نجحت البعثة الأثرية المصرية الدومينيكانية التابعة لجامعة سان دومينغو برئاسة كاثلين مارتينز، في الكشف عن نفق منحوت في الصخر على عمق نحو 13 متراً تحت سطح الأرض، وذلك في أثناء أعمال الحفر الأثري للبعثة بمنطقة معبد تابوزيريس ماجنا غرب الإسكندرية.
النفق المُكتشف يبلغ طوله نحو 1305 أمتار، وارتفاعه نحو مترين، وجرى العثور بالقرب منه على رأسين مصنوعين من الألبستر، أحدهما لشخص من العصر البطلمي، والآخر من المرجح أنه تمثال لأبو الهول.
نفق غارق تحت المياه
وأوضحت كاثلين مارتينز، رئيسة البعثة، في بيان، أن الدراسات المبدئية تشير إلى أن التصميم المعماري للنفق المُكتشف يشبه بصورة كبيرة تصميم نفق يوبيلينوس باليونان، لكنه أطول منه، ووصفته بـ"الإعجاز الهندسي".
وأضافت أنه في أثناء أعمال الحفائر والمسح الأثري للنفق، جرى الكشف عن جزء من النفق غارق تحت مياه البحر المتوسط، كما عُثر على عدد من الأواني الفخارية والجرار الخزفية تحت الرواسب الطينية، إضافة إلى كتلة مستطيلة الحجم من الحجر الجيري.
وباستكمال أعمال الحفائر أثبتت عديد من الشواهد الأثرية أنه يوجد جزء من أساسات معبد تابوزيريس ماجنا مغمورة تحت الماء، وتعمل البعثة حالياً للكشف عنها، حيث إنه وفقاً للمصادر العلمية فقد ضرب الساحل المصري ما لا يقل عن 23 زلزالاً بين عامي 320 م و1303 م، مما أدى إلى انهيار جزء من معبد تابوزيريس ماجنا وغرق تحت الأمواج.
جدير بالذكر أن البعثة خلال مواسم الحفائر السابقة، تمكّنت من العثور على عديد من القطع الأثرية المهمة داخل المعبد، منها عملات معدنية تحمل صور وأسماء كلاً من الملكة كليوباترا، والإسكندر الأكبر، وعدد من التماثيل المقطوعة الرأس، وتماثيل للإلهة إيزيس، إضافة إلى نقوش وتماثيل نصفية مختلفة الأشكال والأحجام.
كما اكتشفت شبكة أنفاق تمتد من بحيرة كينج مريوط إلى البحر المتوسط، و16 دفنه داخل مقابر منحوتة في الصخر، التي شاع استخدامها في العصرين اليوناني والروماني، إضافة إلى عدد من المومياوات، التي تبرز سمات عملية التحنيط خلال العصرين اليوناني والروماني.
مركز ديني
وعن منطقة تابوزيريس ماجنا وأهميتها التاريخية يقول بسام الشماع، المتخصص في الآثار المصرية لـ"اندبندنت عربية"، "المنطقة عرفت مركزاً دينياً، وهي تقع على الساحل غرب الإسكندرية، حيث تبعد عنها بنحو 45 كلم، وكانت مركزاً مهماً للبطالمة لموقعها الفريد، حيث تقع عالياً على التل، وتكشف المنطقة حولها بالكامل مما كان سبباً لبناء فنار في هذا الموقع لا يزال جزء منه باقياً، وهو يختلف عن فنار الإسكندرية الشهير الذي كان من عجائب الدنيا السبع القديمة، والمنطقة اشتقت اسمها من المعبود القديم أوزوريس الذي استمرت عبادته وقت البطالمة ليتحول اسمها مع الزمن إلى أبو صير وهو ما تعرف به حالياً".
ويضيف الشماع، "كان من عادة البطالمة بناء المعابد على أنقاض المعابد المصرية القديمة التي تهدّمت، أو لا تزال أجزاء منها باقية لنفس المعبود، الذي كان يعبد فيها، وذلك للتقرب للمصريين وكسب ودهم باحترام معبوداتهم وعقيدتهم الدينية، وهذا المعبد جرى بناؤه بهذا الشكل على أنقاض معبد قديم لأوزوريس، وهو ذو شكل مستطيل بجدران عالية وبداخله مقصورة، وكانت تقام داخلة طقوس دينية، ومن المشاهدات الجديرة بالاهتمام هو أن النفق المُكتشف يأخذ من أعلى شكل الجمالون (الشكل المثلث)، وهو كان شائعاً في عصر بناة الأهرام، وكان الهدف منه تقليل ضغط الأحجار على مكان معين، فالتأثر بالحضارة المصرية القديمة كان ممتداً ومستمراً في عهد البطالمة".
لماذا بنى البطالمة هذا النفق؟
يثير الكشف الأخير هذا التساؤل، فماذا يدفع لبناء نفق يمتد إلى البحر في مكان ديني مكرّس للعبادة؟ وما الهدف منه، بخاصة مع ما أشار إليه الكشف من وجود شبكة أنفاق تمتد بين بحيرة كينج مريوط والبحر المتوسط. يجيب الشماع "أتوقع أن الهدف من إنشاء النفق يمكن أن يكون لاستخدامه من قبل الكهنة للتحرك من مكان إلى آخر من دون الظهور على الأرض، أو ربما لاستخدامات عسكرية للمعبد الذي يقع فوق تلة عالياً، فكان من الشائع بناء القلاع والحصون على الأماكن المرتفعة، بخاصة أن المعبد جدرانه عالية، ويمكن أن تكون للحماية، وهذه المنطقة ذات أهمية كبيرة في هذا العصر، وكانت تعتبر مركزاً مهماً في أثناء فترة حكم البطالمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف، "وصول النفق إلى البحر المتوسط حالياً لا يعني أنه وقتها كان الوضع بهذا الشكل، فمستوى المياه ارتفع، وغرق كثير من الأماكن، فالتغيرات المناخية على مدار الزمن كان لها تأثير كبير، فقد يكون هذا النفق خلال هذا العصر يؤدي إلى مكان آخر، أو ربما لمعبد آخر تهدم مع الزمن، وكان هذا النفق يستخدم للربط بينهما، فأهمية هذا الاكتشاف هو أنه سيدفع إلى مزيد من البحث حول هذه المنطقة، وربما مع استمرار الحفائر يجري الوصول إلى اكتشافات أخرى تساعد على الربط بين المعلومات المتاحة، فهذا النفق يمثل مفتاحاً لفصل مهم من فصول منطقة تابوزيريس ماجنا".
ويختتم الشماع "مثل هذه الاكتشافات الأثرية تلقي الضوء على مناطق معينة، وتضعها على عناوين الأخبار في الداخل والخارج لأهمية الحدث، ومن هنا ينبغي أن يُستغل هذا الأمر على المستوى السياحي، فمنطقة تابوزيريس ماجنا يمكن أن تكون سياحية بامتياز لوقوعها على ساحل البحر المتوسط، إضافة إلى البعد الأثري، وتواجد معبد تاريخي، فيمكن إنشاء بعض القرى السياحية بالمنطقة والترويج للمنطقة سياحياً باعتبارها تمتلك كل المقومات".