصفه مسؤولون جزائريون وعرب بأنه "مثقل وواعد" في الشؤون السياسية والاقتصادية.
كواليس الخلاف المغربي - الجزائري
ما إن تطأ قدماك مركز المؤتمرات المقرر استضافته القمة العربية بالجزائر حتى تدور الأحداث الجانبية بين رواده من الإعلاميين والدبلوماسيين، في شأن ذلك الخلاف "المغربي - الجزائري" الذي كاد يفجر قمة "لم الشمل" العربية قبل أن تبدأ.
فيوم السبت 29 أكتوبر احتج الوفد المغربي، برئاسة وزير الخارجية، ناصر بوريطة، على نشر وسيلة إعلام جزائرية خريطة المملكة من دون منطقة الصحراء الغربية، قبل أن تتراجع عن ذلك بعد "استياء" الوفد نفسه من تجاهل استقباله الرسمي من قبل السلطات الجزائرية.
وكانت قناة الجزائر الدولية "AL24 News" قد نشرت خريطة للعالم العربي على موقعها الإلكتروني تفصل المغرب عن الصحراء الغربية، مشيرة إلى شراكتها الإعلامية مع جامعة الدول العربية، مما أثار تحفظ الوفد المغربي، ونفي الجامعة تلك الشراكة "المزعومة".
وعلى رغم اعتذار القناة الجزائرية عن الخريطة التي أرجعتها إلى "خطأ تقني"، سارعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في بيان رسمي إلى نفي أن يكون لها شركاء إعلاميون في تغطية القمة العربية. وأهابت بوسائل الإعلام توخي الحرص الشديد في نسبة المعلومات المنشورة على مواقعها إلى الجامعة العربية أو مؤسساتها.
هذه الواقعة، وقبلها ما وصفته الرباط بـ"سوء تعامل البلد المضيف مع القواعد التي تحكم القمم سواء من الناحية البروتوكولية أو الأعراف"، قادت إلى احتمالات "انسحاب الوفد المغربي" من القمة، بحسب ما أوضحه مصدر دبلوماسي عربي لـ"اندبندنت عربية" قبل أن تتدخل الجامعة لحلحلته.
وكان موقع "هسبريس" المغربي قد نقل عن وزير الخارجية بوريطة، قوله إن "نجاح القمة العربية مرتبط بتجاوز الخلافات الجانبية"، مضيفاً "ومرتبط بتجاوزنا الاستفزازات التي لا حاجة إليها، وإذا البلد المضيف تعامل وفق القواعد التي تحكم القمم، سواء من الناحية البروتوكولية أو الأعراف"، كذلك أوردت وكالة الأنباء المغربية نفياً عن احتمالات انسحاب الوفد المغربي برئاسة بوريطة بعد خلاف ومشادات مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة حول القرارات ومشروع البيان الختامي، ونقلت عن مصدر رسمي قوله "إنه ليس من قواعد وأعراف العمل الدبلوماسي المغربي وفق تعليمات العاهل المغربي الملك محمد السادس أن يغادر قاعة الاجتماعات، بل أن يدافع من داخلها عن حقوق المغرب المشروعة ومصالحه الحيوية".
وعن أجواء احتدام تلك الخلافات داخل الاجتماع الوزاري العربي المغلق، ذكر لنا مصدر مطلع بعضاً مما دار فيه، قائلاً "عصفت المشادات الجزائرية - المغربية عبر وزيري خارجية البلدين بأجواء الاجتماع الوزاري العربي، إذ شهدت الدقائق المعدودة له السبت مشادات وسجالات بين المسؤولين"، موضحاً "بعد الاحتجاج على الخريطة التي نشرتها وسيلة إعلام جزائرية طالب الوزير المغربي بوريطة بتعديل جدول أعمال القمة، والبيان الختامي المرتقب أن يصادق عليه القادة، وذلك بمطالبته بإدراج إدانة التدخل الإيراني في الشؤون العربية، وإدانة تسليح طهران بعض التنظيمات التي تصفها الرباط بالإرهابية، كجبهة البوليساريو"، وتابع "رفض وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الطلب، مما دفع الوزير المغربي إلى الحديث مجدداً للاحتجاج على رفضه"، معتبراً أنه ليس من حقه الرفض بل عرض الأمر على التصويت.
لم ينته التشاحن عند هذا الحد، بحسب المصدر نفسه، "إذ دفع إصرار الوزير الجزائري على رفض الطلب المغربي وتجاهله، إلى إصرار نظيره المغربي على الأمر، قبل أن يترك القاعة ويخرج منها".
ووفق ما تناقله إعلاميون وبعض المسؤولين في مركز انعقاد المؤتمر، فإن الوفد المغربي غضب كذلك، من "الخروقات البروتوكولية والتنظيمية، في استقباله لدى وصوله المطار"، معتبرين أن تلك "التجاوزات" من شأنها أن تؤثر في أعمال القمة.
ولم يكن الاجتماع التكميلي الأحد 30 أكتوبر أقل سخونة، إذ أكد مصدر دبلوماسي خليجي لنا أن الطرفين عاودا الشجار على ملفات إضافية ذات علاقة بما يعتبره المغرب "تدخلاً جزائرياً في سيادته"، مما دفع عدداً من وزراء الخارجية العرب إلى اقتراح إدراج الخلاف المغربي - الجزائري ككل في أجندة القمة لحله ضمن قنواتها.
هذا الاقتراح لاقى رفضاً قاطعاً من قبل الدولة المستضيفة، مشددة على عدم الارتباط بين ملفات القمة والخلاف الإقليمي التاريخي بينهما، ولا حاجة إلى التمسك بالقضايا الخلافية بعد أن أكدت الحكومة الجزائرية أن الخريطة التي تم بثها وهي تخلو من دولة المغرب كانت خطأ اعتذرت عنه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب المصدر نفسه، فإن هذه الأزمة التي اشتعلت في الساعات الأخيرة قد انتهت بعد أن توافق كل المجتمعين على البيان الختامي بشكل كامل، وهو ما اعتبروه تجاوزاً للخلاف بعد الاتفاق على الأولويات.
وبعيد الاتفاق على البيان وانتهاء الاجتماعي الوزاري، قالت صحافيون مغاربة إنهم عاودوا العمل بعد أن تسببت خلافات الساعات الماضية في منعهم من التغطية والحضور إلى مقر القمة.
وتعد زيارة بوريطة إلى الجزائر الأولى من نوعها لمسؤول مغربي رفيع المستوى عقب قطع العلاقات بين البلدين بقرار من الجزائر العام الماضي. فيما كانت آخر زيارة لمسؤول جزائري عقب قطع العلاقات أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، وذلك بعد أن أوفد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وزير عدله عبدالرشيد طبي إلى الرباط، لتسليم دعوته للعاهل المغربي لحضور القمة.
وتدهورت العلاقات الثنائية بين البلدين عندما أعلنت الجزائر في أغسطس (آب) من العام الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، متهمة المملكة بارتكاب "أعمال عدائية" ضدها. وردت الرباط معربة عن أسفها لهذا القرار، ورفضت ما وصفته بـ"المبررات الزائفة".
خلافات جدول الأعمال
لم يكن الخلاف الجزائري - المغربي وحده من هيمن على اجتماعات وزراء الخارجية العرب التمهيدية للقمة، بل شهد التوافق على جدول الأعمال خلافات بين الدول الأعضاء، لم تهدأ حدتها إلى أن تدخلت الجامعة العربية، ودفعت باتجاه إدراج كل الملفات التي تم طرحها بين الأعضاء على جدول أعمال القمة، بحسب ما أوضحه وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء الاجتماعات التحضيرية الأحد.
وفيما ذكر مصدر دبلوماسي جزائري لنا أن "الاجتماعات التمهيدية التي انتهت بإقرار جدول الأعمال سمحت بالتوصل إلى نتائج توافقية بعد مشاورات ثرية ومعمقة"، أوضح مصدر دبلوماسي عربي أنه إلى جانب إصرار المغرب على الدفع باتجاه إدراج التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية، ودعمها العسكري تنظيمات مسلحة، طالبت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش بإدراج "أزمة بلادها ضمن جدول الأعمال من خلال الدعوة إلى التعجيل بالانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية"، وهو ما كان يرفض صيغته بعض الأعضاء، كذلك دفعت الدولة المستضيفة بملف "إصلاح الجامعة العربية".
من جانبها، طالبت القاهرة، وفق المصدر الدبلوماسي الجزائري، بإدراج ملف أزمة سد النهضة بين القاهرة والخرطوم من جهة وأديس أبابا من جهة أخرى، ليكون على جدول الأعمال وفي البيان الختامي.
وعقب انتهاء الاجتماعات الوزارية، قالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان لها، إن الاجتماعات "استهلت بمناقشة مشروع مجلس أعمال الاجتماع على مستوى القمة، كما ناقشت مشروع قرار حول الأمن الغذائي القومي العربي، ومشروع قرار حول الأعمال المنبثقة من أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي". وفي تصريحه لدى اختتام الاجتماعات، قال السفير حسام زكي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، إنه قد تم الاتفاق بالإجماع على كل بنود الاجتماع التي سترفع إلى اجتماع القمة.
وكان وزير الخارجية الجزائري قد أعلن في مستهل تلك الاجتماعات أن بلاده تأمل "بأن يكون في مقدورنا العمل جميعاً لبناء توافق أوسع يسمح بلم شمل جميع الدول العربية، وتوحيد صفوفها وجهودها لحل الأزمات الحادة التي تمر بها منطقتنا العربية، والتي جعلت منها ساحة صراعات بين عديد القوى الأجنبية"، مشدداً على أن "الجزائر تعول كثيراً على مساهمة الجميع في القمة العربية لتحقيق انطلاقات جديدة للعمل العربي المشترك، وفق نهج يتجاوز المقاربات التقليدية ليستجيب لمتطلبات الحاضر".
من جانبه، شدد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، في مستهل كلمته بالاجتماعات الوزارية العربية، على أن "الظروف الدولية الراهنة تستوجب من الدول العربية صياغة مواقف قوية"، داعياً إلى "ضرورة العمل الجماعي من أجل إنهاء الأزمات في سوريا وليبيا واليمن"، معتبراً أن "الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة على شفا الانفجار".
وذكر أبوالغيط أن "واقع الأزمات التي تواجه البلدان العربية لا بد أن يحتل مكانة مهمة على أجندة أعمال القمة، كما أن أزمة الغذاء تمثل أولوية مهمة ونأمل تدشين استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي".
إلى أين تذهب القمة؟
وعلى رغم أن الأجندة الأساسية للقمة قد تم الاتفاق عليها سلفاً بالتنسيق بين أمانة الجامعة والدول الأعضاء، فإن الاجتماعات الوزارية خلال الساعات الماضية، مع بروز الخلاف الجزائري - المغربي، بدت كما لو أنها تصوغ أجندة من الصفر، مما يثير التخوفات في شأن النتائج المرتقبة من قمة الجزائر، وفقاً لمراقبين.
ويقول عبدالله جداد، رئيس تحرير صحيفة "أخبار العيون" المغربية، إن وزير خارجية الرباط "لعب دوراً في إحباط مناقشة قضايا مثل عودة سوريا إلى الجامعة، بالإضافة إلى إصراره على إثارة دور الجزائر في خلاف الصحراء المغربية، مستنداً في ذلك إلى دعم أطراف عربية عديدة تتوافق معه في الموقف".
وأضاف جداد "رفض الجزائر تلبية نداء الملك محمد السادس ببدء صفحة جديدة واستعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح الأجواء التي أغلقتها الجزائر أمام جارتها، وإصرارها على رفض كل ما يمكن أن يحسن علاقتها بجارتها التي تتمسك بسيادتها على الصحراء يجعل من فرص تصديق شعار (لم الشمل) غير ممكنة".
ومن جانبه قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة البليدة الجزائرية، عبدالقادر السوفي، إن الخلاف يكمن في عدم فهم دور بلاده المزدوج في هذه القمة. وأضاف "الجزائر عضو في الجامعة وتطرح آراءها وفق منظورها بهذه الصفة، وهي في الوقت نفسه رئيس للدورة وهذه صفة معنوية تلزمها التمسك بجدول الأعمال وضمان عدم الخروج عنه، حتى لو حاولت الرباط الزج ببعض القضايا في الجدول تتمسك الجزائر بالأجندة بصفتها الرئاسية كمنظم".
ويصف الأستاذ الجامعي الجزائري التنظيم بالناجح على رغم ما سبق، قائلاً "الجزائر لا تملك الجامعة بل ترأس الدورة الحالية، ولا يمكنها إملاء المواقف على الدول الأعضاء، ورفضهم وتحفظهم على كثير من الأشياء، لا يعني نجاح أو فشل القمة بأي شيء".