كشفت مصادر رسمية من موسكو عن تزايد حشود الـ"ناتو" على مقربة مباشرة من الحدود الروسية، ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن وزير الدفاع سيرغي شويغو ما قاله خلال اجتماع قيادات مجموعة الإدارات العسكرية للقوات المسلحة الروسية والبيلاروسية حول تضاعف تعداد قوات الـ "ناتو" على الحدود بمقدار ضعفين ونصف الضعف، ليبلغ ما يزيد على 30 ألف شخص.
وأضاف شويغو أن الأعداد "يمكن أن تزيد على المدى القصير إلى ما هو أكثر من ذلك"، مشيراً إلى "تشكيل مجموعات تكتيكية جديدة متعددة الجنسيات في بلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا".
ولفت إلى احتمال تعرض حلفاء روسيا، وبيلاروس الشقيقة منهم في الصدارة، إلى الهجوم من جانب هذه البلدان المجاورة، وذلك ما يدفع وزارة الدفاع الروسية إلى الاعتقاد "بأن ضمان الأمن العسكري لدولة الاتحاد القائمة بين روسيا وبيلاروس مهمة ذات أولوية خاصة".
وعلى نحو بدا أقرب إلى التحذير المقترن بقدر من المخاوف، أعلن شويغو أن الـ ’ناتو‘ يريد الانتقال من احتواء روسيا بوجودها إلى إنشاء نظام دفاعي قرب الحدود الروسية".
ومضى الوزير الروسي ليحذر كذلك من مغبة احتمالات تزايد عدد القوات من أعضاء الـ "ناتو" غير الإقليميين، ربما في إشارة إلى قوات من فنلندا والسويد بعد انضمامهما حديثاً إلى التكتل الدفاعي بعد بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وذلك ما دفع عضو مجلس الاتحاد السيناتور سيرجي تسيكوف إلى التحذير من مغبته، مؤكداً أنه "إذا ظهرت قواعد الـ ’ناتو‘ في فنلندا وتم نشر أسلحة نووية هناك، فإن روسيا ستعزز الأمن بشكل متناسب على الحدود بين البلدين"، على ضوء ما طرأ من تغييرات في علاقات البلدين.
وكانت موسكو دعت إلى اجتماع مشترك مع قيادات القوات المسلحة لبيلاروس، شريكتها في الدولة الاتحادية التي أعلن البلدان تأسيسها منتصف تسعينيات القرن الماضي، وقد توصل الجانبان إلى قرار حول توحيد الفضاء الدفاعي بين البلدين بعد أن كانا اعتمدا "عقيدة عسكرية مشتركة"، فضلاً عن التوافق والتنسيق في ما بينهما، جرى بموجبهما تبني "التخطيط العسكري المشترك والتعاون في إجراء التدريبات والمناورات في ظل نظام دفاع جوي موحد.
قلق القنبلة القذرة
ومن اللافت في هذا الشأن ما أعرب عنه المسؤولون من القيادات العسكرية للبلدين من قلق حيال "محاولات كييف صنع قنبلة نووية قذرة، وما تجريه من استعدادات لنشر أسلحة نووية لدول الـ ’ناتو‘ على أراضيها"، بحسب إشارة وزير الدفاع الروسي.
وكان شويغو استهل حديثه في هذا الاجتماع بقوله إن "جمهورية بيلاروس كانت ولا تزال أقرب جار لنا وحليفنا المخلص وشريكاً موثوقاً فيه، وهذا مهم بخاصة اليوم عندما تتزايد التوترات بسرعة حول العالم وتدمر أسس الاستقرار الاستراتيجي ويتراجع دور المؤسسات الدولية وتتصاعد المواجهة بين الغرب وروسيا".
ولم يغفل الوزير الروسي العودة للتركيز على أن "نظام كييف يلجأ بشكل متزايد إلى أساليب المواجهة المحظورة، بما في ذلك الهجمات الإرهابية والقتل العمد وقصف المدنيين بالأسلحة الثقيلة واستخدامهم كدروع بشرية، وهو ما تحاول الدول الغربية عدم الإشارة إليه"، على حد تعبيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي إشارة لا تخلو من مغزى، توقف شويغو عند ما يتردد في الأوساط الغربية من أن الرئيس الأميركي جو بايدن يحذر القيادات الأوكرانية بشكل غير مباشر من أية محاولات أو خطوات تستهدف التوصل إلى تسوية سلمية مع روسيا، وذلك ما كشف عنه الوزير الروسي بإشارته إلى وجود من يعمل على تشجيع القيادة الأوكرانية من أجل المضي قدماً نحو طريق تصعيد الصراع في أوكرانيا، وذلك ما سبق وأفصحت عنه قيادات أوروبية سياسية كثيرة ومنها المفاوض السياسي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي قال "بضرورة حسم المعركة بين البلدين في ساحة القتال"، لذا لم يكن غريباً أن يتوقف وزير الدفاع الروسي بكثير من التفاصيل عند استمرار تدفق الأسلحة وأحدث المعدات العسكرية على أوكرانيا، فضلاً عن استمرار حلف الـ "ناتو" في تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية من خلال مستشاريه العسكريين.
وأشار شويغو كذلك إلى تصاعد نشاط المرتزقة الأجانب في القوات المسلحة لأوكرانيا والتوسع في حرب المعلومات، فضلاً عن الاستمرار في ممارسة الضغوط وفرض مزيد من العقوبات من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب تجاهل "عناصر الابتزاز النووي من قبل السلطات الأوكرانية"، ومنها ما يجرى ضد محطة الطاقة النووية في زابوريجيا".
الهدف الرئيس للغرب
وذلك كله يعيد للأذهان ما سبق ورددته كثير من المصادر على المستويات الإقليمية منها والدولية كافة، حول أن تقسيم روسيا وإطاحة نظام الرئيس بوتين يظل الهدف الرئيس من الحملات الأميركية والغربية.
ويذكر المراقبون أن "الخبراء الأميركيين" الموجودين في كييف على مقربة مباشرة من الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي كانوا وراء إحباط الاتفاق حول وقف إطلاق النار، واعتراف الجانب الأوكراني بتخلي كييف عن حلم الالتحاق بالـ "ناتو" ونشر الأسلحة الاستراتيجية في أراضيها، والذي كان توصل إليه مع نظيره الروسي في إسطنبول مارس (آذار) الماضي تحت رعاية شخصية من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ومن الغريب في هذا الصدد ما يقال حول أن الولايات المتحدة لا تريد إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وأنها ليست في حاجة إلى نصر عسكري تحققه في مواجهة روسيا بالقدر نفسه الذي لا تريد فيه أن تجنح نحو السلام مع موسكو، ومن هنا تؤكد المصادر الروسية أن الإدارة الأميركية تبقى في أمس الحاجة إلى استمرار الصراع في المنطقة لأسباب منها ما يعود لحاجة المؤسسات الصناعية العسكرية الأميركية إلى أسواق للسلاح، وما يمكن أن يسهم في الحفاظ على مكانة الدولار بما قد يكون دعماً للاقتصاد الأميركي.
ولعل ذلك تحديداً هو ما يبدو في صدارة استراتيجية الإدارة الأميركية التي وجدت في الصراع القائم خير فرصة لتنفيذ ما سبق ودبرته من مخططات منذ الموجة الأولى للثورة البرتقالية في أوكرانيا نهاية عام 2004.
الإبقاء على الحرب
وتنقل المصادر الروسية عن الـ "بنتاغون" ووزارة الخارجية الأميركية ما يجري تسريبه من معلومات تقول إن "المصلحة الأميركية تقتضي الإبقاء على روسيا وأوكرانيا في حال صراع دائم يمكن أن يستنزف البلدين ويصرف أنظارهما عما تضمره الإدارة الأميركية من مخططات تسهم في إضعاف روسيا وإعادتها لما كانت عليه من وضعية ضعيفة لا تسمح لها بالالتفات إلى مصالحها في الجوار السوفياتي السابق الذي تعمل الإدارة الأميركية على احتوائه، وهو ما كتبت "اندبندنت عربية" عنه عبر أكثر من تقرير من موسكو.
ومن نافلة القول ما تعودت المصادر الروسية ترديده حول أن واشنطن تظل في أمس الحاجة إلى أوكرانيا التي يصفونها بأنها باتت "بقرة نقدية ضرورية ومرغوبة للولايات المتحدة واقتصادها".
تدمير روسيا
وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغور عاد للتحذير من مغبة هذه الأهداف حين أكد أن "الهدف الرئيس للجهود المدمرة للغرب الجماعي هو روسيا، بما في ذلك تدمير اقتصادها وقدراتها العسكرية وحرمانها من فرصة اتباع سياسة خارجية مستقلة".
وأعاد المسؤول الأمني الروسي إلى الأذهان ما خلصت إليه قمة رؤساء بلدان حلف الـ "ناتو" في مدريد نهاية يونيو (حزيران) الماضي من تبني مفهوم استراتيجي جديد لحلف الـ "ناتو" فيما أقره من اعتماد روسيا الاتحادية بوصفها "المصدر الرئيس للتهديدات الأمنية".
الافتقار إلى الإرادة السياسة
غير أن الواقع يقول إن مثل هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر طويلاً، على حد قول الخبير الاستراتيجي الروسي يفجيني يرماكوف.
وفي هذا الصدد، وكما أشار يرماكوف، فإن أوروبا مع ما تملك من الفرص والموارد اللازمة لانتهاج سياسة مستقلة، إلا أنها تظل تفتقر إلى الإرادة السياسة التي يمكن أن تساعدها في كسر حدة الضغوط الأميركية والإفلات من مصيدة التضامن القسري مع الولايات المتحدة أياً كانت مواضيع هذا التضامن ومدى اتساقه مع مصالحها.
وعودة لما سبق وقاله عدد من ممثلي الأوساط السياسية والاقتصادية الشرقية والغربية على حد سواء، يشير مراقبون إلى أن واشنطن ما فتئت تتحمل المسؤولية الكاملة عن تسيير أمور أوروبا ورسم سياساتها مع روسيا، بعد أن بات قادتها في حال من الضعف والترهل، على النقيض مما كان عليه القادة السابقون إبان العقود الأخيرة من القرن الـ 20 ومطلع القرن الحالي.
ومن هنا يتوقف المراقبون عند ما ستحمله نتائج الانتخابات النصفية الأميركية من أوراق ثمة من يقول إنها سترسم إلى حد كبير كثيراً من مسارات الأوضاع، ليس فقط في الداخل الأميركي بل وفي كل البلدان التي لطالما سارت في ركاب البيت الأبيض طوال العقود الأخيرة.
دور الأخ الأكبر
وكانت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" نقلت عن خبير المعهد الاستراتيجي الروسي يرماكوف ما قاله حول أن "الأوروبيين معتادون على أن تتحمل واشنطن عنهم المسؤولية الكاملة في حل القضايا الأوروبية الجادة".
واستطرد يرماكوف ليقول إنه "وبما أن الأوروبيين لا يستطيعون الاتفاق في ما بينهم، فإن الولايات المتحدة تلعب دور الأخ الأكبر بما يضمن التوافق بين دول أوروبا ولكن بطريقة تعود بالنفع على واشنطن".
كما أن الأوروبيين يحتاجون إلى تحمل المسؤولية الكاملة، فضلاً عن الحاجة إلى زعيم جاد قادر على الاضطلاع بمهمة توحيد الصفوف واستعادة الوضعية الأوروبية المستقلة".
وحتى ذلك الحين فإن أوروبا ستظل عاجزة عن استعادة وضعيتها المستقلة بما تستطيع معه الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية والتوصل إلى إدراك القيمة الحقيقية للسيادة والقدرة على رفض المواجهة مع روسيا التي تتخذها الولايات المتحدة وحلف الـ "ناتو" مبرراً للوجود على مقربة، بما في ذلك نشر قواتها النووية في أراضي بعض هذه البلدان، ولذا بات من الواضح أن الولايات المتحدة ستواصل بذل الجهود لضمان ألا تصبح أوروبا مركزاً مستقلاً للقوة يمكنه منافسة ومواجهة القوة المهيمنة في واشنطن.
شقاق غير معلن
لكن هناك من يقول أيضاً بعدم دقة مثل هذا الطرح في ضوء ما يتبدى من شقاق غير معلن بين عدد من البلدان الأوروبية، ومنها ما كشفت عنه بعض عواصم شرق أوروبا مثل بودابست التي تتخذ مواقف متفردة تجاه كثير من مقررات الاتحاد الأوروبي منذ أعلنت رفضها استمرار العقوبات ضد روسيا وعدم الالتزام بكثير من سياسات الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، ناهيك عن مقررات حقوق الإنسان والموقف من المثلية الجنسية وتغيير المناهج الدراسية وغيرها من "أسس ومبادئ" الثورات الملونة التي استهلت بها الدوائر الغربية نشاطها في الفضاء السوفياتي السابق وعادت لنشرها في مناطق كثيرة بالشرق الأوسط.
واستشهد هؤلاء بتساقط عدد من حكومات الدول الغربية على غرار ما حدث في بريطانيا وإيطاليا إلى جانب عدم استقرار سياسات كل من ألمانيا وفرنسا.